نرمين وليد


مِن المُمكنِ أن نصفَ الحال في الأقصى والقُدس أنه في تدهورٍ مُستمرٍ بسببِ التهويد المُتواصل والتصفية الحقيقيّة. إضافةً إلى المُحاولات الدائمة لإعادة توجيه السهم على الاعتداءات الصهيونيّة، الاستراتيجيات المدروسة على المدى الطويل والأولويات المُرتبة بطريقةٍ مُمنهجةٍ. وعند الحديث عن دورِ الإعلام الذّي يبثه في رسائلهِ عن القضيةِ الفلسطينيّة فإن بعض القنوات الإعلاميّة أو المنصّات الاجتماعيّة تعمل على ترجمةٍ أو تغطيةٍ للخِطاب الإعلاميّ. وعند الحديث عن الإعلام الرسمي العربي المُتوقف على صياغة الرسائل الإعلاميّة المُوجهة على المدى القصير للجُمهور المُختار، أي لفترة الضجّة الإعلاميّة لحدثٍ مُعيّن، فتتداولُ جميع تلكَ المنصّات الحدثُ بتتابعٍ لعدّة أيامٍ وعندما يأتي ويظهر حدث لرُبما مِن أولويات القناة الإعلاميّة ومِن أولويات الجُمهور، فإن الأنظارَ تتحولُ سريعًا نحو المُوضوع الآخر المُبث. هذهِ هي السياسة الإعلاميّة العربيّة التّي تعمل دائمًا على بث الرسائل المُتنوعة مِن دونِ تغييرٍ أو نهضةٍ للعُقولِ. وتعملُ بعضها على التحريضِ أو فضحِ أُخراها، ثم تُسأل بعض الأسئلة لماذا يتمُ احتلالنا فكريّا وبهذهِ الدرجة مِن السّخافة؟

كُل ذلك يعودُ إلى عدم الوحدة العربيّة التّي يسعى إليها الإعلام الغربي للتفرقة والفرقة والفردية للعالم العربي ولتُعاني كافّة الدول العربيّة مِن المُعيقات والمُعوقات التّي يتمُ زرعها مِن قبِل العالم العربي والدُول العربيّة قبلَ أن تسعى لها المُخططات الأجنبيّة الغربية.

حيثُ أن الاستقطاب الحقيقيّ في المواقف السياسيّة مِن القضية الفلسطينيّة هو استقطاب سياسي وفكري في الوقتِ ذاته لأنّه يؤدّي لمواقفٍ مُعادية ويؤثّر بطريقةٍ سلبيّة على الإعلام ليخلق ما يُسمّى بالتضليل أو التعتيم الإعلاميّ المُشوّه والمُحرّف الذّي خُلّف مِن وراءِ هذا الاستقطاب.

علاقة التطبيع التّي تمايزت وتفاخرت بها بعض البُلدان العربيّة كالإمارات والبحرين وغيرها، هي نقطة بيضاء لصالح الإعلام الصهيونيّ الذّي لعبِ واقتبسَ أدوارًا عديدة لتحويلِ العلاقات العربيّة لعلاقة السَّلام بينهم ولإقامة علاقة وديّة وطبيعية بين الطرف العرب والصهيوني، حيثُ كان للحركة الأمريكيّة و(الأمركة) أيضًا دورٌ بارزٌ في فتحِ طريقٍ مُورّد ومُشجّعٍ لهم، فبُنود صفقة القرن في 2020 كانت تحوي على استراتيجيات مدروسةً ومُختارةً بطريقة منهجية ليتمَ تطبيقها في السنوات القادمة. ورُبما نتفّق جميعًا مع فكرة أن الإعلام العربيّ لا يتفق مع روايةً إعلاميّة واحدة، لأنه فيما يتعلّق بالكيان الصهيونيّ على حد سواء، يجب أن يتصدّى إعلامُنا العربي للاتفاقيات الدوليّة المُوقعة مِن قِبلِ تلك الدول وتسعى جاهِدة لإنهاءِ الاحتلال بكافّة أتباعهِ على أرض فلسطين وعودة الحقّ الفلسطيني على أرضهِ مِن النهر إلى البحر.

