رغم كل ماهو معروف عن فضيلة الشكر إلا أنها ليست ممارسة عامة بالضرورة..

لا أصدق أنني أكتب عن الشكر في زمن أعتقد أن الأسرة لازالت تكرر على مسامع أطفالها السؤال التعقيبي "ماذا نقول؟" لتذكيرهم بشكر من قدم لهم خدمة، و تعمل على ترسيخ مبدأ “ولئن شكرتم لأزيدنكم” وبالشكر تدوم النعم، لكنني لازلت أعتقد بأن التذكير بالشكر يجب أن يستمر لكثرة المواقف التي أشهدها في أوضاع مختلفة وأفتقد فيها ذكر هذه الكلمة أو مايقوم مقامها رغم ضرورتها.


فأنا لا أفهم كيف يتسنى لمن يطلب ويُستجاب له أن ينسى الشكر. فربما قام بطلب خدمة عبر رسالة مفاجئة أو اتصال في وقت متأخر وتمت الاستجابة له، فلا يتبع ذلك بالشكر بل بصمت طويل. ثم يشتكي من تكاسل وتقاعس من حوله ويتلو فرمان مطالباته المتكررة لهم لإنجاز المطلوب، و يغفل أنه ربما لم يسبق له أن وجه لهم كلمة شكر بسيطة أو ثناء إلا فيما ندر. وفي المقابل لايبخل بتقديم اللوم المبطن على شاكلة “أوكي..” أو “ أخيرًا..” أو “لا تتأخر في اللي بعدها” أو “الحمدلله إنها صارت بعد ما أتعبتني المتابعة..”.


وقد يفهم خطًأ بأن الشكر فعل عام مرادف للقبول التام والرضا الكامل عن نتيجة العمل على وجه العموم ، وبالتالي يجب أن لايقدم إلا للمتميزين أو للخدمة المتكاملة ، وإلا فقد يظهر الشاكر بأنه “توو نايس” و “يمشي أي شي” مما سيؤدي ذلك إلى هبوط المستوى وتدهور الجودة، ولايوجد في اعتقادي تعارض بين الشكر والمطالبة بالتحسين والارتقاء والسرعة..فيمكن أن يقدم الشكر على فعل بعينه ويرفع معه سقف التوقعات والمطالبة بالتحسينات فيما يستدعي ذلك، فيشُكر الجهد أو النهج ويُطالب بتحسين أو تسريع المخرجات، و وإلا فستنشأ حالة من عدم الرضا المتنامية من الطرفين، والمجهدة لكليهما، مع تدهور متزايد في جودة الخدمة وسرعتها.

لايوجد تعارض بين الشكر والمطالبة بالتحسين والارتقاء والسرعة..فيمكن أن يقدم الشكر ويرفع معه سقف التوقعات..


من المتوقع أن المشكور هو المستفيد الوحيد من الشكر والثناء، وإن كان ماقام به من واجبه أو صميم عمله فعليه أن لا يتوقع الشكر في كل مرة وإلا فهو “توو متش” أو“حساس بزيادة”. في حقيقة الأمر أن الشاكر هو المستفيد الأول، فالشكر - من ناحية عملياتية بحتة - يزيد من فرص حصول الشاكر على خدمة أفضل بشكل أسرع وجودة أفضل تقدم له بسعادة ونفس راضية.


وبالمناسبة فإن الشكر لايتطلب بروتوكولات أو خطب عصماء، وهو لايقتصر على كلمة شكرًا حرفيًا بل هناك اختيارات متعددة من“جزاك الله خير” و “بارك الله فيك” أو “يعطيك العافية” أو “ماقصرت” أو “الله يسعدك” أو “تمام عليك” أو “١٠٠٪” أو “ثانك يو ” مكتوبة على خلفية ورقة مستعملة ، أو نظرة تقدير أو ربتة على كتف توحي بذلك، و إن لم يتسع المجال للكلمة المباشرة فإيموجي أو ستيكر أو رسالة صوتية على الواتساب أو سنابة على الخاص..المهم أن تكون نابعة من نفس شاكرة مقدرة ومستوعبة لأثر الشكر العجيب على النفوس.


ما أكثر الحالات النفسية والمشاكل الأسرية و قصص الإحباط الوظيفي التي قد تنهيها كلمة شكر صادقة لطيفة في وقتها..فكثير من الشكر ينفع ولايضر!



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

قال الله تعالى (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)

إقرأ المزيد من تدوينات رأفت محمود زيني

تدوينات ذات صلة