تعلمنّا بأن تجارب الحياةِ ما هي إلا اختباراً، يسير فيها الإنسانُ مُيسراً ومُخيّراً، يختارُ طريقاً لربُما وجد نفسه فيه، يبذلُ جهداً لم يبذله في أي شيء آخر، ليُصبح يوماً فلاناً جاء من نتاجِ يديه، من تغذية دماغه، إصرارهِ على التَّعلم والعلم، لأن الإنسان ما كان يوماً إنساناً وما اختلف يوماً عن أي مخلوقٍ آخر بسائر بناءه إلا بسبب ميزة العقل. فنعاود القول أنّ الإنسان نتاج عقله ويديه.


تعلمنّا بأن التجاربَ يُمكن لها أن تُصعقَ أجسادنا، لتأخُذنا لمُفترقٍ من الطرق، الأول منه بدايتهُ سهلة ونهايته مليئة بالشوك، والآخرُ بدايتهُ غير معلوم، ونهايته عاصفةٌ من التعب. يُخيّر الإنسان بينهما، فإن كان ذو عقلٍ ناضجٍ يُمكنه بسهولةٍ إنشاءُ طريقٍ ثالثٍ بمفرده، مليءٌ بالمعرفة، مُتدرجاً بالثقافة، مُلِمّاً بالدروس، ليُقابل كِلا الطريقين السابقين بالتجاهل.


تعلمنّا أن الكلمة أصلها وجذرها من الفعل، لكن يتغيّر معناها حين نُبدلُ ونتلاعب بين أحرف الكلام فنقول: الكلمة أقوى وأشد من الفعل على النفس، تعلمنّا بألا نستهين بالكلمة " وقد بلغ من أمرها ما بلغ؛ إنّها لتؤرق مضجعًا، وتُعكّر مزاجًا، وتُبدِّلُ حالًا، وتُريق دمعًا، وتُوحِشُ أنسًا، وتُميتُ شعورًا، وتُورث ضغينةً، وتُفزع سكينةً، وتأتي بما قد لا تقدر حوادث الأيام وخطوب الزمان على المجيء بمثله."


تعلمنا أن الوباء الذي سيطر على العالم بأكمله، جاء يستهدف البشرَ جميعاً، إمّا أن ننعزل عنه، أو إما أن يقضيَ علينا فنُصبح إحدى ضحاياه، لم نكن لنجدَ أنفسنا إلا بحلوله، بفرضِ سيئهِ علينا، بدَونا بشـرٌ لا نفقهُ شيئاً بدايةً، لكننا وجدنا من فضّل الكُتب على الأشخاص، ومَن فضّل كونه مُنعزلاً عن أقلامه، لتتجرع الحبر الكافي وتُعاودُ العمل من جديد، أما بالنسبةِ لصاحب القلم، جلسَ ليأخذَ استراحةً من المعرفة، وهُناك أيضاً من احتضن نفسه بالسمات التي لطالما أراد زرعها في نفسه.


وأنَّ بعض التجارب المريرة تضعنا تحت قبضتها، إما أن تقضيَ علينا، أو إما أن نضربها ضرباً مُبرحاً حتّى نتجاوزها.


تعلمنّا أن نغفر لبعضنا، " فنحنُ أيضاً كُنا سيئون يوماً ما. " وأن تَصفحَ عن ذلّات الآخرين ليس ضعفاً، بل لأن من يبدأ بالاعتذار، أشجع، ومن يبدأ بالمسامحة، أقوى."


تعلمنّا بأن قضيتنا قضيةٌ ثابتةٌ راسخةٌ في أوردتنا، ووصايا شُهدائنا ليست حبراً على ورق، ولا مزيجاً من كلامٍ اختُلطَ بدمٍ، وإننا لو أردنا مواجهةِ عدواً لنا، نواجههُ بالعقل أولاً، نفكّر كما يُفكر، نستولي عليه ببعض الحروف ونسكبها سكباً في دماغه، نزرعها وكأنها نباتاً بين أضلاعه. فالكلمة بمقدورها أن تغيّر أُمةً كاملةً تفتقر المعرفة، لتجعلها تنصاعَ تحت حُكمها آلاف السنين.


تعلمنا بأن بعض التجارب مسألةٌ عابرة فقط، لكن أثرها يدوم، وأن طريقها مُليئٌ بالتناقضات، سبيلٌ مُحاصر بالإضطرابات اللا مُتناهيّة، وبعضها تتحوّل لفصولٍ تجلب معها الإختلاف، بعضها قوّمنا والآخر أرشدنا، ومنه من ثبّتنا. فلم نكن يوماً بشراً لغرضٍ معنيٌ واحد فقط، وإنما خُلقنا لنكون ما نحنُ وما سنكون عليه مُستقبلاً.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نرمين وليد

تدوينات ذات صلة