أما بالنسبةِ للإعلام الرسميّ فيُتهمُ كثيرًا بتُهم الدعوة إلى الإرهاب، عدم الحيادية، وعدم الانفتاح وما إلى ذلك، لكن ليس جميعها صحيحة، بالحديثِ كإعلامٍ مُجمل في العالمِ أجمع، فلا يوجد هُناك إعلامٌ مُحايد مئة بالمئة، كُلٌ يمشي بحسبِ رغباتهِ، مُيولهُ، اتجاهات واهتمامات جُمهوره، وأولويات بلاده. ووظيفته الأساسيّة بعد تلك التُهم هو الدفاع عن نفسهِ بأيّ طريقةٍ. لكن ما قلبَ الواقع رأسًا على عقب وساعدَ الإعلام الصهيونيّ والغربيّ في تأكيدِ تلك التُهم على إعلامنا العربي، هو أننا بدلًا من استغلالِ قوتنا في مواجه الخطأ، يتمُ إبرازهُ وكأنّنا نسعى لوضعهِ في إطارٍ لنُغلقهُ بإحكام. نعودُ ونقول بأن صياغتنا للرسالة الإعلامية أو الاتصاليّة خاطئة مُنذُ البداية، لذلك تقع علينا كُل تلك التُهم ونحنُ نُحاولُ دائمًا غض أبصارنا لنتفادى الإشكاليات المُجتمعية على وجه الخُصوص والدولية على وجه العموم.

كما وتعمل القنوات العبرية ومنصّات الاحتلال الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي على تغطية ما يحدثُ في الأقصى والقُدس على سبيل المثال بما يُفيدُ مصالحِهم، وبعكسهم لصورة الشاب العربي على وجهِ العُموم والشاب الفلسطيني على وجهِ الخُصوص بأنهم "المُشاغبون" الذينَ يسعون دائمًا لتخريبِ المُقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة. هذهِ الصورة التّي يهدف الاحتلال دومًا لإبرازها لتدريسها وتدارسها وتلقينها في المدارس الصهيونيّة لطمسِ الوجود العربي في فِلسطين والعالم العربي، بالإضافةِ إلى تعليم الطفل الصهيوني مُنذُ الصِغرِ على حملِ السَّلاح أمام الطفل العربي والفلسطيني. وثُبت أنهم يسعونَ بهذهِ الطُرق لتزييفِ الحقيقة والإشادة بالعُنصرية والتحريض باتجاه العالم العربي ككُل. في حين أن دور الإعلام العربي يلتزم الصمت لرُبما يتغنّى بعدمِ قُدرتهِ على مُواجهة تلك الدعايات الصهيونيّة التّي تحتّل العالم شيئًا فشيئًا بسبب قوّة إعلامهم.

لكن، هُناك مُحاولات عربيّة تسعى لبيانِ الصحيح وإخفاء ما تمّ تشويهه وتحريفهُ بالطريقة الصهيونيّة، هُناك مُحاولاتٌ بتغطية التهويد المُستمر، البيوت التّي تُهدم مِن قِبل جرافات الاحتلال، الأطفال الذين يُقتلونَ بدمٍ باردٍ والآخرين الذين تبقى جُثثهم تحت الأنقاض، العديد مِن تلكَ الصُور لا تخرج بالطريقةِ الصحيحة ولا يُركّز عليها الإعلام حتّى تصل للعالم كما يفعل الإعلام الغربي في تسلطيه للضوءِ على مُشكلاتهِ وضحاياهُ.

فتتحولُ الأنظارُ رُويدًا رُويدًا على مكانة الموقع الاستراتيجي للوطن العربي في العالم. لذلك، تسعى الهيمنة الأمريكية والدُول العُظمى كروسيا والصين وما إلى ذلك إلى استغلال كُل ما يتعرّض لهُ الوطن العربي مِن مُشاحناتٍ وتحدياتٍ لقلبها ضدّه بأيّ طريقةٍ حتّى تُضعفهُ. وما يُضعفهُ أيضًا هو الانشغال بالقضايا والشأن المحلي مِن فَقرٍ وبطالةٍ وحُروب أهلية وطائفية. وعلى غرارِ ذلك، تتراجع القضية الفلسطينيّة أو مِن المفروضِ أن نُطلقَ عليها الحقّ الفلسطيني إلى آخر أولويات الوطن والإعلام العربي. هذا ما يُساعد العالم بأسرهِ والكيان الصهيوني على احتلالنا جميعًا وليس فقط احتلال أرضنا ووطننا. يجب على الإعلام العربي أن يجتمع على قضيةٍ واحدة وإبرازِها وتثبيتها في عُقولنا، والحديثُ مُطوّلًا عنها على صعيدٍ طويل، حتّى يتحرر الحق الفلسطيني في أرضهِ.

