من ذا أصابكِ يادمشقُ بالعينِ ، ألم تكوني زماناً قُرّة العينِ ؟
رأيتكِ في منامي مرّات عديدة ، لاتقل عن المئة مرّة ، لا أعلم أهي أضغاث أحلام تأتي من تفكيرٍ زائد ، أم رؤى مبّشرة جائز تحقيقها ، أم كوابيس شيطانية تأتي لتزيد الطين ماءً ، ولكني قد علمتُ جيداً أنّ في كل مرّة أستيقظت فيها من رؤياكِ كدتُ أبكي لأنها لم تكن حقيقة.
لما المكابرة ؟
بل قد بكيت في إحدى المرّات ، وقد جاهدتُ نفسي أن أعود للنوم ، لكنَّ الحنين منعني ، وبكيت ..
أقسمُ أنني دعوت ربي في سجودي مراراً أن يُصلح الله ما أفسدهُ الفاسدون فيكي ، لعلّ الله أن يستجيب لي بإصلاح الفسدى من حكومتك ، والفسقة من شعبك ، وعلمائك الذين نزل عليهم اسم العلم بمقاسٍ فضفاض جداً ، لايليقُ بأمثالهم ، ولايليقوا باسم شريف مثله ، وهو بريئ منهم ، فقد ابتدعوا في الدين ، وفسقوا في الشين ، وأقرّوا ولم يُنكروا ، وضلّوا فأضلّوا ، ليس كلّهم ولكن أكادُ أقولُ أكثرهم ،
والله المستعان .
شتّان بين علماء هذه القرون في الشام ، وعلماء الشام في القرون الماضية ، فأين المفتي حسّون من ابن القيم رحمه الله ، وأين كفتارو من الذهبي رحمه الله ، وأين البوطي رحمه الله من المفّسر العالم ابن كثير رحمه الله ،
أين الثرى من الثرّيا ؟ ..
ألهيتُ نفسي بشغفي الذي هو ( طلب العلوم الشرعية ) قرأتُ مذ تركتكِ أكثر من مئتي كتاب ، ألّفتُ ثلاثة كتب إلى الآن ، بحثت ، نقّبت ، حقّقت ، ماقصدتُ بذلك إلّا وجه الله ، فأسأل الله أن يجعل نيتي بذلك خالصة لوجهه الكريم.
كنتُ أنساكِ عند فعل ذلك ، ولكن ماذا عن الحنين إذا فرغتُ من شُغلي ؟
يــعــاودنــي لذكــراك الحــنـيـنَ
ويــعــرونــي التـلهـف والأنـيـنَ
لا أعلم عنكِ ، ما إذا كنتِ تذكُريني أم لا ،
لكن تأكدّي أنكِ وإن ذكرتيني في بالكِ مرّة ، فإني قد ذكرتكِ في قلبي مرّات ..
وبعدُ فإني أودّعكِ وأقسمُ أني لا أريد ذلك ، ولكن هذه هي الحياة ، لاتعطينا كل مانمتنى ، يا أُمنيتي.
مَا كلُّ ما يَتَمَنّى المَرْءُ يُدْرِكُهُ
تجرِي الرّياحُ بمَا لا تَشتَهي السّفُنُ
منعوني منكِ ..
الحكومة ، الشعب ، طلب العلم ، الحرّية ، الكرامة ، القلم ، وعدم قدرتي على الإقرار والطأطأة بالرأس لأصحاب النفوذ والحكم لما يحكموا بغير ما أنزل الله ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ .
فإذا أراد الإنسان أن يعيش بحاراتك ، ويستنشق ياسمينك ، ويبتهج بجمالك ، ويرتوي بمائك ،
فإنه إذاً لابد من إقراره أصحاب الباطل على باطلهم ، والتصفيق لإجرامهم ، ورفع القبعة لكفرهم ، وتمجيدهم رضاً لما يصنعوا ،
وإني قد عذتُ بالله من ذلك ، فأعاذني ..
وأمّا المال والرزق ، فهو بيد الله ، فأنا كما تعلمي لستُ من أصحاب الأموال ، فإنّ الله جلّ وعلا ألقى في قلبي حبّ العلم ، ولم يُلقي في قلبي حب الدنيا والمال ،
ولله الحمد والمِنّة .
وددتُ أني لم أكتب تلك السطور ، لكنها إرادة الله سبحانه وتعالى ، ولا اعتراض على قدره وحكمته .
أُقسمُ أني أتمنى حصول معجزة ، لكي يتغير كل شيء وآتي لعيش ماتبقى من حياتي فيكي ، ولكني الآن أكتب بعقلي ، لابقلبي ولا بيدي.
لن أُطيلَ عليكِ أكثر ، فإنّ في قلبي ما لو أخرجته ، لخرج في مجلدات .
نعم صدقّي .. إنهما المُعذبان ، الحنين والشوق ،
واللعينان ، الحب والعشق .
ولكن مهما طال من القرون ، ومرّ من العقود ، وأُكلَ من الدهور، فإنه لابد من الاستقلال ، لأنكِ أرض دعا لها خيرُ البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالبركة ، فلابُد من عودة زمن العصور السالفة ، فيعود العلم ويُمحق الجهل ، وتفوح رائحة الياسمين وتُطرد رائحة الدماء ، وتُهيمن السنّة وتُقمع البدعة ، كلّ ذلك قادم بإذن الله ، صدّقيني ..
فإنه لن يغلب عسرٌ يُسرين ، وليس بعد صبرٌ طال إلّا الجلاء منه وإن الحال مال .
مدينتي الرقيقة
مرّ رمضان هذا بدونك ، كما مرّ إلى الآن ثمان رمضانات وأنا بعيدٌ عنكِ ، وسيمرّ العيد أيضاً بدونك ، كما مرّ عشرات الأعياد غيره ، فكل عام وأنتِ بخير ، بمناسبة رمضان والعيد يا من كُنتِ عيدي وفرحتي .
أعادنا الله لكِ سالمين منتصرين للرؤوس رافعين ..
والسلام ..
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
بإذن الله ستفوح رائحة الياسمين..
سررت بأن لك مؤلفات .. وجدتها و سأحاول أن أغنم بما جاد به قلمك .. جُزيت خيرا كثيرا