أن الحياة تحتاج لنمو والنمو يحتاج إلي وقت والوقت يحتاج لصبر

الحياة هي مجموع من الاختيارات الهامشية التي تؤدي إلي نتائج كبيرة إما إلي جنة أم إلي نار , ك أثر الفراشة ينقذنا من البؤس ,من الصعب كسر عادة التفكير في الاشياء باستخدام مقياسي الحجم والوزن , حيث يروق للناس الحديث عن خوارق العادة مرتبطة بالحجم والوزن ويألفون الحديث عنها , حتي بين علماء الفيزياء تجد من يدرس الكون أكثر من دارسي الذرة , ولكن في هذا المقال الذي ظللت عليه عاكفاً لمدة شهرين نويت أن اتحدث عن الفروقات البسيطة التي لا نراها في حياتنا ونهملها خاصة في أوقات اليأس ,تكون تلك الأشياء البسيطة هي السند الحقيقي لنا في هذه الدنيا !

ذهب أكثر المتحمسون إلي أن القرن العشرون سيُذكر من ثلاثة اشياء أولها نظرية النسبية تدرس (الكون ) والفيزياء الكمومية (تدرس الذرة ) والكايوس تتأمل بالتجارب العادية واليومية للبشرية وماهو ماتركته الفيزياء النظرية طويلاً ثم عادت إليه عبر نظري الكايوس وعاد إليها جمهور قراء الذي يستمتع بالبحث عن الحكمة في ما وراء الأمور !

دعني أذكرك بماذا أعني ببدايات بسيطة تحدث فروق كبيرة , فلتتذكر المرة الأولي التي أمسكت بكتاب وأخذت تقرأ فيه ثم توالت المرات وتمسكت بالقراءة إلي ان قرأت الكثير إلي أن وصلت لقراءة مقالي هذا الذي أشرف بقرائتك له , دعني أذكرك بإهمالك طوال السنة في عدم متابعة المذاكرة ووضعك السئ ليلة الإمتحان والملخصات التي لم تنقذك ولكن تذكر أول يوم أهملت فيه دراستك وبدأ مسلسل الإهمال منذ ذاك الحين , قرأت يوماً أن فعل شئ بسيط في الحياة كل يوم لعمل ما (بنسبة 0.011) لمدة سنة كاملة , المحصلة النهائية تكون تطور مذهل في الأداء ليصبح 37.8 مرة والعكس صحيح , كل هذا بدايات صغيرة أدت لنتائج مذهلة , ودعني أذكرك بحلمك الآن الذي حققته أو في السبيل إلي تحقيقه كيف بدأ صغيراً بدايات بسيطة جداً غير مؤثرة تراكمت سببت تأثير قليل ولكن متصل ومستمر , تلك البدايات ( الأسباب الأزلية ) أدت إلي نتائج مبهرة سلبية كانت أم إيجابية , انتبه إليها العلماء مؤخرا والبداية كانت لدراسة الطقس ولكن رجل الشارع كان أسبق في أن يعرفها جيداً ويعرف أن الشئ البسيط في غاية الأهمية من خلال حياته اليومية , فالفلاح علي سبيل المثال يعلم أن البدايات كالبذرة الصغيرة التي يبذرها وتنتظر المياه وتهتز وتربو الأرض ثم تنبت نبته صغيرة إلي أن تصبح شجرة كبيرة عليها ثمار البذرة , يعلم أن من البذرة الصغيرة حياة وأن الحياة تحتاج لنمو والنمو يحتاج إلي وقت والوقت يحتاج لصبر , البداية بذرة صغيرة جداً , النتيجة مبهرة !

حيث أن كمية حركة الهواء البسيطة الناتجة من رفرفة جناح فراشة في الصين مثلًا، لن يكون تأثيرها بسيط كما هو متوقع، قد تظل هذه الكمية البسيطة تزحف ببطء وينضم لها كميات أخرى من الهواء بسبب طبيعة نظام الطقس، حتى تسبب إعصار في إفريقيا ، وهذا هو أثر الفراشة. إن طبيعة نظام الطقس هي التي سببت تضخم حركة هواء جناح الفراشة البسيط في الصين شيئًا فشيئًا مع الوقت، من خلال عوامل أخرى كنسبة الرطوبة، ودرجة الحرارة، واتجاه وسرعة الرياح التي إنضمت لحركة هواء جناح الفراشة , كثيرا ما نظرت حولي ووجدت أن الأمور أصبحت مغلقة أمام من يملكون أدوات التغيير الفعلية فالعالم ليس معهم وفقط بل ضدهم أيضاً طول الخط فالعالم اليوم استولي عليه التافهون , وأصبح العاقلون لا يملكون من حطام الدنيا شئ, يتركون ماواظبوا علي فعله من أعمال إصلاحية صغيرة ظناً منهم أن الأمر يحتاج إلي طوفان كطوفان نوح ليجرف كل هذا الفساد, ولكن إن نظرت في كتاب الله ستجد ذكر الله لأشياء صغيرة , فعل صغير , قول بسيط , شئ صغير قد لا نقيم له وزنا ولكن الله أخبرنا أن ميزانه ثقيل , وماتسقط من ورقة يعلمها الله , فعل صغير يحدث فوضي جديدة تنهي فوضي قديمة كانت موجودة قبل الفعل وتؤدي الي نظام ُآخر !


أثر الفراشة ممتد في السياسة تتجلي في حدث تحطم جدار برلين حيث مُنح جونتر شابوفسكى، المتحدث باسم اللجنة المركزية للحزب، ورقة التعديلات لإعلانها أمام الصحفيين وشاشات التلفزيون، كان منهكًا ومتعبًا وغير مكترث إلا بالانتهاء من مهمته على عجل، فأعلن بطريقة تشوبها الفوضوية والارتجالية أن النظام الحاكم قرر منح مواطنى ألمانيا الشرقية تأشيرات سفر أو هجرة إلى الخارج من دون شرط مسبق , هنا كان السؤال التلقائى، من جانب أحد الصحفيين: متى يبدأ سريان القرار؟، ارتبك جونتر، لم يكن لديه أى إجابة، اعترف فيما بعد عقب طرده من الحزب جراء تحميله خطأ إسقاط ألمانيا الشرقية، أنه أراد تقديم أى إجابة لإنقاذ الدولة، فقال "فورًا".

من يتابعون الحدث أمام شاشات التلفزيون، ترجموا (فورًا) بأن جدار برلين سقط، تدفقت الجماهير فى لمح البصر من شطرى برلين لهدم السور.

كلمة غير مقصودة (فوراً) حطمت السور , بتلك البساطة التي قرأت بها مالذي حدث .

"أثر الفراشة في الدين يدخل الجنة , فالقليل له أثر عظيم "

فعل صغير أثره يمتد أن يكون سبباً لدخولك الجنة ,جاء في صحيح مسلم مثقال ذرة ولا تحقرن من المعروف شيئا , وفي قوله تعالي فمن يعمل مثقال ذرة , وفي الصحيحين" اتقوا النار ولو بشق تمرة " فدل على أن القليل له أثر , قَالَ النبي (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فليغرسها ) , قامت الساعة , الجبال تنسف , والأرض تتبدل , والسماء تتبدل , والنبي يخبرك أن لو في لو يدك فسيلة فغرسها في الأرض ولا تتأخر , ما العائد من وراء هذا الفعل , أمر مدهش !

وأخيراً وليس آخراً : فالكون المطلق بين اللامتناهي في الصغر واللامتناهي في الكبر , فإن فاتنا اللامتناهي في الكبر , فلا يفوتنا اللا متناهي في الصغر !

الكَنز

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

وأبدع محمود درويش عندما قال:
أَثرُ الفراشة لا يُرَى
أُثرُ الفراشة لا يزولُ!

إقرأ المزيد من تدوينات الكَنز

تدوينات ذات صلة