رواية هل تموت الملائكة؟ بقلم هلا بدر لقان - الجزء السابع

ورد اتصال لمركز الشرطة من قبل شابين كانا يتجولان في إحدى الغابات ووجدوا ثلاث جثث لفتيات مقتولات بنفس أسلوب القاتل الأول..

اتصل المحقق بمازن حتى يرافقه لمسرح الجريمةو لكن مازن لم يجيب لذا قرر الذهاب لمسرح الجريمة عله يجده هناك.

مشى المحقق نحو الغابة وكلما كان يقترب من الغابة كان ينظر حوله لربما يجد مازن بالقرب ولكن مازن اختفى وعندما وصل سأل الضابط هناك:" ماذا لدينا هنا؟".

الضابط: ثلاث فتيات أعمارهم تقريباً 21 سنة، وجدوهم شابان كانا يتجولان في الغابة.

المحقق: وأين هما؟

الضابط: واقفان مع ضابطان آخران هناك.

المحقق: حسناً، وهل الطب الشرعي هنا؟

الضابط: نعم إنهم يفحصون الجثث.

وذهب المحقق لمكان الجثث وهو يقول:" هذه المرة عدد الضحايا مضاعف، لابد أن الاثنان اشتركا في جريمة واحدة".

وقف أمام الجثث الثلاثة، الأولى كانت لفتاة تُدعى (يارا) طويلة ذات وجه بيضاوي، كانت في موضع الجلوس على الأرض ولكن رأسها كان مرفوع لأعلى، منقوش على يدها "هل استمتعتِ؟".

الجثة الثانية كانت لصديقة يارا، فتاة اسمها (دانا) وكانت أيضاً في الموضع نفسه عند الشجرة المقابلة ليارا، كان منقوش على يدها "أنا حقاً لا اهتم" وكأنها تكملة للجملة الأولى المنقوشة على يد يارا.

أما الجثة الثالثة كانت لمها، والأخرى كانت في نفس موضع صديقاتها، ونُقش على يدها الجملة الأخيرة لمقصد القاتل "أنتِ تستطيعين أن توصلي لهم تحياتي".

قال المحقق: لقد مللت من هذا، لم تسألوا السكان المحيطين ما إن رأوا شيئاً؟

أحد الضباط: كلهم يقولون أن الوقت كان متأخر والظلام حالك، فلم يستطع أحد رؤية شيء.

المحقق: ألا توجد كاميرات مراقبة في أحد البيوت المجاورة؟

الضابط: لا أظن ذلك يا سيدي.

طلب المحقق ملفات عن الثلاث فتيات ومعلومات كاملة عنهم ثم ذهب للشابين اللذان وجدا الجثث.

المحقق: مرحباً، أنا السيد سامي، المحقق في هذه القضية، آسف لما حدث ولما اضطررتم لرؤيته، هل لكم أن تخبروني كل شيء؟

أحد الشابين: نعم بالتأكيد، في البداية أنا اسمي عز وهذا صديقي عبد الله، كنا تقريباً نخرج للمشي كل أسبوع مرة، وكنا نمشي ناحية الغابات، وصراحةً نحن لا نصدق بقصة ملاك الموت، الليلة الماضية كنا نمشي كعادة الحال، دخلنا الغابة ورأينا الجثث، في البداية كنا نظن أنهم مجرد صديقات يتنزهن معاً ولكن عبد الله أخبرني بأنه يجب أن نتأكد من الموضوع، وكلما اقتربنا منهن تظهر الصورة بوضوح فوجدنا أنهم مجرد جثث هامدة، كان منظر بشع لا اعلم كيف لي أن أنساه.

عبد الله: أعرف يارا ولكن ليس جيداً، إنها خطيبة أحد أصدقائي، فهو دعاني لحفل خطوبته ورأيت الثلاث فتيات.

المحقق: ومن هو صديقك هذا؟

عبد الله: اسمه صبري، زميلها في الجامعة، تفضل هذا رقمه.

المحقق: وهل مرة سمعت بأي شيء غريب حدث بينهما؟

عبد الله: لا، بالنهاية هذه أمور خاصة ولا دخل لي بها.

المحقق: حسناً، يمكنكما الذهاب الآن.

أخذ المحقق رقم الشاب ثم اتصل به وطلب مقابلته في مكتبه الساعة الثانية بعد الظهر، ووافق الشاب على ذلك.

اتجه المحقق نحو منزل يارا، دق الباب ففتح له السيد مراد والد يارا.

المحقق: عظم الله أجركم، أنا السيد سامي المحقق في هذه القضية.

مراد: شكر الله سعيكم، تفضل.

