يحكي كاتب المقال قصة واقعيَّة مع توصيل رسالة للتفكير مِراراً وتِكراراً بمقياس الاستيلاء ومحاولة السيطرة على غرض أو مساحة ما دون وجه حق.

أحمد البطران

لا أخْفِيكم سراً عن تلكَ العلاقة التي ارتَبطت بها نفسي إلى درجة الانتماء للمذاق السعودي الأصيل وما يحتَويه من فاتِح شهيَّة واشباع النفس الهنيَّة لدى كل من يتنَاوله بجانب من يتقِن تحضيره بواسطة الأيَادِي ذات المهارات والنفس الطيِّبة لطهو الألذ من الأرز وخلطة الزبيب (الكشنة) مع ما تشتهي الأنفس من البهارات بأصنافِها واللحوم بأنواعِها المحليَّة والآخر مستورَدة لمحاولة الاستيلاء على مكان ما بينَ أحضانها داخل ذلك القِدر مضغوطة أو مضبوطة تمامـــاً كتلك التي ترفع وتشمِّر عن أكمامِها مهما اختلفت ألوانها.

هذا ما حدثَ خلال زيارة خاطِفة إلى صديقٍ متزوج من ألمانية يعيش هُناك على أرض المانشفت.. البداية كانت ضيافة غربيَّة بتقدِيم القهوة الألمانية مع قطع الكعك المحلى مصحوباً بالاعتذار عن شُح الضيافة الشرقيَّة من القهوة السعوديَّة والتمر، وعند سؤاله لي عن مَكرمة العَشاء خَجِلت عن طلب ما تشتهيه نفسي من الطعام مع تقديم التلمِيحات والمبرِّرات بالشَبع من الأكل الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

حانَت لحظة الوليمة، تقدَّمت الألمانية زوجة صديقي تَحمل القِدر قائِلة: دويتشه كابسة آخماد، (يعني كبسة ألمانية يا أحمد) ليتَبادر إلى ذهني الكثير من التخيُّلات، نظرت هُنا وهُناك للتأكُّد من سلامَة الموقف، توجَّهنا إلى المائِدة دون أي سِباق وقررت الألمانية الحَديث قبل الأكل قائِلة: هُنا الكبسة ألمانية، ثم بَدأ صِراع تحديد المذاق، لقمَة غير هنيَّة، بطيئة بالملعقة والسكِّين خلافاً على ما عهِدنا عليه وردَّة فعل الشهيَّة من خَلَل في إعدادات الطبق.

بعد الانتهاء من الطعام، عَبَّرت لها بالشكر والامتنان وختَمت قائِلاً: الكبسَة هنا ليسَت ألمانيَّة بل القِدر الذي احتواها والأيادِي التي عمِلت على إعدادها فقط ما يعني أن محاولة الاستِيلاء على شيء لإرضاء الآخرين لا يمنَح الحق في تملُّكه، لربما كانت مُحاولة مؤقَّتة وتقليدًا غير ناجِح للحصول على فُرصة إثبات حق دون أي حق او شرعيَّة رغمــاً عن شُح كل المصادر؛ لتبقى تلك الأيادي ذات النفس الطيَّبة هي المرجعيَّة صاحِبة السِباق في كل مَذاق.

نَصّ

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نَصّ

تدوينات ذات صلة