قصة قصيرة تصف مشهداً اجتماعياً من مشاهد حياتنا اليومية

و ما الحياة إلا رحلة و ما نحن إلا ركاب في مركباتٍ تتسابق على طريقها السريع

في سيارة أجرة التقيتها؛ امرأةٌ أربعينيةٌ تصرخ ملامحها فقراً و بؤساً، استقرّت في الكرسيّ إلى جانبي و لم يتردد لسانها عن مشاركتي همومها دون أن أسأل، تململتُ بدايةً لأني أكره العلاقات العابرة في وسائل المواصلات العامة بالإضافة لامتعاضي للنساء الثرثارات، لكنّ عفويتها الحزينة و كلماتها شبه المتوسلّة شدّت فييّ سمعي و هي تصف أولادها بعد أن تركها والدهم شهيداً وحيدةً لتطعم أفواهاً ستة دون أن تملك مصدر قوتٍ لذلك، و شرحت كيف أنّها تعيش على مساعدات الجمعيات الخيرية، و استرسلت في رواياتها دون أن تنتظر مني تعليقاً و كأن شفتاها أرادتا فضح وجع قلبها و تعب الجسد المختفي وراء تلك الثياب الرثّة.

تذكرتُ نقاشاً دار بيني و بين صديقٍ البارحة كان يحاورني حول هموم الشعب و مشاكل الطبقة الفقيرة، نقاشٌ كنتُ أحاول فيه أن أثبت أن لا وجود لأي طبقةٍ فقيرةٍ بحق في بلادنا، فهل يا ترى جاءت هذه المرأة خصّيصاً لتثبت لي عكس ذلك؟


أردتُ أن أدفع الأجرة، لا أدري ألأني أردتُ حقاً مساعدتها أم لأني أشفقتُ عليها أم لمجرد أنّ تقديم العون للآخرين يمنحني شعوراً جيداً تجاه نفسي، لكني لم أفعل، ربما شعرتُ بأنّ ذلك سيحرجها أو فقط لم أجرؤ! مع أنها جعلته واضحاً لي أنّ رغيف الخبز الذي كانت تتناول منه قضمةً بين كلمةٍ و أخرى قد أعطته إيّاها أحدى النساء في محلٍ من محّال السوق.


استفقت من غيبوبة حواري مع نفسي حين لفت نظرها شعار نقابة المحامين على مفكّرتي، فلفتت نظري بقدرتها على القراءة، و من دون مبررٍ لاستغرابي إلّا أنني استغربت قدرتها تلك و كأنه ليس من حقّ أمثالها حتى معرفة حروف الهجاء.

و بعد أن شاركتها لبضع ساعةٍ مشوار عمرها وصلت لمحطتها المؤقتة في الحياة و نزلت تودّعني بابتسامةٍ متواضعة، مخلّفةً وراءها حقائب محمّلةٍ بتساؤلاتٍ قد لا أجد لها مفاتيح تفكّ أرقام إجاباتها السريّة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الله جميل اسلوبك ووصفك لمعاناة روح بائسة 👍

إقرأ المزيد من تدوينات ميسا أحمد عبدالله

تدوينات ذات صلة