الباحثة في مجال الإعلام تحتضن فكرة الاهتمام بخدمة المجتمع وعكس صوتهم وتقديم ما يحتاجه

نرمين وليد


عمّان – قالت الصحفيّة والباحثة في مجال الإعلام، سوسن زايدة، أن مع تطور الهواتف الذكيّة وأدوات الإتصال المُختلفة وانتشارها، أصبحت هي الوسائل الرئيسية لاستهلاك الإعلام، وأن جزءاً كبيراً من الناس تماشى مع هذه التطورات. لكن لا توجد مؤشرات أو نسب تُثبت أن نسبة مُشاهدة الناس للتلفاز قلّت، لأنهم ما زالوا يجمعون بين هذه التقنيات التي تتطوّر بشكل مُستمر والتلفزيون. فهي ظاهرة اجتماعية أكثر من كونها سلوك إعلامي، لأن التلفاز هو الجهاز الموجود في غُرفة الجلوس، ويمكن القول أنه عند تشغيله يكّون خلفية لحياتنا فهو برأيي سلوك اجتماعي.


وأضافت أن مُستقبل الصحافة الرقميّة سيكون في تطورٍ كبير، وأن ارتباطها بالهواتف وجهاز الكومبيوتر ينعكس على استخدامنا الكبير لهذهِ الأجهزة، حتّى أنها أصبحت جزءاّ لا يتجزأ من حياتنا. في حين، أن عوامل تطور الصحافة الرقميّة يمكن قياسها بكُلفة، وجودة، وانتشار وتوفر الإنترنت، وأنها تختلف من مكانِ إلى آخر، وهذا ما يحكم مستقبل الصحافة الرقميّة. لكن، بلا شك أن الصحافة الرقمية تفّوقت بقدراتها على تقديم كُل ما يحتاجه الجمهور، وأنه متواجد الآن بين يديهم بصورة تتوافق مع السلوكيات التي تعتمد على استهلاكهم لوسائل الإعلام.


وبيّنت زايدة أن التغيرات المُتسارعة التي تفرضها التكنولوجيا علينا تُساعد على تكوين مُتغيرات جديدة ومُختلفة عمّا سبقها في الفترات السابقة، وساعدت على بلورة سلوكيات تتكيّف مع هذه التطورات. والسبب الأساسي لتغيير بعض جوانب حياتنا للأفضل هو بسبب السلوكيات التي تتقدّم تدريجياً، وتخرجنا من الدوائر الصغيرة المحصورة إلى دائرة التنوع والتجديد. وأن التجارب تختلف وتتغيّر في كُل مرحلة من مراحل نضج الإنسان.


وكشفت زايدة أنه يمكن اعتبار الصحافة الموجودة في الأُردن هي صحافة مائلة أكثر إلى آراء، وجاءت صحافة البيانات كرد فعل على كُل هذه الأراء، أصبحنا نحتاج إلى معلومات وأرقام ومُعطيات، والجمهور هو الذي يُفكّر ويقرر بنفسه دون الحاجة إلى رأيّ مُعد وجاهز. وعدم التوازن بين القراءة والكتابة تعدّ مُشكلة كبيرة، لأن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يُبالغ في الوقت المكرّس للتعبيرعن الرأي، فهو يتحدّث أكثر ممّا يقرأ. والقراءة تنعكس على سلوكياته وتنوع وعمق الآراء التي يعبر عنها. ويُساعد أيضاً التنوع والتعددية في القراءة، والوصول إلى وسائل إعلام تُقدم مُحتويات نوّعية، ولغات مُتنوعة، إلى التوسّع من هذه الأُفق المُغلقة. وفيما يلي نص المُقابلة.


- من خلال مسيرتكِ المهنيّة والأكاديميّة قُمتِ بإعداد وتقديم البرنامج الإذاعي المُتخصص (عين على الإعلام)، ما هو الهدف من هذا البرنامج، وما الذي ميّزه عن غيره من البرامج؟

