أما زلت حقيقة تستمع ل"مدربين الحياة" وتسمح لهم بإخبارك كيف عليك أن تعيش الحياة؟

في الحقيقة لم أعد أحتمل سماع كلمة واحدة إضافية من أو عن وهم التنمية البشرية وسذاجة ما يُسمى بمدربين الحياة مع كامل الاحترام والتقدير لكل كلماتهم ومحاولاتهم المستمرة في بيعنا لمنطقهم وتجاربهم بالحياة وكلماتهم عبر فيديوهات ودورات وجلسات وكتب.

وأما أصحاب نظريات علم الطاقة والسحر والوهم.. فهؤلاء هم أكثر من يستطيعون التلاعب بك وبمشاعرك وعقلك، وزرع أشباح وشياطين داخلك.

لكن حقيقة طفح الكيل بالنسبة لي.

لو أن هذا العالم مهتم حقيقة لمعرفة علمية تطبيقية حقيقية لتحسين حياتنا، ودراسة كبواتنا ونجاحاتنا، ولإيجاد حل حقيقي وعلمي لمشاكلاتنا .. لكنا في حال أفضل.

لن أتكلم عن أصحاب نظريات الطاقة المنتشرة مؤخرا، دعني أركز الآن أكثر مع رائدي التنمية البشرية، مكتشفين سحر وسر الحياة الصحية للإنسان.

مبهر حقيقة بشكل مزري.

هم يروجون لوهم الإيجابية للحد القاتل، حتى ينقلب السحر على الساحر، فالإيجابية أيضا ممكن أن تصبح خنجرا قادرا على إنهائك وتدميرك في وقت من الأوقات.

لا يمكنك حقيقة أن تعزل نفسك عن محيطك، ولا يمكنك تغيير السلوك الشاذ للمجتمع عبر ترديد كلمات سخيفة، ولا يمكنك أن تصلح هذا العالم غير القابل للإصلاح عبر كلمات ساذجة وفكر طفولي.

أحيانا عليك أن تخلع النظارات الوردية وترى الحقيقة من حولك، وتتخذ خطوات عملية جدية.

لا أحد منهم يقدم أي حل حقيقي لحياة ومشكلة أيا كان، يروجون لك وهم طريقة حياة، لماذا تريد أن تعيش حسب تجربتهم؟ ويتم إعادتك دائما إلى جذور مشاكلك، تعامل عائلتك معك، رفض الأصدقاء لك، خجلك في صغرك، كُسر قلبك مرارا من الحب..

نعم صحيح، الماضي قد يكون له تأثير قوي على سلوكنا الحالي، لكن استفزاز شياطين الماضي في كل مكان عبر الكتب، ومواقع التواصل الاجتماعي والجلسات.. الخ، هذا مدمر أيضا.

يروجون لكلمات غير قادرين أحيانا على تطبيقها هم على أنفسهم حتى.

أتساءل إن كانوا مجرد حفنة من التعيسين في حياتهم الذين فشلوا في فعل كل شيء حقيقة، فاختاروا أن يعظوا الناس من تجاربهم الفاشلة، فأصبحوا ناجحين.

هذه خطة ذكية لإصلاح حياتك، وأنانية جدا لبناء سعادتك على حساب مشاعر الآخرين، وكبواتهم وفشلهم وخزيهم وعارهم.

تجاربهم الشخصية السيئة والإيجابية، قد تكون مجرد صدفة، مجرد إنقاذ الله لهم من بعض المحن، أو قوتهم وقدرتهم على الصمود أمام تحديات الحياة، كان في النهاية بسبب نرد عشوائي اختارهم أن يستمروا حتى الآن.

من الممكن ببساطة أن قدرهم الشخصي كان أن يستمروا .. أن يتم إنقاذهم .. وفي كل الأحوال .. هذا كان حظهم الشخصي وقدرهم الشخصي وتجربتهم "هم" ومسارهم "هم" .. ولا يمكنهم أن يروجوا ل"هم" على أنها الحياة.

بات الأمر مستفزا ويسبب صداعا حقيقة، لأنهم باتوا يظهرون في كل مكان.

حتى معتقداتهم الشخصية الإيمانية.. وصراعهم اللامتناهي بمحاولة ملئ الفراغات في عقولهم ومحاولة إيجاد إجابات مقنعة لأنفسهم والآخرين عن الكثير من اللامعلوم واللامعروف ..

هذا كله ليس دستور حياة .. ولا حقيقة .. هذا "هم" ..

وأنا سئمت منهم جميعا .. كلماتهم تتحول إلى صداع، توجيهاتهم أصبحت كتوجيهات الأهالي التي تلاحقنا منذ صغرنا في كل مكان، اخلد إلى النوم مبكرا، لا تشرب قهوة كثيرا، افعل شيئا سليما في يومك.

قد تنقذك التنمية البشرية والكلام الإيجابي لبعض الوقت، لكن قد تعقد الأمور لاحقا، فقد تم الاكتشاف في بعض الدراسات أن الوهم أحيانا قد يكون له تأثيرا طيبا على الإنسان، وأن العقل معقد لدرجة أنه أحيانا لا يستطيع التمييز بين الواقع والوهم ومن الممكن خداعه، لكن تبقى دراسات محدودة ونحن الآن 8 مليار إنسان .. 8 مليار قرد متطور .. بعقول مختلفة وجينات مختلفة وعقد نفسية مختلفة وماضي وحاضر ومستقبل مختلف.

فلا يمكن أن تكون النتيجة واحدة في النهاية .. أليس كذلك؟

ولا يمكن معرفة ما الصالح والطالح لكل الناس في كل الوقت .. أليس كذلك؟

نحن نحتاج بالطبع لتطوير علم النفس .. المعقد في كل الأحوال.. والقابل للتغيير طبعا مع تغير البشرية وتطورها، والذي لم يتم الاعتراف به كعلم حقيقي لفترة طويلة من الزمن ..

نحتاج لتطوير أدوات سلوكية وكيميائية علاوة على تحسين سلوك المجتمع ككل.. لضمان نتائج أفضل

وبعيدا عن كل ذلك .. لا أطيق أن أسمع كلمة واحدة من أصحاب نظريات التنمية البشرية بعد الآن

لطالما حقيقة لم أعجب بكتبهم، ولطالما كنت أتجنب كتبهم حينما كنت أصغر سنا.. وبعد إعطائهم فرصة لا بأس بها خلال عامين لمحاولة تصديقهم.. عدت إلى ما كنت أؤمن به سابقا .. لا أحب كلماتهم ولم أحبها يوما .. حتى أنا .. إن كنت أي كلمات تتعلق بالتنمية البشرية تخرج مني في أي مناسبة أو أي نص، فلا توافقوا عليها مباشرة، ولا تتبنوا أيا مما أقوله يوما .. فهذه أنا .. رأسي أنا .. تجاربي أنا .. وفي الغالب لن تناسبك أنت ..أنا لست مؤهلة لأخبرك كيف عليك أن تعيش حياتك.. لأني أنا ما زلت أكتشف كيف علي أن أعيش حياتي، أفهمت؟


ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

أتفق معك كثيرًا

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة