ماذا سيحدث عندما تعود للمنزل وتجد أمك مقتولة وأنت لا تتذكر ماذا فعلت في الأيام السابقة؟
الليلة البدر مكتمل، يتعرش وسط السماء ويحدق بنا .. أنا متأكد بأنه يسخر منا قائلاً:" بشر أغبياء، يلغون عقولهم ويتّبعون الشاشة المضيئة التي بين أيديهم، يا لسوء حظ الأرض بسكانها".
له كامل الحق بقول ذلك، أرضه باردة جاذبيته سُدس جاذبية الأرض، لا حياة عليه ورغم ذلك يتسابق البشر للوصول إليه، أتمنى أن لا تدوس أقدامهم الدنيئة قداسة أرضه، أنهم يلوثون أي شيء يلمسونه.
الجو بارد قليلاً ولكن هذا لا يمنع وقت تجولي المعتاد، أنا شخص وحيد لا أصدقاء لدي، أحاول اجتناب البشر، الموسيقى والهدوء أفضل أصدقائي.
أودع أمي التي أسكن معها في حي بعيد عن المدينة، أرتدي سماعات أذني وتبدأ الموسيقى، أغلق عيناي لهُنيهة وأنطلق في جولتي.
الساعة الحادية عشر ليلاً، هناك رائحة دماء وكلما اقتربت من المنزل تزداد قوتها، الباب مفتوح م..ما هذ..ا؟
أمي!! إنها تسبح في دمائها، فجوات كبيرة في جسدها وكأنها ينابيع...دماء، إنها مقتولة. اتصلت على الطوارئ بسرعة وبعد دقائق وصلت سيارة اسعاف وسيارتي شرطة وبدأوا التحقيق.
الشرطي: أنا آسف لما رأيته، اعلم أنك حزين ولكن هذه التعليمات ويجب أن نبدأ التحقيق معك، لذا رجاءً تفضل معنا.
أمشي ومع كل خطوة تصبح قدماي ثقيلتين، قلبي ليس مكسور..قلبي مُفتت، أمي كانت الصديق الوحيد لي، هي من كانت تفهمني دون أن أشرح..الشرطي مرة أخرى يقاطعني، بدأت أكره هذا.
الشرطي: حسناً، تفضل اجلس هنا وانتظر المحقق.
أنظر أمامي وأرى مرآة، أنظر بتمعن لنفسي وكأني أراني أول مرة، أركض ليلة وأجد علامات تعب على وجهي وكأني ركضت ليالي! لربما إنها بسبب حزني الشديد على أمي، يدخل المحقق ثم يجلس مقابلي ويبدأ التكلم..
المحقق: آسف لخسارتك ولكن العمل عمل، سأسألك بعض الأسئلة ورجاءً أن تجيبني بصراحة ودون خوف.
-حسناً.
-متى آخر مرة رأيت أمك فيها؟
-قبل وفاتها بساعات، أنا معتاد أن أركض ليلاً لذا وأنا متوجه خارجاً ودعتها وخرجت.
دخل شرطي إلى الغرفة، أنزل رأسه ليوازي رأس المحقق وتمتم بكلمات في أذنه ثم خرج، رمقني المحقق بنظرة غريبة وسأل: ماذا فعلت بالأمس يا آدم؟ أخبرني عن يومك كاملاً.
-استيقظت من نومي وحلمت حلم غريب، لقد كان يتكرر دائماً حتى اعتدت عليه، كنت في قبو وأمامي فتاة مرّبطة وعليها آثار تعذيب لقد كانت الرؤية مشوشة ولكن هذا ما أتذكره، استيقظت ثم تناولت الفطور مع أمي وخرجت للجامعة وعدت للمنزل ثم درست قليلاً وتناولت الغداء مع أمي وعندما خيّم الليل خرجت لأتمشى كعادتي وعند عودتي وجدت أمي هكذا.
-ماذا حدث بعدما خرجت؟ أين ذهبت وماذا فعلت؟
-اتجهت شمالاً نحو البحيرة..مشيت طويلاً واتجهت للغابة وأثناء ذلك رأيت مجموعة أصدقاء يخيمون هناك، لم أبالي أكملت دربي ثم..ثم..
ماذا؟ لماذا لا أتذكر ما حدث؟ ماذا يحصل؟
نظر لي المحقق بنظرات تنتظر المزيد ثم قال:"حسناً، أكمل".
-لا أتذكر.
-هل تعاني من أي أعراض أو أمراض نفسية؟
أحاول أن أفتش بعقلي، هناك إجابة ولكن لا اعلم أين أجدها..
-لا.
-هل تتعاطى شيئاً؟
-لا.
-حسناً آدم، لا تفزع ولكن أمك مقتولة منذ يومين وليس الليلة لذا أرجوك حاول أن تتذكر ما كنت تفعله خلال اليومين السابقين.
ماذا؟ أمي مقتولة منذ يومين؟ وأنا لا أذكر ما كنت أفعل بالأمس؟ ماذا يحدث؟ أين كنت؟
-أنا لا أذكر شيئاً أقسم لك، لا اعلم ماذا حدث، كيف عرفت أن أمي مقتولة منذ يومين؟
-الطب الشرعي.
بالطبع ذاك الشرطي الذي دخل هو من أخبره بذلك.
-الشرطة الآن تفتش بيتك وتفتش المنطقة حولك بأكملها، إذا كنت تعاني من أي مرض نفسي أخبرني ولا تخجل، بالعكس هذا سيخفف عقوبتك.
-ماذا تقصد؟ أنا لم أقتل أمي، يستحيل أن أفعلها!
وقف المحقق وخرج بعد اتصال ورد له، دخل شرطي وكبّل يداي، أجلس وحيداً كالعادة، أحاول أن أتذكر ولكن عقلي في كل مرة يخونني.
المكان الذي أجلس فيه لا توجد عليه حراسة مشدّدة والباب مفتوح..هل تفكر فيما أفكر به؟
سأهرب، لن أجلس هنا انتظر مصيري المجهول وقاتل أمي حر طليق، سأعرف الحقيقة بنفسي.
أركض، ترتفع نبضات قلبي، يزداد تدفق الدماء في عروقي، سأتجه نحو الغابة، سأرى ما حدث بعد المكان الذي وقفت ذاكرتي عنده.
هذه نفس البحيرة التي مررت بها، وعلى اليمين أرى الغابة والآن أدخلها، هذه آثار رماد نار، يبدو أن المجموعة التي رأيتها كانوا هنا، وهناك..دماء !
اتتبع خط الدماء المتقطع، توقف هنا في هذه البقعة حيث توجد آثار حفر.
بعد ثلاث دقائق من الحفر وجدت ما تمنيت أن لا أجده، جثث الذين رأيتهم..ومن يعلم؟ ربما أنا آخر من رآهم..
هناك آثار دماء أخرى ولكن خبر هروبي انتشر بين رجال الشرطة حيث تفرقوا ليبحثوا عني، يبدو بأنني وصلت هنا قبلهم لأن لو حدث العكس لما وجدت الجثث، سأذهب للمنزل وسأدخله بأي طريقة.
عدد الشرطة قلّ في محيط المنزل، سأدخل من نافذة المطبخ، النافذة مكسورة..هناك من دخل من هنا، أتفقد المطبخ .. يوجد سكين مفقود، هل هناك من اقتحم المنزل؟
لقد أمسكني المحقق..لقد وجدوني، أمسكني من معصمي واتجهنا نحو الصالون وسألني:" هل كنت تعلم أن هناك قبو في المنزل؟".
-نعم هناك قبو ولكن لا ينزل هناك أحد.
-وما وجدناه كان العكس.
سحبني من يدي نحو القبو، حاولت المقاومة، اللعنة! يداه قويتان.
وقفت عند الباب والصدمة تملأ كياني، هناك فتاة مربوطة بالزاوية، اقترب قليلاً..إنها نفس الفتاة التي أراها في منامي ! الكابوس الذي كنت أراه كل ليلة كان حقيقة، ولكن كيف أتت إلى هنا؟
كانت الفتاة تنظر إلي بنظرات يملؤها الرعب، سحبني المحقق مرة أخرى ليعطي المسعفين فرصة ليُخرجوا الفتاة، ركبنا السيارة وتوجهنا نحو الغابة حيث وجدنا الشرطة تحيط المكان بشريط أصفر، لقد وجدوا القبر الجماعي.
تتبعنا آثار الأقدام حتى وصلنا لغرفة موجودة تحت الأرض، دخلنا هناك ووجدنا دماء يملأ المكان والرائحة عفنة جداً، الجثث بكل مكان، هناك متحللة وهناك جديدة وفوق كل جثة المعلومات التي تخصها، بعد التدقيق وجدت أنهم جيراني الذين كنت أظن أنهم انتقلوا منذ ثلاث سنوات، وأخرى لصديقتي التي تعرفت عليها بالجامعة منذ شهرين، وغيرها الكثير.
سألت المحقق:" لم جلبتني هنا؟".
-آدم، بعد مراجعة البصمات وجدنا أن جميعها تعود إليك، أنت القاتل ولكن لا تخشى السجن، لن تذهب إليه، ستذهب إلى..
شعرت بنخز في يدي اليسرى، صوت المحقق يتلاشى والرؤيا ضبابية، لا أريد النوم ولكن لماذا عيناي تحارب لكي تُغمضا؟ لماذا لا استطيع المقاومة؟
أفتح عيناي وأجد نفسي في غرفة بيضاء مربوط بسلسلة حديدية بالسرير، أمامي باب تعلوه نافذة صغيرة أرى انعكاسي عليها، لقد كان عكس ما كنت أظن أنه أنا.
انعكاسي هو القاتل..أنا الآخر
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
🤍💜💙🧡💛