دخل المحقق وهو ينظر للبيت ومعالمه، كان بيت بسيط لعائلة بسيطة مكونة من الأب مراد والأم شادية والأخ يامن ويارا التي كانت بينهم.

جلس المحقق في غرفة الجلوس وطلب من السيد مراد أن يُحضر باقي أفراد العائلة، ليسألهم بضع أسئلة فوافق السيد مراد وذهب ليحضرهم.

مرت دقيقتين وأتت السيدة شادية مع يامن وكانوا في حالة يُرثى لها..

المحقق: أنا آسف لما حدث لابنتكم، أعدكم بأن يُطبق العدل بأقصى سرعة.

شادية: لو أن أحد اهتم لما حدث ذلك ولحُلت القضية بشكل أسرع، ولكن هناك من لا يرى عمله بشكل جيد ويلتفت نحو الفتيات.

صُدم المحقق لما قالته السيدة شادية فهو لم يتوقع أبداً أن يوجه أحدهم مثل هذا الكلام له، وكان يعلم أنها كانت تقصد ملاك لذا فهناك أحدهم ينشر إشاعات خلف ظهره.

قاطعهم السيد مراد: أنا آسف سيد سامي، زوجتي بالطبع حزينة على ابنتها، أنها تمر في حالة صعبة، أرجوك اعذرها.

المحقق: لا بأس، فأنا أيضاً أتمنى أن أجد القاتل بأقصى سرعة، لذلك سأسألكم بضع أسئلة عن يارا وعن حياتها وأرجوكم أن تجيبوني بصدق تام.

مراد: بالطبع تفضل.

المحقق: أخبروني، من هي يارا؟

مراد: يارا أكبر أولادي، شخصية هادئة لا تحب الظهور في التجمعات، ليست منعزلة ولكنها (كما تقول هي) لا تحب النفاق بين الناس، فهي شخصية نقية ذات قلب أبيض صافٍ ولا أعرف ماذا يريد قاتل منها.

المحقق: أخبريني يا سيدة شادية عن ابنتك.

شادية: انها مثل ما قال زوجي، ذات قلب أبيض واسع، لم أسمع أنها تحقد على أحد، لم تقل لي مرة أنها منزعجة من أحد، بالعكس كان الجميع يحبها، كانت لطيفة مع الجميع.

المحقق: يعني لا توجد عداوة بينها وبين أي شخص؟

شادية: لا أظن ذلك.

المحقق: هل لي بهاتفها؟

مراد: بالطبع، دقيقة لأحضره.

ذهب السيد مراد ليحضر هاتف يارا ثم عاد وأعطاه للمحقق، فتحه المحقق، كانت خلفية شاشة الهاتف صورة يارا مع خطيبها صبري، فتح الرسائل لم يجد شيئاً غريباً، ثم فتش الهاتف كله ولم يجد أي موضع للشبهات فأرجعه للسيد مراد.

المحقق: آسف لازعاجكم.

ثم وقف وغادر المنزل.

مشى المحقق نحو السيارة التي كان فيها أحد الضباط ينتظره ثم قال :هناك شيء غريب يحدث هنا ولكن لا اعلم ما هو !!

ركب السيارة وطلب من الضابط أن يقوده لبيت مها فقال الضابط أن الثلاث فتيات جيران، وأشار ناحية بيت مها ودانا.

المحقق "إذن القاتل يعرفهم جيداً ليعرف أنهم جيران".

ثم نزل من السيارة متجهاً لمنزل مها، دق الباب وفتح والد مها وأوفى المحقق واجب العزاء، ثم دعاه والد مها للدخول.

المحقق: آسف إذا أتيت بلا موعد ولكن هذا هو عملي .

سيد رامي (الوالد): لا، لا بأس تفضل.

دخل المحقق وكانت السيدة مروة والدة مها وأخوات مها الأربعة في انتظاره.

جلس المحقق وقال: عظم الله أجركم، سأسألكم بعض الأسئلة وسأحاول أن لا أطيل عليكم.

مروة: تفضل.

وبدأ التحقيق بشكل طبيعي وكانت الإجابات طبيعية لا تحمل أي شكوك.

وصل المحقق لسؤال "وكيف كانت مها مع أقرانها؟ هل تشاجرت مع أحد؟ أي شخص موضع شبهة بالنسبة لكم؟".

وعندما سأل هذا السؤال كانت إحدى أخوات مها (مريم) غير مرتاحة، مترددة بأن تقول شيئاً، لاحظ المحقق ذلك ولكنه لم يعره اهتماماً إلا عند مغادرته حيث طلب من مريم أن تأتي لمكتبه الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، أي بعد مقابلة صبري خطيب يارا.

استأذن المحقق ليغادر ويتجه نحو بيت آخر فتاة، دانا.

سار الأمر بشكل طبيعي، استقبله أحد والدين دانا وجلس مع عائلتها المكونة من السيد رمزي والسيدة ريم وقاسم ويونس أخّي دانا ودانيا أخت دانا الوحيدة.

سألهم الأسئلة المعتادة ولم تكن إجاباتهم غامضة بل كانت طبيعية وعادية.

غادر المحقق وذهب لمكتبه لمقابلة صبري، وأثناء الطريق بقي تفكيره بماذا يفعل مازن واين هو؟

ذهب المحقق لمقابلة صبري، دخل المكتب وجده ينتظره هناك..

المحقق: آسف لتأخري.

صبري: لا بأس، هذا عملك وأنا أتفهم ذلك.

المحقق: سمعت أنك خطيب أحد الضحايا.

قال صبري وبدأت ملامح الحزن تنرسم على وجهه: نعم، يارا.

-وكيف تعرفتم على بعضكم؟

-كانت زميلتي في الجامعة، تعرفنا على بعضنا هناك.

-وكيف كانت علاقتكما؟

-كأي علاقة أخرى، ليست مثالية ولكن لا أشك أبداً أني قد أؤذيها يوماً ما.

-هل كانت علاقتها مع من حولها جيدة؟ من ناحية جيران، أصدقاء، أقارب..الخ.

-نعم نوعاً ما، لم أسمع أبداً أنها تشاجرت مع أحد ما.

-لم تذكر لك أي شيء غريب؟

نظر صبري للأرض يحاول أن يتذكر..

صبري: ربما مرة قالت لي بأن هناك فتاة في الفصل مغرورة وكانت هي وصديقاتها يحاولن استفزازها.

المحقق: ومن هي تلك الفتاة؟

-لا أعلم، فهي لم تذكر اسمها.

-هل وصفتها لك؟

-نعم، لم تكن بالطويلة ولا بالقصيرة، لا بالرفيعة ولا بالسمينة، بشرتها بيضاء.

سار التحقيق بين المحقق وصبري بشكل طبيعي ثم انتهى وأتى دور مريم أخت مها..

طرقت الباب ثم دخلت، المحقق: أهلاً مريم، فضلي.

مريم: آمل أن لا أكون قد قاطعتك.

المحقق: لا أبداً تفضلي.

مريم: عندما جئت للمنزل اليوم وسألت عائلتي عن مها، هناك سؤال..ما إن كانت هناك عداوة بينها وبين أحد.

المحقق:نعم..؟

-في الحقيقة هناك شيء حصل ولكن هذا لا يعني أني اتهم أحد.

-بالطبع لا.

-في مرة عندما دخلت مها للجامعة وكانت بدايتها الجديدة كانت هناك فتاة في فصلها، كانت هي وصديقاتها الأخريات يكرهونها ويحاولن اغضابها بأي طريقة، وحصل ذلك، تشاجرن مرة مها ودانا ويارا مع تلك الفتاة، وكانت مشاجرة قوية أدت لفصل مها وصديقاتها لأسبوعين.

-والفتاة ماذا فعلوا لها؟

-الادارة؟ لم تفعل شيئاً لأن الفتاة ابنة مخرج كبير في البلدة.

-وما اسم الفتاة؟

-ملاك.

قال المحقق في باله "رجعنا يا ملاك مرة أخرى"

-شكراً لكِ يا مريم، تستطيعين الخروج الآن.

-ولكن أرجوك لا أريد أن يعلم أحد اني جئت وقلت ذلك.

-كل ما يحدث في القضية سري ولا يخرج أي شيء للمحيط الخارجي، اطمئني.

خرجت مريم، وأثناء خروجها لاحظ المحقق دخول مازن لمكتبه، فوقف مسرع إليه.

المحقق: مازن!

مازن: نعم؟

-أين كنت طيلة هذا الوقت؟ لقد تعبت وأنا أبحث عنك.

-آسف جداً، ولكن كان لي صديق في خارج المدينة احتاجني لأن والده في المشفى، وبالطبع لجأ لي فلن أرده.

-عافاه الله ولكن لا تذهب إلا بعد أن تقول.

-حسناً، ماذا حدث في غيابي؟

-ثلاث فتيات وُجدوا قتلى في إحدى الغابات.

-هذا يعني أن القاتل رجع لأسلوبه الأول.

-لا بل يعني أن القاتل الأول استلم القبضة، لا تنسى إنهما اثنان.

-ما زلت تصر على ذلك؟

-نعم وسأثبت ذلك قريباً.

-حسناً وماذا لديك معلومات عن الفتيات؟

-إحداهن مخطوبة لشاب اسمه صبري زميلها في الجامعة وقال أنها تشاجرت هي وصديقاتها مع فتاة زميلتهم، ونفس الكلام قالته أخت إحدى الضحايا.

-جميل جداً، ومن هي الفتاة؟

-الجزء الغير جميل هو أن الفتاة هي ملاك.

تشحب وجه مازن وقال:ملاك مرة أخرى؟

المحقق: نعم، يبدو أن اللعنة الخاصة بنا هي ملاك.

-ولكنها مقعدة، كيف لها أن تقتل؟

-وهذا ما يثبت لي أن القاتل شخصان.

-لحظة..هل تقول أن ملاك أحدهما؟

-لست متأكد.

-ما رأيك بأن تراقبها؟ لتجعل ضميرنا مرتاح.

نظر المحقق لمازن ووافقه الرأي وتوجه مباشرة لبيت ملاك.

لم يستطع المحقق الاعتراف بأنه سعيد ليذهب لمقابلة ملاك، رغم أنه ذاهب لكي يثبت أنها ليست قاتل إلا أنه سعيد لأنه سيراها.

قرع الجرس ففتحت له الخادمة التي تساعد ملاك، دخل فوجد ملاك جالسة تقرأ أحد الروايات.

المحقق: آسف للمقاطعة.

ملاك: لا، لا بأس تفضل.

-يبدو بأنكِ وحدكِ هنا.

-نعم، أمي أخذت أخي وذهبت عند جدتي لفترة، لأن جدتي مريضة جداُ وتحتاجها.

-ولم تذهبي معهم؟

-لا، فأنت ترى حالي، جدتي تحتاج لشخص يرعاها ليس لشخص يحتاج الرعاية.

-أين الحمام؟

-سأنادي على ماري لتدلك.

-لا سأذهب لوحدي.

وذهب المحقق بين ممرات البيت الكبير ويتجول به، فهو بالطبع لا يحتاج للذهاب للحمام، يحتاج أن يثبت براءة ملاك، غاب لدقائق ثم عاد، لم يجد ما يثير الغرابة وهذا ما جعله مطمئن.

ملاك: حسناً وما أتى بك لهنا؟

-ألا تريديني أن أراكِ؟

-ولكن أنت لا تأتي إلا عندما يزداد شكك بي وتريد إثبات العكس.

صمت المحقق ولم يعرف بماذا يرد، ثم قال.."هناك فيلم جديد سيُعرض في السينما الليلة، هل ترافقيني؟ أما أن الملائكة ليست متواضعة كفاية لترافق البشر مثلنا؟".

ضحكت ملاك واحمّر وجهها ووافقت لعرض المحقق، ثم استأذنها للذهاب.

وصل مكتبه ووجد مازن في انتظاره..

مازن: هاه أخبرني ماذا حصل؟

المحقق: تجولت في البيت ولم أجد شيء مريب.

-جميل.

-واليوم سآخذها في موعد للسينما وسنرى إن سيحصل شيء أم لا.

-ستأخذها في موعد لتثبت أنها بريئة أم لشيء آخر؟

وغمز للمحقق مما جعله يغادر وهو منزعج فقال له مازن بصوت عالي :إذهب لتجهز نفسك، ولا تنسَ باقة ورد حمراء.

وجلس يضحك.

وأتى الوقت الذي يجب على ملاك والمحقق أن يتلاقوا.

أخذ المحقق سيارته وذهب ليصطحب ملاك، وقف أمام منزلها ووقف خارج سيارته ينتظرها، فتحت ملاك الباب وخرجت، كانت في غاية الجمال مما جعلت المحقق يقف مذهولاً، كانت ترتدي فستان أبيض طويل وعليه بعض الورود الحمراء، رغم أنها كانت على كرسي متحرك ولكن هذا ما زادها جمال.

ملاك: أستظل واقف هكذا؟ ألن تساعدني؟

المحقق: أعذريني فلم تعتاد عيناي على جمال مثل هذا.

بدأ المحقق بقيادة السيارة..

ملاك: لم أعلم أنك تستطيع الخروج في الوقت الذي يجب عليك أن تكون في عملك.

المحقق: بالنهاية أنا انسان يتعب ويريد راحة، أليس كذلك؟

-نعم، ولكن عملك يتعلق بحياة الآخرين.

-أتحاولين التلميح بأنك ترفضين الخروج معي؟

-لم أقصد، فقط أنا قلقة على حياة الناس، يجب الإمساك بالقاتل قبل خطوته التالية، ومن يعلم أين تكون.

-أسمعتِ بآخر الضحايا؟ الثلاث فتيات؟

-نعم، كانوا زميلاتي بالجامعة، لقد حزنت على مصابهم.

-أكنتِ على وفاق معهم؟

-هل نحن في تحقيق الآن؟

-لا لا إنسي.

دخل كل منهما الفيلم وبعد ساعتين وربع خرجا..

المحقق: ما رأيك بالفيلم؟

-جميل جداً.

-وهل تعتقدين أنه يجب على كل مجرم أن يأخذ عقابه؟

-لا يُولد الإنسان مجرماً، وإذا أردنا أن نعاقب أحد سنعاقب المجتمع الذي جعل منه هكذا.

-أتبررين للمجرم؟ هذا يعني أنك تقفين مع القاتل المنتشر.

-وربما هذا القاتل مر بظروف جعلت منها قاتلاً، ربما هو يقتل ناس معينين، ينتقم.

-ولكنه إذا أراد الانتقام يستطيع أن يلجأ للقانون، أليس كذلك؟

نظرت له ملاك ببرود وقالت: لكن القانون لا يطبق العدالة.

وفي أثناء عودتهم قابلوا والدة يارا مما جعلها غاضبة.

والدة يارا: أراك يا سيد سامي في موعد، أليس من المفترض أن تؤدي عملك الآن؟ بدل من أن تحقق في مقتل ضحية جديدة ذاهب لمشاهدة أفلام؟

وبقيت تصرخ أما المحقق فقد تفاجأ بوقوع جريمة جديدة.

أوصل ملاك لمنزلها وودعها وذهب مسرعاً لمسرح الجريمة.

كان الضحية رجل 45 عاماً، غير متزوج ويعيش وحيداً في منزل على أطراف المدينة، لاحظ الجيران أن باب منزله مفتوح ولكن أنواره مطفأة، فخشوا أن يكون أحد السارقين فيه وعندما دخلوا ليتفقدوه وجده مقتولاً بنفس الأسلوب.

بدأ المحقق يقتنع بفكرة أن ملاك ليست قاتلة، لقد كانت معه في نفس الوقت الذي حدثت فيه الجريمة.

وصل المحقق لمسرح الجريمة حيث كان مازن بانتظاره..

مازن: نأسف لازعاجك، يبدو أن القاتل يغار من ملاك، لقد تحول اهتمامك لها عنه.

قالها وهو يضحك ثم أكمل: وهل اقتنعت أن ملاك ليست قاتلة؟

المحقق: نعم.

مازن: أما هذا فقد تم قتله بنفس الأسلوب..عدا انه ليس في غابة

-ويبدو أنه سيتم نفي ملاك من قائمة المشتبهين.

-ويبدو أن القائمة ستصبح فاغة.

-ومن قال ذلك؟

ثم ابتسم المحقق ابتسامة ماكرة، ثم قال في نفسه "أنت المشتبه به الوحيد الآن".

دخل المحقق لمنزل الرجل وعندما سأل عن هويته قال أحد الضباط الموجودين هناك "رجل يعيش وحيداً ليس له أبناء وغير متزوج ولكن له عائلة، إنه شقيق الرجل الذي قُتل من أسابيع، السيد أحمد المنصوري، المخرج المشهور في المدينة، هذا أخيه الأكبر.. السيد حاتم".

مازن: إذاً هذا عم ملاك، وهل ملاك تعلم أن عمها قد قُتل؟

المحقق: لا، ولكن لماذا تم قتله؟

مازن: نحن لا نعلم أي سبب تم قتل أي ضحية من الضحايا، فكيف لنا أن نعلم سبب قتله؟

-قُتل هو وأخيه، لابد أن يكون هناك رابط، يا تُرى هل لهم سوابق؟

-الله وحده يعلم.

-يجب أن نفتش المنزل، ونفتش هاتفه لنرى من آخر ما تواصل معه.

ثم أمر أحد الضباط أن يحضر هاتف حاتم ثم بدأ يفتشه في حين بدأ باقي الضباط مع مازن في تفتيش المنزل.

لم يجد المحقق شيئاً في سجل المكالمات، إنه حقاً شخص وحيد، ولكن عندما فتش الصور، وجد صورة تجمعه مع أخيه السيد أحمد وعائلته، كان يقف بجانب أحمد ويحمل أحد ابنائه ويقف بالجانب الآخر طفلة ، يبدو أنهم التوأم الذي وجد صورتهم عند ملاك.

فتش باقي الصور ووجد صور لنفس التوأم ولكن قد كبروا قليلاً وبانت ملامحهم، تمعن النظر.

تمعن أكثر فيهم وقد تأكد أن الفتاة هي ملاك، ولكن أحد الفيتان يشبه...

أخذ المحقق الهاتف وصعد للأعلى وقال وهو يصعد "لا، هذا مستحيل، لابد أنها مصادفة، يخلق الله من الشبه أربعين، لا يمكن أن يكونا أخوان".

كان المحقق طوال الوقت يفكر ويسرح كثيراً وتبدو ملامح الاستغراب والصدمة على وجهه..

مازن: ما بك سيدي؟ هل وجدت شيئاً؟

المحقق: لا، لا يوجد أي شيء غريب في الهاتف.

مازن: ونحن لم نجد شيئاً في المنزل.

-حسناً، إبقوا هنا وحاولوا أن تجدون أي شيء، وأنا سأذهب لأبحث عن حياة هذا الرجل، لابد لوجود رابط بين قتله وقتل أخيه.

اتجه المحقق لمكتبه وطلب لجميع الملفات التي تتعلق بالسيد أحمد والسيد حاتم، ولكن وجد أنه جميع ملفاتهم غير موجودة مما جعله يستغرب لذلك.

قال في نفسه "أنا متأكد أن هناك شيء فعلاه ولأنهما أحد كبار المدينة فلابد أن الحكومة تتستر عليهما".

وفي أثناء تفكيره قاطعه أحد الضباط ..

الضابط: آسف لإزعاجك ولكن سمعت أنك تبحث عن ملفات السيد أحمد وأخيه.

المحقق: نعم ولكن الملفات غير موجودة.

الضابط: لا يوجد شيء اسمه ملفات غير موجودة، الحكومة تتستر عليهما.

المحقق: لقد علمت ذلك!!

الضابط: لدي بعض النسخ، كنت أعرف أن شيئاً ما سيحدث لهما، واعلم أن العدالة يجب أن تأخذ مجراها.

المحقق: حسناً هل استطيع أن استعيرهم؟

الضابط: سأعطيك الملفات ولكن ليس هنا، لا أريد أن أخسر وظيفتي.

المحقق: وأين؟

الضابط: سأرسل لك العنوان على الهاتف.

جلس المحقق وهو مطمئن ويشعر بالإنجاز، بدأت حالة القضية أن تتقدم، شعر بأنه يقترب من الحقيقة.

وصلت له الرسالة التي تحوي العنوان ثم قام ليتوجه لهناك الآن.

عندما وصل، كان المكان مهجور، مشفى قديم، وجد الضابط ينتظره هناك ومع الملفات ثم أعطاهم إياه ورحل مباشرة.

جلس المحقق وبدأ يقرأ..

انصدم المحقق لما وجده، السيد أحمد كان متزوج من سيدة قبل زوجته الحالية، أنجب منها توأم، ولكن اكتشف أن هذا التوأم ليسوا منه، لقد علم بخيانة زوجته ولكنه لم يكن يعلم مع من كانت تخونه، قتلها بوحشية والذي ساعده في ذلك أخاه الكبير والوحيد السيد حاتم، قتل زوجته أمام أطفاله، هرب أحد التوأم، بقي الفتاة ، حاول السيد أحمد قتل الفتى الذي هرب فأرسل جماعة ليقتلوه، أما الفتاة بقيت معه ولكن الله يعلم ماذا لقت من معاناة.

وقف المحقق وتذكر أن هذه القصة تشبه قصة عائلة مازن، وقصة قتل الشاب مالك تشبه قصة قتل الفتى..أخذ المحقق يقرأ بسرعة يبحث عن أسماء التوأم وهنا كانت الصدمة.

التوأم هم، ملاك ومالك ، التوأم الذي يشهد الجميع على مدى جمالهم ومرحهم وحبهم لكل شيء.

مالك تم قتله على يد الجماعة المجهولة بعدما هرب، ملاك الفتاة التي بقيت تحت رحمة والدها.

تأكد المحقق أن الطفل الذي رآه في هاتف السيد حاتم أنه مالك، هو الشخص الذي كان يشبه الفتى في الصورة.

إذاً مالك وملاك أخوان توأم..وبدأ المحقق بربط الخيوط ببعضها.

أكمل قراءة الملفات ووجد ما يلي..

-الطبيب خالد والد نور أحد الشركاء في قتل مالك.

-والدة لانا كانت صديقة والدة ملاك التي أخبرت السيد أحمد

بالحقيقة ليقتل زوجته.

-ياسر كان صديق مالك وكان يعلم بحقيقة القاتل.

-والد رانيا كان صديق السيد حاتم وهو الذي اقترح قتل الطفل.

-سعيد كان يتقرب من ملاك بغية معرفة مكان مالك ليخبر والدها ويذهب ليتخلص منه هو الآخر.

-معلمة الفيزياء كانت المسؤولة لمراقبة ملاك، فبعد أن يتخلص أحمد من مازن سيبدأ بالتخلص من ملاك، وهي كنت من تراقب مالك قبل أن يموت.

-والد ملاك هو من قتل أمها وأخيها.

-عمها هو المساعد.

كلهم كانوا شركاء في جريمة القتل البشعة، فهم المحقق كل شيء، ولكن كان هناك اسم آخر (عصام)، من عصام؟ لابد أنه سيكون الضحية الأخرى.

أخذ الملفات وذهب لمكتبه، وطلب مقابلة العقيد ولبى الطلب..

المحقق: أعرف من هو القاتل يا سيدي.

العقيد: ومن هو؟

المحقق: ملاك.

-ولكن ملاك مقعدة كيف لها أن تقتل؟

-هذا ما أريد أن أفهمه.

جلس العقيد يضحك ثم قال :وما الأدلة؟

-لا يوجد أدلة بعد ولكن عندما تطلعت على ملف السيد أحمد وأخيه وجدت الدوافع لتكون القاتلة.

-وكيف لك بإيجاد الملف؟ لقد تعبنا ونحن نبحث عنه.

-هذا ليس الوقت لمناقشة كيف وجدت الملف، يبدو أن هناك من كان يتستر على السيد أحمد وأخيه.

-سامي، لا تستطيع أن تتهم أحد لمجرد أنك وجدت الدوافع، أن تعلم مبدأ العمل هنا، لا نستطيع القبض على أحد إلا بوجود أدلة تثبت إدانته، نريد اثبات قاطع، هذا اتهام خطير.

-ومن سيكون غيرها؟!

-ضع جميع الاحتمالات أمامك، ربما شخص آخر فقط يريد إيذاء ملاك، ربما من أخبرك بمكان الملفات كاذب وقد لفقهم إليك.

-أنا متأكد من معلوماتي وسأثبت ذلك قريباً.

-حظاً موفق، حاول أن لا تُقتل.

ثم خرج العقيد من المكتب..

بقي المحقق يفكر، كيف سيثبت إدانة ملاك، وأتت له الفكرة.

ذهب لمنزل ملاك بحجة أنه نسي شيء ما ولكنه وجد الباب مفتوح قليلاً، دخل المنزل وكان مظلم، تجول في البيت وجد درج داخلي يقود لسرداب تحت الأرض، نزل ودخل هناك، وهناك كانت المفاجأة.

وجد صور للضحايا الذي تم قتلهم، وجد اسمائهم معروضة على سبورة بيضاء وكل اسم ضحية مشطوب عليها، وآخر اسم كان اسم عصام الذي لا يعلم المحقق من هو.

سمع صوت ضجيج، يبدو أن هناك أحدهم قادم، اختبأ المحقق بطريقة ما، دخل شخص ما...إنه مازن، كان يتحدث مع أحدهم.

أخرج المحقق هاتفه، وصور المكان ومازن واقف هناك، ثم دخلت ملاك وتشحب وجه المحقق لما رأى.

كانت ملاك تقف على قدميها، لكن لماذا؟ لماذا زورت إصابتها؟ وكيف؟

تأكد المحقق من أخذ صور لكل شيء وسمعهما يتكلمان..

ملاك: أخبرني ماذا حدث؟

مازن: حدث ما يحدث كل مرة، قتلته وأنا أنظر في عينيه مباشرة، وأنا أريده أن يعلم بأننا عدنا.

ملاك: يستحق ما أصابه، وداعاً للجحيم يا عمي.

مازن: لا تنسي، أنه ليس عمك.

-وماذا حصل مع المحقق هل ما زال يشك بي؟

-لا أظن ذلك، لقد اقنعته بأنكِ بريئة، وأنتِ حاولي التقرب منه أكثر، اجعليه متأكداً أكثر.

-لا تخف، فهو واقع في حب جمالي من أول يوم رآني، ولكني لا أحتاج لذلك، لم يبقى لدينا إلا ضحية واحدة وأخيرة وبعدها سترقد أمنا في سلام.

-ولكن لماذا قتلتي الثلاث فتيات؟ لا أذكر أنهم فعلوا شيئاً.

-هناك الكثير لا تعرفه يا أخي.

قال المحقق في صدمة:" إذاً مازن هو مالك المفقود..".

رن هاتف ملاك..ملاك: مرحباً سيد آدم..نعم سآتي حلاً.

مازن: أذهبي الآن للمسرح وسأرجع للمنزل قبل أن يلاحظ المحقق.

وخرجا، لم يكن المحقق متفاجئ كثيراً لأن ملاك كانت أحد المشتبه بهم وتوقع ذلك ولكنه تفاجأ بالعلاقة بين ملاك ومازن فلم يخطر بباله أبداً أن يكونا توأم.

أخذ المحقق ما يكفي من الصور لإثبات التهم عليهم، خرج مسرعاً للعقيد..

المحقق: سيدي العقيد، سيدي العقيد..

العقيد: تعال ما بك؟

-لقد وجدت الأدلة.

وعرض على العقيد الصور.

العقيد: يجب الآن أن نجد المدعو بعصام.

المحقق: سمعت بأن ملاك ستذهب لمسرح ما، لابد أن عاصم سيكون معها.

العقيد: خذ مجموعة من الضباط وتوجهوا إلى هناك حالاً.

-لا أظن أنها ستكون فكرة جيدة، فقط ملاك هناك فإذا ألقينا القبض عليها سيعرف مازن ذلك وسيهرب، يجب أن يكونا معاً، لدي خطة للإمساك بهما ولكن أولاً يجب أن نحضر عصام لأنه سيكون الطُعم.

اتصل المحقق بملاك "مساء الخير ملاك، أريد أن ألقاكِ، هل أنتِ مشغولة؟".

ملاك: لا أنا في مسرح المدينة، تعال.

المحقق: في الطريق إليكِ.

وصل المحقق للمسرح، وجد ملاك تنتظره هناك، قال في نفسه"وهل تقتل الملائكة؟ لقد آمنت أنكِ ملاك ولكن لم أكن أتوقع أنكِ ملاك الموت" ثم توجه للمسرح.

ملاك: مسرورة لأنك أتيت، سأعرفك على أصدقائي هنا، تعال.

وأخذت بيده ودخلا..

ملاك: هذا السيد آدم مخرج المسرحية، لقد كنت مسرورة لأنه وافق على وجودي معهم رغم إصابتي، وهذا..وهذا..

وجلست تعد الموجودين حتى وصلت لعصام، ملاك:وهذا عصام سيقوم بدور أخي الأكبر.

نظر المحقق له وقال متمتماً:وسيكون الضحية القادمة.

ملاك: المسرحية ستكون الخميس القادم، سيحضرها الجميع، لابد أن تأتي.

المحقق: سأحاول بالطبع، سأذهب الآن لدي عمل مهم أقوم به،أتيت فقط لأراكِ.

خرج المحقق وجلس ينتظر ليرحل الجميع ويأتي بعصام، انتظر ساعات حتى خرج عصام واستطاع اللحاق به.

المحقق: مرحباً، أذكر أننا إلتقينا.

عصام: نعم بالطبع.

المحقق: أريدك ان تأتي معي الآن حالاً لشيء يتعلق بحياتك.

عصام: حياتي؟ ماذا يحدث؟

المحقق: تعال وستعلم.

ثم ذهب كل منهم لمكتب العقيد..

المحقق: أحضرته يا سيدي.

العقيد: أهلاً عصام، نأسف لأننا أحضرناك بطريقة لا تليق، ولكن الموضوع مهم جداً، أنت تعرف ماذا يحدث هذه الأثناء.

عصام: نعم هناك قاتل طليق.

المحقق: ونحن نعلم من هو.

عصام: تعلمون من هو وجالسون تتحدثون معي؟

العقيد: وللأسف الضحية القادمة هي أنت.

تشحب وجه عصام.."من؟؟ أنا؟؟ ولماذا؟".

المحقق: القاتل هو ملاك وأخيها مالك.

انصدم عصام مما قاله المحقق وقال بارتجاف :ا..التوأم ...عادوا؟".

العقيد: وهل تعرفهم؟

عصام: نعم، التوأم ملاك ومالك، والدهم..لا أقصد السيد أحمد فهو ليس والدهم، قام بقتل والدتهم..

المحقق: حسناً وما علاقتك بذلك؟

عصام ببرود تام :لقد هربت وأنا من لحقها وخطفها وأحضرها لتموت.

العقيد: هذا ليس الوقت لهذا، لدينا خطة للإمساك بالتوأم، هناك مسرحية لكم يوم الخميس القادم، سيكون من ضمن الحاضرين الضباط والمخابرات للإمساك بهما، تصرف على طبيعتك ونحن سنقوم بعملنا.

عصام: وماذا سأضمن لأبقى حياً؟

المحقق: كنت شريك بجريمة قتل وتريد أن تبقى حياً؟

العقيد: إن مُت ستكون قد أخذت جزاءك وأن بقيت على قيد الحياة ستكمل حياتك في السجن.

المحقق: وإن فكرت بالهرب لن تستطيع لأن التوأم لن يتركاك إلا جثة، وستكون تحت المراقبة.

خرج عصام وهو خائف ومرتعب، في أي لحظة يمكن أن يكون جثة هامدة..


يُتبع..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هــلا بـدر لقــان

تدوينات ذات صلة