يذكرنا هارون الرشيد أننا كنا دولةً تسعى كل الدنيا للتقرب منها وكسب ودها، واحترامها.

تعيش منطقتنا العربية أياماً استثنائية هذه الفترة، إذ تجري منافسات بطولة كأس العالم فيفا قطر ٢٠٢٢، أجواء رائعة أشبه ما تكون بالعيد، مباريات قوية مرتقبة، فعاليات واحتفالات، ثقافات وشعوب مختلفة تحت مظلة واحدة في دوحة الجميع.

وعلى هامش المونديال "ولأن الهامش لا يليق إلا بهم بل هم أدنى من أن يذكروا فيه حتى" ؛ يخوض أدعياء الحريات المزيفة حربهم الخاصة في محاربة الفطرة السليمة، في محاولة يائسة لاستغلال أهم وأضخم حدثٍ رياضي من أجل فرض أفكارهم ومعتقداتهم المشبوهة التي لا يمكن تقبلها تحت أي مسمى، يرفضها العقل والمنطق، والدين والإنسانية، أو على الأقل هذا ما نؤمن به ونعتقده في هذا الجزء من العالم!


عصام الشوالي مادحاً العرب

وفي ظل الجهود الكبيرة التي بذلتها قطر وما تزال من أجل الحفاظ على نصاعة هذه البطولة في مواجهة هؤلاء، فقد كان لا بد من افتتاحية تاريخية في أول مباراة في المونديال، والتي جمعت منتخبي قطر والإكوادور، حتى تضع النقاط على الحروف، وتوضح خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، ولكي يكون بياناً واضحاً معبراً عن هوية عربية إسلامية أصيلة لا تقبل بالتنازلات أو المداهنة، حيث افتتح عصام الشوالي تعليقه على هذه المباراة بقوله: " نحن العرب، نحن مهد الديانات ورسالات السماء، نحن العرب التاريخ والمستقبل، نحن الثقافة والحضارة، نحن بيت الشعر والقصر، نحن من تعلمتم منهم، ونحن من علمكم، واسألوا شارلمان عن ساعة هارون الرشيد، نحن لا ندعي أننا الأفضل، ولكن نرفض أن نكون أقل، احترم لتحترم".

لهجة شديدة وبيان فصيح واضح، مفرداته تثير الحمية، وتضرب على الوتر الحساس،"احترم لتحترم"، ورغم تداول المقطع بصورة كبيرة على منصات التواصل الاجتماعي منذ بداية المونديال وحتى اليوم، إلا أن أهم جملة فيه يبدو أنها مرت مرور الكرام دون تفصيل أو بيان، ولعلها أكثر جملة أطربت مسامعي، تحمل من عبق التاريخ ما يثلج الصدور ويؤجج المشاعر، وتحمل في طياتها حكاية عزٍ من العصور الذهبية للإسلام، حيث الهيبة والعزة، "واسألوا شارلمان عن ساعة هارون الرشيد" فما حكاية هذه الساعة، ومن هو شارلمان، ولماذا استدل الشوالي بها في تعليقه على افتتاحية المونديال؟


هارون الرشيد وشارلمان

لا يُذكر الخليفة العباسي هارون الرشيد إلا ووصفت فترة خلافته "بالعصر الذهبي للإسلام"، فقد بدأ عصر ازدهار العباسيين منذ توليه للخلافة عام ٧٨٦م، إذ شهدت حقبته الكثير من الإنجازات التي أسهمت في نماء وتطور دولتهم الممتدة من وسط آسيا وحتى المحيط الأطلسي، حتى أصبحت الخلافة الإسلامية ومقرها بغداد ذات شأن كبير على مستوى العالم، يهابها الأعداء، ويتوافد إليها العلماء والفقهاء والأدباء.