إن عدم إيقاف الكيان الصهيونيّ عند حدٍ يلتزمُ بهِ أو مسحِهِ كُليًّا مِن الوجودِ وطمسهِ سيُعطيهِ الشرعية في احتلال الوطن العربي بأسره، حيثُ يُمكن أن نُطلقَ عليه أنّه فيروس ينتشرُ تدريجًا بطريقةٍ مدروسة. حيثُ يُهيمنُ الاحتلال على جُلّ الأشياء التّي تعبرُ مِن أمامِه وضمّها لمُلكيته، حيثُ أن حُب التملّك عنده قد تجاوزَ الحدّ المعقول، يبني مُستوطناتٍ ويستولي على مناطقٍ أُخرى، ويستولي على دولةٍ وهمّه ورغبتهُ على دولةٍ أُخرى، إلى متى هذا الاستعمار قائم؟ إلى متى ستغدو هذهِ التيارات رافعة راية الاستسلام البيضاء؟ برأيي، مَن أعطى هذهِ الفُرصةَ لهم بالتمادي في سلبِ الحُقوقِ والسُخرية منّا، هو الإعلام العربي! فهو لم يجد حلًا دائمًا لمُواجهتهِ، فكُل حُلولهُ مؤقتة!!

وفي غُضونِ ذلك، أفسحت التكنولوجيا وأعطت جميع مُستخدمي مواقع التّواصل الاجتماعي الحقّ في اختيارِ اهتماماتهِ ونشر ما يرغبهُ مِن مُحتوى، حيثُ أن التصنيف الأعلى والأكثر اهتمامًا بين شعوب العالم هو ما يُوصفُ بسفاسف الأُمورُ الذّي لا هدف منه ولا مغزى. ثُمّ نسأل أنفسنا، لماذا نُحتّلُ؟

وباختلافِ أنواع الإعلام المُوجّهِ لنا، هُناك نوعٌ خطير ومُدمّر يوجّهُ إلنا بلُغتنا العربيّة مِن قِبل أعدائنا أو خُصومنا، لتغسلَ أدمِغَتنا وتصلُ لأهدافِها المنشودة. إضافةً للعامل المُساعد في هذهِ العملية وهو اختلاف أجندة إعلامنا. الأمر الذّي يتحكَم بترتيبِ أولوياتِ أخبارنا على سبيل المثال، اهتماماتنا وما يدورُ حولنا مِن قضايا، حيثُ أن هُناك بعض الدُول تعتبر حقنا الفلسطيني على رأس أو قمّة هرم الأولويات، فتُتابع الخبر بحذافيره (رُبما نتحدث عن قنوات على مواقع التواصل الاجتماعي)، وأُخرى مَن تعتبر هذا الحق ليس موجودًا مِن الأساس، فتضعهُ في درك هرم الأولويات. لكن علينا ألا نتوقف هُنا، عند هذهِ النقطة، بل علينا أن نعمل ساعيين على إيصال رسائلنا الإعلاميّة وحقنا الفلسطينيّ وقضيتنا بلُغات مفهومة للغرب، سواء الإنجليزية، الإسبانيّة، الإيطالية، وما إلى ذلك، حقّنا يجب أن يُفهم بالطريقة الصحيحة الخالية مِن التحريف والتشويه والحقيقة الزائفة.

إعلامنا العربي بحاجةٍ إلى المزيد مِن النهضة مِن كافّة الجوانب، لأن ما يحدثُ في العالم العربي لا يجب أن يُصمت عنه وإلّا تمادى الإعلام الغربيّ والصهيونيّ تماديًا كثيرًا.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نرمين وليد

تدوينات ذات صلة