بعد ما درستُ صحافة إلكترونيّة بدرجة الماجستير، كانت رسالة التّخرج تتحدّث عن أخلاقيات المهنة في تغطية الحروب، وكان الهدف هو تقييم المُحتوى الإعلامي وتغطية الحرب في العراق (2003) من أكثر من مؤسسة عالميّة. وكان هناك تفاوت في مُلكية هذه المؤسسات بشكل كبير. من وقتها، أصبحتُ مُهتمّة بفكرة متابعة تغطية الإعلام لأبرز القضايا التي تهمّ النّاس، وبعد ما انتهيت من الدراسة انطقتُ للعمل في إذاعة مُجتمعيّة مُهتمّة في تمثيل صوت المُجتمع أكثر من اهتمامها بعكس أصوات النُخب السياسيّة. وبالتالي، كانت الفكرة الموائمة بين أهداف هذه الإذاعة وبين أهداف برنامجي وهي مُراقبة أداء الإعلام من ناحية جودته، وكيف يخدم الجُمهور. الشيء المُشترك كان خلق ثقافة إعلاميّة لدى الناس خلال مُتابعتهم لوسائل الإعلام، ليحاولوا أن ينظروا إليها بنظرة نقدية. ومع تطور وسائل الإعلام أصبح الإعلام يأخذ حيّزاً كبيراً في حياتنا، وبالتالي، يؤثر يشكل كبير على مفاهيمنا ومواقفنا في الحياة. لذلك يساعد الناس في تكوين معرفة وفهم لإدراك دوافع المؤسسات الإعلاميّة على اختلافها سواء كانت تجارية هدفها الربح أو غيرها. وعلى هذا الصعيد وتطبيقاً على ذلك، فقد أجريتُ مُقارنة بين قناة الجزيرة العربية والإنجليزية، وجدتُ أن القناة الموجودة باللغة الإنجليزية تعرض برامج وثائقيّة، تقارير إخبارية ومعلومات، كل خطاباتها عقلية موجهة للجمهور الأجنبي. في حين أن القناة العربية كانت تعرض آراء مُتطرفة. برأيي، كانت تحريضية، عاطفية تُخاطب المشاعرعلى مُستوى بث صور لجُثث القتلى في وقت الحُروب.


- تُطلقين على مُصطلح الإعلام الرقمي "الصحافة الرقميّة"، ما تعريفهُ بنظركِ وما مُستقبلهُ خاصةَ بعد أن رأينا تراجع الصحافة التًّقليدية والورقيّة؟

الإعلام الرقمي والصحافة الرقمية مسألة مُفردات فقط، فالإعلام هو مفهوم أوسع، ويندرج تحته أشكال الإنتاج السينيمائي والتلفزيوني، وكافة أنواع البرامج أو المُحتوى التلفزيوني. والموضوع ذاته ينسحب على الإذاعة، حتّى على الإنترنت. فنجد أن هُناك مُنتج إعلامي ولكنه ليس صحفي. الفارق بينهما أن الصحافة مفهومها الأشمل يضم الأخبار، التحقيقات، التقارير، ومقالات الرأي. في حين، الصور الترفيهيّة والإعلانات كُلها مُنتجات إعلاميّة غير صحفيّة. فالمقصود بالصحافة الرقميّة كُل مُنتج إخباري أو قضايا راهنة تُقدّم بنفس الأدوات الرقميّة. برأيي أن الخلط بالمُسميات كان من قِبل نقابة الصحفيين، لأن قانون النقابة كان يضم فقط الصحفيين العاملين في الصُحف اليوميّة. عندما بدأت تتوّسع شملت الإذاعات والتلفزيونات، وبعد صراعٍ طويل شملت المواقع الإخبارية، وأصرّت النقابة على أن تبقى محدودة ومُغلقة أمام الكثير من الإعلاميين. فمثلاً، منعوا مذيعو التلفزيونات من الانضمام لهم. وبالنسبة لمُستقبل الصحافة الإعلاميّة فإن قطاعها يتوسّع، كل شخص يُكّون سُلوكيات في استهلاك الإعلام. فمثلاً، فئة من الجمهور اعتادت مُتابعة الأخبار من الانترنت، فلا تلجأ لوسيلة أُخرى غيرها، بل يتبنّى هذا الجمهورالتقنية ذاتها لمُتابعة ما يُريده. والأمر ذاته ينسحب على التلفاز. ومع تطور وانتشار الموبايل والهاتف الذكي وبعد أن أصبح جُزءاً من حياتنا، تعددت خصائص صحافة الإنترنت. فيُمكنك مُشاهدة ما تريده في أي مكان ووقت. والصحافة الرقميّة بلا شك تفوّقت بإمكانيتها وخصائصها وقدرتها على تقديم مُنتج قابل للتكيّف مع احتياجات الجمهور.


