رواية هل تموت الملائكة؟ بقلم هلا بدر لقان - الجزء الخامس

عندما خرجوا جميعاً وجدوا ملاك منهارة، أسرع المحقق إليها يسألها عما حدث لتنظر إليه وعيونها تنهار من الدموع "والدي، تم قتل والدي".

انصدم المحقق لما تقوله ملاك، توجه للعقيد رأفت "أرجوك، دعني أعمل في هذه القضية، أرجوك".

نظر إليه العقيد ثم قال "سأحاول، ولكن إن لم تصل لنتيجة فلن تلوم إلا نفسك".

رد عليه المحقق:"حسناً، سأحاول وسأضع مجهود مضاعف، ولكن أرجوك أعطني فرصة".

رجع المحقق لملاك ليحاول أن يهدأ من روعها، وطلب منها أن تخبره بما حدث بالتفصيل.

ملاك: استيقظت اليوم مثل أي يوم، كانت عائلتي تخطط للذهاب في رحلة بمناسبة عطلة نصف السنة، وكنا نخطط للذهاب إلى بيت جدتي في الريف، إنه بعيدٌ عن هنا بضع ساعات، جهزت أمي إخوتي أما أنا فأصررت على الذهاب للمدرسة فوعدني والدي بأنه سيأتي لإصطحابي وتوصيلي لمنزل الريف وافقت على ذلك، ولكن بعد الجامعة لم يأتي والدي وتأخر عن موعده بكثير وهذا ليست من صفاته أبداً حيث أنه لا يتخلف عن موعد مهما حصل، استقلت الباص من المحطة ثم توجهت للبيت، لم يكن أحد هناك، ناديت وناديت ولكن لم يجيبني أحد، اتصلت على أمي فقالت لي أنه في الطريق وربما تأخر بسبب الزحام، فقررت أن أذهب لغرفتي لتحضير أغراضي في حين أن يصل، قبل أن أبدأ بتوضيب ملابسي خرجت للخارج أبحث عن قطتي وجدتها تقف أمام الكراج وتنظر إليه بثبات وهناك رأيت دماء تسيل من تحت الباب، فتحت الباب ووجدت أبي مُعلق ومذبوح بنفس الطريقة التي قُتل فيها الآخرون.

وامتلأت عيون ملاك بالدموع وكأنها تغرق وأكملت: لا أعرف كيف أصف كمية الصدمة التي شعرت بها، الخوف والحزن والغضب، مزيج من المشاعر السلبية.

ثم نظرت لعيني المحقق "أرجوك، أرجوك أعثر على القاتل..لا أريد أن أكون يوماً ضحية تبحثون عن قاتلها يوماً".

هدأها المحقق وطلب منها الانتظار في مكتبه في حين أنه سيذهب هو وفرقة البحث إلى البيت ويبدأوا بعملهم.

اتجهت ملاك لمكتب المحقق وذهب المحقق لبيتها، دخلت ملاك المكتب وجلست تتأمل به، كانت هناك لوحة خلف مكتب المحقق، لوحة خشبية يُعلق عليها تحركاته ومخططاته، وقفت ترى ما كان موجود حتى التفتت لورقة مُعلقة خلف بضع ورقات، وجدت اسمها واسم رانيا مُحاط بدائرة حمراء، تسمّرت في مكانها وبدا على ملامحها القلق ثم أخرجت هاتفها وضربت بضع أرقام، أجرت مكالمة ثم أغلقت الخط، نظرت لمكتبه ووجدت ملفات مبعثرة عليه وجلست تقرأ بهم حتى وصلت للملف الذي كان يحتوي على معلومات الشاب مالك الذي توفي وتم قتله من قِبل مجموعة مجهولة، جلست تنظر للملف بنظرات تبلد.

دخل المحقق المنزل وطلب من الجميع ألا يلمسون شيئاً مهما حدث، وقبل أن يذهب للكراج فتش البيت، دخل لغرفة الوالدين نظر لجميع زوايا الغرفة بتمعن، فتش الأدراج والخزانات، لاحظ أن فراش السرير يمكن رفعه وعندما رفعه وجد صندوق أسود، فتح الصندوق ورُسمت ملامح الصدمة على وجهه، كانت محتويات الصندوق عبارة عن ممتلكات ضئيلة الثمن وصغيرة، كانت ممتلكات خاصة بالإناث.

ثم توجه لغرفة ملاك ودخل ،غرفة واسعة مثل أي غرفة لأنثى وحيدة عائلتها، كانت هناك مرآة كبيرة على وسع الحائط المُقابل للمحقق، وقف أمام نفسه كان يشمئز من نفسه لقد كان يشك بفتاة بريئة، كان يشك بالفتاة المعجب بها، اتجه نحو مكتبها، كان هناك جهازها اللوحي واللاب توب الخاص بها، فتح الأدراج وكانت مليئة بكتب مدرستها وببعض الروايات، وعندما فتح آخر درج وجد ألبوم صور، كان ألبوم للعائلة وأثناء تقليبه للألبوم وقعت صورة على الأرض، التقطها وكانت لتوأم، فتًى وفتاة، صورة أُلتقطت لهم في ذكرى ميلادهم الرابعة، أخذ الصورة ثم توجه لغرفة أخيها ولكنه لم يجد أي شيء.

