تحدثنا في المقالات السابقة عن أرض فلسطين، وآن الأوان أن نتكلم عن أهل فلسطين.

سنعرض معا في مقالين متتاليين كيف تم التهجير القسري لأهل فلسطين وكيف هي حياتهم داخل وخارج فلسطين وماذا عن حقهم في العودة.


تقسيم فلسطين عام 1947م.

أصدرت الأمم المتحدة في يوم 29 نوفمبر 1947 قرارها رقم 181 والذي بموجبه يتم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها بالشكل التالي:

1. دولة يهودية تساوي مساحتها 57.7% من مساحة أراضي فلسطين

2. دولة عربية تساوي مساحتها 42.3% من أراضي فلسطين

3. القدس وبيت لحم وضواحيهما تظل تحت وصاية دولية

لاقى القرار استحسان الوكالة اليهودية في فلسطين والتي كانت الراعي الرسمي للصهاينة أثناء فترة الانتداب البريطاني، بينما لاقى سخط زعماء الصهيونية آن ذاك حيث صرح مناحيم بيغن أحد زعمائهم بأن أرض الميعاد كاملة والتي تشمل فلسطين الانتدابية وشرق الأردن مِلك لليهود وستبقى كذلك للأبد. فور التصديق على القرار انسحب المندوبون العرب وأعلنوا رفضهم للخطة؛ ذلك بأن القرار يمنح الصهاينة وهم 33% من السكان أكثر من نصف البلاد وكان كل ما استولوا عليه لا يتجاوز الـ7% من أراضي فلسطين ويعطي للعرب الفلسطينيين وهم 63% من السكان بقايا مشتتة من بلادهم، بالإضافة إلى وعيهم بأن الصهيونية إذا أخذت فلسطين اليوم فإنها غدا ستسعى لما وراءها.

اجتمعت الجامعة العربية بعد هذا القرار واتخذوا عدة إجراءات منها إقامة معسكرات لتدريب المتطوعين من الفلسطينيين على القتال وتكوين جيش عربي أُطلق عليه جيش الإنقاذ، وتحرك الشباب المسلم وبالأخص في مصر وسوريا وحملوا السلاح وتوجهوا إلى فلسطين. قامت عدة مواجهات بين انتصار وهزيمة أمام المليشيات الصهيونية المسلحة والمدعومة من الغرب والتي آلت فيما بعد إلى حرب النكبة سنة 1948. انتهت الحرب بأن حافظت الصهيونية على الأراضي التي منحها لها القرار بالإضافة إلى استيلائها على ما يقارب 60% من الأراضي التي خصصت للفلسطينيين وقامت بفرض الحكم العسكري عليها، سيطر شرق الأردن على أراضي الضفة وضمها له لاحقا وسيطرت مصر على قطاع غزة.


فلسطين قضيتي (التهجير وحق العودة - 1)56344588896369000


التهجير القسري والتطهير العرقي

في الواقع، وعلى الرغم من أن أكبر عمليات التهجير كانت إبان حربيّ 1948 و1967، إلا أن التهجير والتطهير العرقي كان قد بدأ منذ زمن أبعد من 1947، ووضعت العديد من المخططات التي تخدم هذا الهدف. كل هذه الخطط تقع تحت بند كبير وهو "خطة الترانسفير" التي قامت بها الميليشيات الصهيونية سابقا وتقوم بها الآن الحكومة الإسرائيلية بهدف ترحيل الفلسطينيين من الأراضي التي تريد الصهيونية الاستيلاء عليها، وبهذا تحقق إدعاءها: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وتضمن بقاء الكيان الصهيوني دون منافس في صراع البقاء. تمثلت خطة الترانسفير أثناء الانتداب البريطاني – كما تطرقنا سابقا – في شراء الأراضي من كبار الإقطاعيين وفي تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وفي إنشاء المستوطنات بالإضافة إلى إرهاب الأهالي لإجبارهم على الرحيل والقيام بالمجازر التي محت قرى بأكملها.

بداية من سنة 1945 صمم الصهاينة أربع خطط عسكرية بهدف إجلاء الفلسطينيين وهي الخطط (أ) و (ب) اللتان هدفتا إلى ردع المقاومة الفلسطينية، (ج) التي هدفت إلى تعزيز الجيش والشرطة الصهيونية، (د) التي هدفت إلى توسيع رقعة الأراضي المحتلة إلى أبعد من حدود التقسيم المقترح تبعا لقرار الأمم المتحدة، وكل خطة بدورها تشمل عدة عمليات. كان أشهرهم على الإطلاق هي الخطة (د) أو داليت كما بالعبرية والمؤرخة في مارس 1948. تمكنت هذه الخطط في النهاية من نزع ملكية الأراضي الفلسطينية وإنشاء ما يسمى بـ "دولة إسرائيل". هذا وقام الكيان الصهيوني بوضع عدة قوانين للاستيلاء على أملاك الفلسطينيين مثل قانون أملاك الغائبين الذي بموجبه كل من لم يتواجد بتاريخ معين ضمن حدود دولة إسرائيل فقد أملاكه، وبناءً عليه فقد ما لا يقل عن 700 ألف فلسطيني أراضيهم وبيوتهم، كما قاموا بإلغاء إمكانية تملك الأرض بعد فلاحتها.