- يحمل المُستقبل تغيّرات عدّة تطرأ على خُططنا القديمة، ما هي خُطط الصحفيّة والباحثة سوسن زايدة المُستقبليّة؟

عندما بدأتُ حياتي المهنية كان لديّ تصوّر أنهُ كُلمّا تخصص الإنسان، واستمر بالعمل نفسه، وكوّن خبرة، وسعى بالمزيد والمزيد من التخصص يكون هذا تطوراً مهنيّاً سليماّ، لكن مع تغيّر الحياة وتطور الإعلام فهذه القاعدة تغيّرت، وبالتالي، تغيّرت خُططي. ومع دخول التكنولوجيا على حياتنا وما صاحبته من تغيّرات مُتسارعة جعلتنا في تجديد مُستمر، لنجددّ مساراتنا المهنيّة. وهذا لا يُقتصر فقط على التخصص وإنما على مفهوم التجارب المُتنوعة، يعني أن كل تجربة مهنيّة مُختلفة نعيشها تحمل معها إضافات جديدة، مهارات ذهنية جديدة وطريقة تفكير مُختلفة. وبالتالي، أصبح شعاري تجربة كُل ما هو جديد. فمثلاً، انتقلتُ من المواقع الإخباريّة إلى الإذاعة، فالصحافة الرقميّة فالأبحاث فالدراسات والتدريب والاستشارات ثم التدريس. كُل هذه أعتبرها سلسلة من التجارب التّي تضيف تطوراً في المجال الأكاديمي والمهني للإنسان في النهاية. وكل مجال منهم يحتاج إلى تعلم مجموعة من المهارات الجديدة. فالتنوع وتعدديّة المهارات والتّجارب هي شعاري الجديد.


- كتبتِ عدداً من التحقيقات الصحفيّة، هل الصحافة الرقميّة تغلّبت على شغف التحقيقات بداخلكِ؟

تجاربي في التحقيقات الصحفيّة محدودة. وكان ذلك بدافع الاهتمام بالموضوع وليس بدافع الاهتمام بالتّحقيقات، ولا أُصنّف نفسي صحفيّة تحقيقات. لكن بالمُجمل، مَن يُود العمل في هذا المجال يجب أن يكون لديه مواصفات مُعيّنة. وصحفي التّحقيقات هو صحفي ميداني بامتياز. وقليل ما كان وجودي في الميدان. لكّن في الوقت نفسه، أميل إلى التقارير المُعمقة. كانت لدي تجارب في صحافة البيانات واستهواني هذا المجال كثيراً؛ لأنها تُحقق مُعادلة متوسطة بين التّحقيقات والتقارير الأُخرى. وصحافة البيانات تعتمد على جمع البيانات من الإنترنت وتميل لمفهوم المعلومات أكثر من الآراء.


- عملتِ كصحفيّة وباحثة في مجال الإعلام، وكتبتِ سلسلة من المقالات النّقديّة المُتنوعة، وكاتبة في (مجلة حِبر الإلكترونيّة) ماذا تودين أن تقولي للكثير من طُلاب الصحافة والإعلام تحفيزاً أو رُبما تحذيراً لهم عندما يخوضوا في أعماق هذه الحياة غداً؟

"القراءة" أزمة القراءة في مُجتمعنا كبيرة وليست بمُشكلة بسيطة وحسب، لأن ثقافة الصحفي تنعكس على عمله. فنصيحتي لهم أن يقرؤوا الكتب وأيضا ما يُنشر في وسائل الإعلام المتنوعة، وأن يوّسعوا دائرة ما يُقرؤونه. والوصول إلى وسائل إعلام تُقدم مواد نوعيّة سواء على مستوى قصص، تحليلات، دراسات، مقالات مُعمّقة والبحث والدراسة سواء كان من إنتاج أُردنيّ أو عربيّ أو أجنبيّ، ويُمكن بذلك ترجمة المواد الإعلاميّة الإنجليزيّة إلى العربية. فكُلّما توسعت قرائتنا وخرجنا من هذهِ الدوائر الصغيرة، ستُفيدنا بعملنا الصحفي. نصيحتي الثانيّة، التّفكير بالجمهور، برأيي أن الصحافة هي تفكير نقديّ وسلوك أخلاقيّ أكثر من كونها مهارات، فالمهارات تتبلوّر مع ممارسة العمل الصحفي وتُبنى مع الوقت. أما بالنسبة للتفكير النقديّ، يجب علينا أن نتوسع في موضوعات قراءاتنا. والسلوك الأخلاقي يعني أن ننطلق من خدمة الجمهور، وتقديم ما يحتاجه بعيداً عن رغبات جهة معيّنة. وذلك من خلال التفكير الفطري السليم.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نرمين وليد

تدوينات ذات صلة