ولأنها الدولة الأكثر تطوراً آنذاك على المستوى العلمي والحضاري، فقد كان من الطبيعي أن تسعى الممالك والدول لعقد تحالفات معها، ومنها تحالف الرشيد مع شارلمان، الذي يوصف بأنه أول امبراطور روماني مقدس، وهو أحد ملوك الفرنجة، وحاكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة بين عامي ٨٠٠م و٨١٤م، حيث تبادلت الخلافة الإسلامية والإمبراطورية الرومانية في ذلك العهد العديد من المراسلات والزيارات.

وقد تعددت التأويلات التاريخية لهدف هذا التحالف، ومما قيل في ذلك أنه يحمل طابعاً دينياً بهدف توفير الحرية للمسيحيين في زيارة الأماكن المقدسة في فلسطين، ويأخذ منحاً سياسياً باعتبار وجود العديد من المظاهر السياسية المشتركة بين الدولتين، وأيضاً طابع تجاري بين رعايا الدولتين، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التحالف لم يثبت تاريخياً بشكل واضح، بمعنى أنه كانت هناك علاقات تجارية وسياسية، لكن لم ترتقي إلى مستوى التحالف بمفهمومه المتكامل.


ساعة هارون الرشيد

أما ساعة هارون الرشيد، فهي إحدى الهدايا التي بعث بها الرشيد إلى شارلمان، وقيل أنها أول ساعة عرفتها أوروبا، وهي تحفة فنية لا مثيل لها في ذلك الوقت، فقد كانت ساعةً ضخمة يبلغ ارتفاعها أربعة أمتار، مصنوعة من النحاس الأصفر، تتحرك بقوة مائية مع قوة الجاذبية الأرضية، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية، الواحدة تلو الأخرى، على قاعدة نحاسية مفرغة، تصدر رنيناً موسيقياً مبهجا في جميع أنحاء القصر، وفي ذات الوقت يُفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة، ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ثم يعود من حيث خرج، فإذا حانت الساعة الثانية عشرة يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسًا مرة واحدة، ويدورون حول محيط الساعة دورة كاملة، ثم يعودون ليدخل كل واحد من حيث خرج، وتغلق الأبواب بعد ذلك وراءهم.

ولأنها كانت أعجوبة الزمان بالنسبة لأوروبا في ذلك الوقت؛ فقد أثارت إعجاب شارلمان وحاشيته وكذلك أثارت شكوكهم، فما كان من رهبان الملك إلا أن فسروا ذلك على أنها تحتوي شيطاناً يحركها، ومنهم من قال أن الرشيد كان يهدف من خلالها بالقضاء على شارلمان وسلب ملكه، لأجل ذلك قاموا بتحطيم هذه الساعة الثمينة حتى يخرج الشيطان منها بزعمهم، وكانت المفاجأة التي أصابتهم بالصدمة، ووصمتهم بالخيبة، إذ لم يجدوا بداخلها سوى آلاتها التي صنعت منها، فحزن شارلمان حزناً شديداً، واستدعى الخبراء والعلماء وأمهر الصناع بهدف إصلاحها، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، فعرض عليه مستشاروه أن يخاطب خليفة المسلمين هارون الرشيد، كي يرسل فريقاً عربياً ليصلح ما أفسده شارلمان وحاشيته، فرفض شارلمان هذا المقترح وقال: أشعر بخجل شديد أن يعرف ملك بغداد أننا ارتكبنا عارًا باسم فرنسا كلها!

هذه هي حكاية ساعة هارون الرشيد، ولأن الشوالي مثقف متمرس قبل أن يكون معلقاً رياضياً مخضرماً، فقد كان من الذكاء منه اقتضاب هذه الجملة، لبيان مكانة العرب والمسلمين، الذين سادوا العالم بعلمهم وحكمتهم، وليس فقط ببأسهم وقوتهم، لذلك وكما قال الشوالي، نحن لا ندعي أننا الأفضل، ولكن نرفض أن نكون أقل.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

لاتظلموا العراق
الكابتن عصام تكلم عند افتتاحية بطولة الخليج ٢٥ في البصرة وهارون الرشيد أرسل الساعة من بغداد الى باريس
أرجوا أن لاتبخسوا حقوق الناس

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة