صفحةٌ بيضاء, لربما هو أفضل تعبيرٍ أستطيع به وصف مولودٍ جديد, أو حياة جديدةً يستقبلها هذا العالم.


بفيضٍ من الحبر والأقلام يحاول الجميع أن يضع بصمتهُ عليها,

والجميعُ هنا هو وصف أطلقته على كل ما يحاول أن يبصم على تلك الورقة النقية,

أو حتى مايؤثر فيها من حيٍّ أو جماد. بقصدٍ أو بدون قصد.

فإنّ استقبال شمس صباحٍ جديد

يشعُّ ضوءها على عيون ذلك الجسد الضعيف,

هو عامل من عوامل التأثير.

فهنا تعلمُ تلك الروح أن هنالك ما يسمى بالصّباح,

فتراهُ بدايةً جديدة, فتعرف البدايات ومنها تعرف النهايات.

أو قبلة تستقبل بها مولودها الجديد أمٌّ فَرٍحة,

فتعرف تلك الروحُ أن هنالك ما يسمى بالحب

ومنه تعرف الكراهية

إنّ كلّ تلك البصماتِ تولّد معانٍ جديدة لذلك الكائن.

ومن هنا تبدأ الورقة بالتلطخ بحبر الحياة,

بقعٌ تبدأ بتغطيتها من كل جانب,حتى تصبح زرقاء ناشفة.

إلى أن تبدأ الورقة بالتآكل شيئاً فشيئاً,

وتتطايرٌ أجزاءُها مع رياحِ الحقيقة.

هذه هي قصة الإنسان,

كائنٌ يولد أبيضاً نقياً لا يشوبه شيء

حتى يبدأ كلّ شيء في توجيهه وتحويله,

وقيادته إلى معالم الحياة من عيونٍ مختلفة ومتفرقة

ويبدء حياته بالنّضالِ والدفاع عن نقاء صفحته, وخلوّها من الشوائب

فإما أن يظل مقاوما حتى النهاية, أو يستسلم لأقلام الجميع.

وبعد مرحلةِ وعيه بأن هنالك ما يحاول السيطرة عليه

وسلبه ذلك البياض

يبدأ الاختيار.

وكما كان تشبيهُ هذه الحياة بورقةٍ بيضاء,

فاستطيع القول بأن الكونَ كتابٌ جليل,

لا تنتهي صفحاته

فكلما تطاير بعضُها ولدت غيرها جديدةً بين دفّتيه,

وكأن الإنسان يشبه هذا الكون في معالمه وتفاصيله

إنه جزءٌ صغير, ولكنه يصارع الكون ,

فبيدِ الكون قلمٌ وبيد الإنسان قلم

كلٌّ منهما يحاولُ أن يترك على الآخر شيئا من ذكراه,ومرآةً لنفسه

إن نجمةً ساطعة في السماء نراها كل يوم

هو محاولةٌ من الكون للتعبير عن نفسه,

حتّى أنه يستطيع خداعنا ويبقيها مضيئة لأعيننا

بينما هي منطفئة على بعد آلاف السنين.

وإنّ وصف الإنسان لتلك النجمة

واكتشافِه لألاعيب هذا الكون

هو أيضاً محاولةٌ منه لإبقاء شيءٍ من ذاته بين دفتي الكتاب.

صراعٌ بين العنوان والمضمون؛ يريد العنوان أن يحكم المضمون,

ولكن يأبى المضمون إلا أن يكون مختلفاً ومحققاً لذاته.

هي قصّةٌ طويلة, يرويها الجميع,

كلّ يريد أن يعلو صوته على الآخر

وتكون حكايته هي مفتاح الحقيقة, وعيناه هي منظارها,

بينما تستمرّ الأوراق البيضاء بالمجيء.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

صدقًا الكلام مُعبر، فنحن الأوراق والعالم هو الكتاب، ونضيع بين دفتيه محاولين إثبات وجودنا

إقرأ المزيد من تدوينات أسيد الطعان

تدوينات ذات صلة