العين الحقيقية للإنسان لطالما تعودت على الشك أولاً, والتحري والأنانية, والفضول

يرتبط التقديس بالرّفعة والطهارة وكلّ ماهو عالٍ من صفات وأحكام..

عندما نقدّس شيئاً ما فإما إنّه يكون مستحقّاً لهذه الصفّة

بذاته فلا يضرّ الصفة حقيقتها إن كذّبها أو عاندها أحدٌ ما

-فنحن نقدّس الله، وكلامه-

أو أننا نؤمن بأن هذا الشيء يستحقّ هذه الصفة لأمورٌ نحن

من يضع شروطها وضوابطها، كالمبادئ، الذكريات.. وحتى الأشخاص!

علينا أن نفرّق بين الأمرين.. إذ أنّ الحدّ الفاصل بينهما أيضاً يحدده الإنسان نفسه، -بعيداً عن حقيقته إن كان مقدّساً بذاته-

فمثلاً.. قدّس الناس النّارَ في عصرٍ لقوتها وجبروتها (ولازال بعضهم)، ولمساعدتها إياهم في أمورهم اليوميّة

قدّسوا السماء والشمس والقمر والحجارة حتى وصل الحال ببعضهم لتقديس (الأعضاء التناسلية).. نعم!!

يبدأ الإنسانُ مع مرور الوقت بتصديق ما أحبّه وعظّمه حتى يصل إلى حدّ التطرّف، فيحاول أن يحول الشيء من شيءٍ عاديّ مقدّس بالنسبة له هو إلى إرغام الجميع بالسمع والطاعة إلى ما يصدق

حتى يصل إلى العبادة!

فقال أهل مكّة عن أصنامهم حين أتى الرسول الكريم ليرشدهم إلى صاحب القداسة الذاتية الحقيقية "مانعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!"، بدأت حينها معركةٌ حقيقيةٌ ومفصلية في تاريخ العرب آنذاك

كانت الحرب بين "الحق" و "الباطل".. لا مسمّى بينهما.

إن رداء الرفعة عن الخطأ والتألّه ليس لإنسان أن يُلبِسَه ماشاءَ كيفما شاء، بل هناك واقعٌ يفرض عليك أن تسلّم بالقصر والنقصان في المادّيات ومن ضمنها نحن.

من ركائز العقل أن ينطلق إلى اليقين بالشكّ،

فلا يمكن له وعيُ الشيء إلا بإدراكه لضده.

تألقت السياسة في استغلال هذا الجانب من الإنسان، ولا أقصد هنا المعنى الاصطلاحي المخصص لأصحاب المهن ذو الصلة المباشرة، ولكن المقصود عامٌّ بكل من يوظفها لخدمة أفكاره

فتجدُ القائد العسكري يتنغّم بالسلاح ويغازله ويطلق عليه كل الكلمات الفاخرة الرفيعة، -ولكن مهمّة السلاح هي "القتل"-

ورجال الدين عن فضائل شيوخهم وروعاتهم وحسن أخلاقهم بل وحتى طهارة قلوبهم "التي لا يعلم بها إلّا الله"..

وقادة الأحزاب عن المساواة والحريّات والعدل والتضحيات

والتطور على جميع الأصعدة، فما يلبثُ أحدهم أن يصل للسّلطة تعود هذه الشعارات لمكانها.. في أفواه الناس وعلى الورق،

وربّ العملِ عن الانتماء والصدق والأمانة، ولا تنسى الصبر لأنه مفيدٌ في حال العمل الإضافي وتأخر الرواتب، أو حتى عدم دفعها.

الفكرةُ ليس في التعميم.. وليس هجوماً على هؤلاء لأنني أتحدّث عن (الاستغلال) وهو مصطلحٌ عادةً ما يُستخدمُ لوصفٍ فعلٍ نواياه سيّئة.

لا يستطيع الإنسان العيش دون أن يقدس شيئاً،

هو حاجةٌ متأصّلةٌ في النفس، يبدأ الطفلٌ عادةُ في تقديس الأنانية، وحب التملك.. فالطفل مثلاً يبكي ويصرخ إذا لم يستطع سرقة لعبة ولدٍ آخر أعجبته!

إنها فطرةٌ لم يكتسبها اكتساباً.. بل تكونُ في وعيهِ متى ما بدأ يفكّر

فنلقنه أن هذا شيءٌ سيّء ولايجوز له أن يأخذ ما ليس ملكاً له غصباً.. مع أننا في نفس الوقت نفعل ما يفعله مع إحساسٍ بالذنب ربما

ولكننا لا نستطيع أن نتقبل أنه لا يحس بالذنب!

"تعلّم أنّه ذنبٌ أوّلاً ثم مارسه"

وتستمرّ دائرة التقديس، فحتّى الملحد حينَ يظنّ أنه هرب من تقديس الإله والدين تجده يقدّس العلم أكثر من تقديس المتدين لدينه، فعنده يكونُ كفراً أن تقولَ

أن 2+2 لا يساوي 4

فأنت هنا ملحدٌ بالنسبة له!.

إن هنالك العديد من المسلمات التي يجب على المرء أن ينظر إليها بعين الناقد المتعلم، الفضولي.. كالطفل الصغير

تعيش العديد من الأفكار التي ندافع عنها دوماً في عقولنا وتنمو لتصبح حقيقةً مطلقةً لا يمكن القبول بضدها

أو حتى النظر فيها

يستخدم القادة في المجتمع على جميع الأصعدة دائماً هذا النوعَ من توجيه التابعين لهم

فكما ذكرنا سابقاً من سياسيين ورجالَ دينٍ وعسكر ورؤساء

يحيطون بكل مالديهم بحجابٍ مَهيبٍ كي يغطو العينَ الحقيقية للإنسان

العينُ التي لطالما تعودت على الشكّ أولاً

والتحري والأنانيّة.. والفضول


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أسيد الطعان

تدوينات ذات صلة