الذين طردوا وشردوا عام 1948 كانوا آنذاك 805 آلف شخص، وأصبحوا بعد العام الخمسين للنكبة أكثر من 4 ملايين و600 ألف شخص حسب معايير الأونروا، وهو رقم لا يشمل الفلسطينيين المُهجَرِّين داخل حدود فلسطين إلى الضفة وغزة ومن هُجِّروا إلى لبنان وسوريا والأردن.

صرح موشيه ديان لصحيفة الهآرتس قائلا:

"لقد بنيت القرى اليهودية لتحل مكان القرى العربية. إنك لا تعرف أسماء تلك القرى العربية، وأنا لا ألومك على ذلك لأنه لا توجد كتب جغرافيا. وليس الكتب فقط، بل كذلك إن تلك القرى العربية لم تعد موجودة الآن … لا يوجد هنا مكان واحد في هذه البلاد لم يكن فيه سكان عرب"


خطة الترانسفير لاتزال قائمة حتى هذه اللحظة ويتم تنفيذها في الأراضي المحتلة أو "إسرائيل" وفي المناطق المحتلة التي تخضع شكليا للسلطة الفلسطينية مثل الضفة الغربية؛ ففي الداخل المحتل لا يتم الاعتراف بكثير من القرى وبالتالي لا يتم إمدادها بالبنية التحتية اللازمة كالماء والكهرباء ولا يُسمح بإعطاء تصاريح للتوسعة العمرانية الطبيعية للعائلات وهدم أي أبنية بدون ترخيص (وليس حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى بسلوان عنا ببعيد)، كما أنه كانت هناك دعوات صريحة من سياسيين صهيونيين إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن. على صعيد آخر يتم مصادرة أراضي الضفة الغربية وبناء المستوطنات عليها (كما هو الحال في بيتا الآن) بالإضافة إلى تشديد القيود على فلسطيني القدس من أجل دفعهم للرحيل.

والأحداث التي شهدناها في الفترة الأخيرة من هجمات المستوطنين المسلحين على القرى والمنازل الفلسطينية والذي تتم بحماية الجيش ما هي إلا صورة من صور استراتيجيات التهجير كما هي عمليات القتل والخطف والإرهاب المستمر.

من الصور التي تصرخ معبرة عن التطهير العرقي هو جدار الفصل العنصري، وهو عبارة عن جدار أسمنتي يبلغ ارتفاعه ما بين 4.5 إلى 9 أمتار بالمناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين ومن المقرر أن يبلغ طوله 703 كم عند نهاية البناء. بنى الكيان الصهيوني الجدار في الضفة الغربية قرب حدود 1948 أو ما يسمى بالخط الأخضر، وبدأ بناؤه في 2002 إثر انتفاضة الأقصى بحجة حماية المستوطنين اليهود في داخل "إسرائيل" من هجمات فلسطيني الضفة الغربية. يتشكل الجدار من سياجات وطرق دوريات في المناطق غير المأهولة بالسكان، ولكن في المناطق المأهولة كالقدس والمثلث تم استبدال السياج بجدار اسمنتي. يمر جدار الفصل العنصري بمسار متعرج ليحيط معظم أراضي الضفة الغربية، وفي بعض المناطق مثل قلقيلية يشكل معازل (مناطق محاطة بالكامل بالجدار). وبالتالي من الجليّ لنا أن الهدف من الجدار هو تضييق الخناق على الفلسطينيين وعزلهم عن بعضهم بعضا وعن أبسط الحاجات الإنسانية كالتعليم والصحة؛ وذلك لصعوبة التنقل عبر الجدار للوصول للمستشفيات أو دخول المعلمين لمدارس المدن والقرى الصغيرة، وقد لا يستطيع الفلسطيني زيارة أهله وراء السياج أو الوصول لأرضه وحقوله. أدى وجود جدار الفصل العنصري إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومصادرة أراضي أخرى شرقي وغربي الجدار والتي كانت هي أيضا زراعية، وأدى كذلك إلى سيطرة الحركة الصهيونية على آبار وأحواض المياه الجوفية وحرمان الفلسطينيين من حقهم فيها مما بدوره يساعدهم على تنفيذ مخططات التهجير والترانسفير.


فلسطين قضيتي (التهجير وحق العودة - 1)41518366630403000


نعيد ونكرر بأن كل هذه الاستراتيجيات التي قام بها الكيان الصهيوني بداية من الاستيطان وانتهاء ببناء جدار الفصل العنصري هي استراتيجيات تنتهك كل القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وتم تجريمها من قبل الأمم المتحدة، ولكن يظل دائما شبح القوة المتمثل في الولايات المتحدة وكل المطبعين مع الكيان من الشرق والغرب كالشوكة في حلق الحق، وأوشك الحق أن يقتلع الشوكة ويصدح بملء حلقه ضاحدا الباطل وآسرا ذاك الشبح.

في الجزء الثاني سنتحدث عن المواطن الفلسطيني المُهجر وعن حق العودة.


فلسطين قضيتي (التهجير وحق العودة - 1)72989419819288000





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات همسات| فاطمة وائل

تدوينات ذات صلة