حقيقة لا أعتقد أنه من الممكن التعافي تماما بسهولة في يوم أو بضعة أشهر

ستخبرك إحدى المذيعات أو المؤثرات بعض النصائح السريعة لتدارك وتخطي ألم الانفصال.

سيمطرونك أصحاب التنمية البشرية وخبراء نمط الحياة أنه عليك أن تتحلي بالمزيد من الثقة والقوة بنفسك لتخطي ألم الانفصال، أن لا تعيري الاهتمام كثيرا لذلك الذي تركك وأن تهتمي بنفسك أكثر وتعملي على تطوير نفسك حتى يندم ويعود لك.


عليك أن تتخطي ألم الانفصال بالتسوق والاهتمام بنفسك والعمل على إتقان مواهب جديدة..

يقولون لك بكلمات باردة وهشة، إقرأي كتابا، انشغلي بموهبة، أخرجي مع أصدقائك أو تعرفي على شخص جديد.


لكن الحقيقة لا شيئ من كل ذلك من الممكن أن يرمم ما تم كسره، ولن يخفف ألمك، ولا أعلم إن كان من البديهي أن أقول، لا شيء مفيد حقيقة في معالجة الأمر، في كثير من الأيام، الحل فقط أن تستسلمي لشعور الحزن، أن تبكي، تصرخي، أن لا تُخفي ضعفك، ولا حاجة لك بتمثيل القوة.


سيكون هناك الكثير من الأيام التي ستشعرين خلالها بالتخبط، الضعف، الوهن، لا حول لك ولا قوة.

حقيقة لا أعتقد أنه من الممكن التخطي بسهولة في يوم أو شهر أو ثلاثة أشهر، إن كان شعور الحب اتجاه الشخص داخلك حقيقي، وكان حجم الخذلان والغدر الذي تعرضت له في المقابل كبيرا ومهولا.


ولكن الخبر الجيد أن الألم مع الوقت يخفت، نعم، والليالي المظلمة تصبح أقل في بعض الأحيان، نعم .. لكن لا تختفي تماما بسهولة، الوجع لا يذهب تماما بسهولة، ولن تتوقفي عن استحضار الذكريات، أو الشعور بالغضب اتجاه ما حدث، هناك الكثير والكثير من العقد النفسية والأسباب والمشاكل المرتبطة بصدمات سابقة تتعلق بهذا الألم وليس من السهل تجاوزه في بضعة أيام أو أشهر.



سيحدث حتى بعد 3 أشهر أن تعيشي ليلة مظلمة مجددا، ستبكين فجأة في أحد الأيام، سيحدث أن تعودي أحيانا خطوتين للوراء، سيحدث أنك لن تكوني قوية دائما.

سيكون دائما هناك مساحة لتتذكري من جديد أو تتحسري على فرصة ضائعة أو حتى تشعري بالحنين لوهم تجلى لك سابقا في لحظة ضعف.


لا شك، سوف تقارني الآخرين به ولعلك تُصابي بإحباط شديد حينها .. لأنك ستعتقدين لوهلة أن لا أحد في هذا العالم قادر على ملئ مكانه مثلا أو كأنك ستفقدين الأمل بأن تجدي الحب من جديد. سيحيط الظلام بك في لحظات وسيكون من الصعب رؤية المستقبل بشكل واضح.



أعني في النهاية، الحال سيكون متقلبا، هناك أيام سيكون الوضع مريح وآمن أن تستيقظي صباحا ولا ألم في قلبك أو أن تنامي بلا صراعات بلا مشاكل، حتى دون إرسال رسائل طويلة، سيكون هناك أيام خالية من الرغبة في العتاب والصراخ ولن تضطري لسماع أي ردود قاسية منه، الوضع مريح جدا ومسالم كأن الغيمة السوداء قد رحلت وأخيرا تماما عن صدرك.


الثقل اختفى، وتعتقدين أنه تبخر نهائيا، لكن ستزورك نوبات هلع وألم من جديد، ولا داعي للقلق، لست وحد، كل إنسان يحتاج وقتمختلف للتعافي، وكل إنسان دربه مختلف، فإن سقطت من على الجرف من جديد لا بأس،رحلة الشفاء تتضمن الكثير من الانحدار والصعود.. الكثير من الانتصارات والفشل في التخطي، هناك تقلب كبير في المشاعر والأفكار، في القدرة على التقبل، هناك الكثير مما سيكون عليك اختباره حينها وأعتقد أنه من الجنون أن يختبر بشري كل هذا ويبقى متيقظا تماما وقادرا على تمييز كل شعور على حدى.


فهل العقل البشري والنفس البشرية تتمكن حقا من استيعاب كل ذلك؟

هل نفسك العليا مدركة تماما لما تعانيه في ظل ترميم قلبك؟ وهل قادرة على احتواء كل مشاعرنا المندفعة الصاخبة المتناقضة؟

العقل البشري شيء معقد والبشر بشكل عام تجاربهم النفسية معقدة وعميقة وكبيرة وكثيرة في آن،

لذلك الكثير من الناس تتجنب التعامل مع ألمها ومشاعرها أو تحليلها أو محاولة إدراكها وتسميتها .. الكثير من الناس تفضل الهروب بعلاقات أخرى، بنكران للمشاعر ، بالشرب، السهر .. لأن الهروب أسهل تماما من التعامل اليومي مع وجع الانفصال وفهم كل التخبط والمشاكل النفسية التي قد تعاني منها يوما بسببه.

أو إدراك حجم الضرر الذي لحق بك وبالآخرين، من جراء ما حدث، أو لملمة شتات نفسك.


لكن الهروب عواقبه وخيمة على النفس، والهروب سيعيدك يوما إلى المربع الأول مع مشاعر مثقلة أكثر، وخيبات أكبر، وندم أعظم، وحالة يرثى لها.

لذلك عليك التعامل مع كل صعب، لا بأس في المحاولة، أو بالأحرى، لا خيار أمامك إلا المحاولة في الوقوف مجددا، لا حل آخر أمامك سوى التشافي، إصلاح الوضع، محاولة مراجعة ذاتك، مراجعة اختياراتك، قرارتك، وما حل بك أيضا.

قد فرض عليك في نهاية الأمر القرار والحكم، عليك التجاوز والوقوف والمحاولة في مواجهة نفسك ومشاكلك ومخاوفك وآلامك.

عليك تقبل ما حدث .. وأن لا أحد قادر على إصلاح ما أفسد ..

ماذا سيصلح ؟ وكيف ؟ من خلال كلمة آسف، مثلا؟ الكثير من الاعتذارات ؟ الرجوع ؟

لن يتم إصلاح أي شيء بسهولة، إلا بالكثير من التغيير، الكثير من الترميم، الكثير من المواقف التي تُعيد الثقة والرأفة والود.. الكثير من المحاولات على تكفير خطايا الإهمال، والعجرفة، والبرود والتلاعب، لأن هناك الكثير من الألم والكثير من قلة الثقة وانعدام الأمان الذي ولد وكبر وتعاظم خلال هذه التجربة.



ربا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ربا عياش

تدوينات ذات صلة