ذهب للكراج حيث ما زال والد ملاك مُعلق هناك، وفجأة أتت سيارة شرطة نزل منها شاب طويل وأبيض البشرة، عيناه واسعتان وشعره بني طويل، توجه نحو المحقق ولكن رفضت الشرطة مروره، أخرج بطاقة من جيبه مما جعل الضابط يسمح له بالدخول.

المحقق: من أنت؟

الشاب: أنا مازن، مساعد محقق، طُلب مني القدوم لأعمل في القضية معك.

المحقق: ولكن أنا لم أطلب مساعدة من أحد.

مازن: هذه هي الأوامر، حسناً ماذا لدينا هنا؟

المحقق: رجل تم قتله في كراج بيته.

دخل المحقق ومازن للكراج، نظر مازن للجثة ثم قال: "أوه، هذا يبدو سيئاً، يبدو أن القاتل تلذذ في انتقامه"، ثم ابتسم ابتسامة خبيثة.

اتصل المحقق على العميد :"مرحباً سيدي، آسف للإزعاج ولكن أريد أن أستفسر عن شيء".

العميد: تفضل.

المحقق: هل أرسلتم لي مساعد في القضية؟

-نعم لقد أرسله اللواء، لقد رفض تماماً إلغاء الفرقة وبطريقة ما اقنعته واشترط أن يرسل مساعد محقق على الأقل.

أغلق المحقق الخط ويبدو عليه التذمر، كان مازن يقف على باب الكراج خلفه ثم رجع للكراج.

تفحصا الجثة، كانت مذبوحة بنفس الأسلوب ومنقوش على يده "من يضحك الآن؟".

مازن: أنا لا أعلم شيئاً عن القضية لذا برأيي أن نتوجه للمكتب لأرى الملف.

صرخ المحقق فجأة "ملاك!"، لقد نسي أن ملاك في مكتبه وقد تعرف أنها من الضمن المشتبه بهم، أخد المحقق مازن وتوجه للمكتب. دخلا ووجدا ملاك ممدة على الأريكة وتغط في نوم عميق.

جلس المحقق على مكتبه وبقي ينظر إليها، ثم قال "وهل الملائكة تنام مثل البشر؟".

قاطعه مازن :"من هذه؟ هل هي..".

-لا!! ولا دخل لك بمن هي، ماذا تريد؟ الملف؟ تفضل واذهب إلى عملك الآن.

أخذ مازن الملف وخرج، أوقف أحد الضباط وسأله "من تكون الفتاة التي بالداخل؟".

-هذه تكون ابنة الرجل الذي وجدوه في بيته مقتول، هي من أبلغت عن ذلك.

-نعم، فهمت.

ثم دخل لمكتبه المقابل لمكتب المحقق وما إن أغلق الباب حتى دخل في غيبوبة من الضحك ولم يستطع تمالك نفسه.

بعد أن هدأ جلس على الكرسي وأخذ يُقلب بالملف وفهم محتواه، وقال:" قاتل ذكي، يبدو بأننا سنلعب ولن تكون نهاية اللعبة سهلة".

دخل مازن لمكتب المحقق..

المحقق: ماذا تريد الآن؟

مازن: نحن في قضية مهمة جداً، و...

-وماذا؟

-لا شيء، حسناً ما رأيك بملاك الموت؟

-لا أعلم إن كانت أنثى أم ذكر، ولكن أعترف أنه قاتل ذكي.

-وهل كنت تشك بأحدهم؟ أي مشتبه به؟

-فتاة تدعى رانيا وأيضاً الملاك النائم هناك.

-وهل تظن بأنها قتلت والدها؟

-هذا ما غير رأيي إتجاهها، فلا أظن أنها القاتل.

قام المحقق وأخذ الورقة المكتوب بها اسم ملاك ومُحاط بدائرة حمراء ثم مزقها وألقاها.

استيقظت ملاك وأخذت بعض الثواني لتتذكر أين هي، ثم نظرت فوجدت المحقق مع مازن.

"من هذا؟" قالت ملاك مُشيرة لمازن.

رد المحقق:هذا مازن سيكون مساعدي في القضية.

-ولِم مساعد؟ أنت لا تحتاج لهذا.

ابتسم المحقق ابتسامة ثقة ثم قال : يبدو أن هذا العالم لا يُقدر أحد .

قاطعه مازن موجهاً كلامه لملاك: لو الذي تقولينه صحيح لما قُتِل والدكِ وتم حل القضية من أول ضحية.

تضايقت ملاك ثم خرجت ولحقها المحقق: ملاك انتظري...أين ستذهبين في هذا الوقت؟

ملاك: إلى المنزل بالطبع.

-لم نخبر أمك بما حدث للآن، إذا أردتِ أن تكلميها سيكون جيد.

-حسناً، سأتصل عليها حينما أصل المنزل.

-ما رأيكِ بأن اوصلك؟

أحست ملاك بأن المحقق يحاول التقرب منها، فكرت قليلاً ثم قالت: بما أن الوقت متأخر يمكنك ايصالي لبيت رانيا فأنا لن أمكث في منزلي بعد ما حصل.

ابتسم المحقق ثم أخذ ملاك للسيارة وأثناء ذلك كان مازن يقف يراقبهما.

ركب كل من ملاك والمحقق السيارة وبدأ بالقيادة..

المحقق: آسف لما حدث، لا أستطيع تخيل ما مررتي به.

ملاك: لا تهتم، كلها أقدار مكتوبة.

نظر المحقق لها وانتبه بأنها لم تعد حزينة بل ويبدو عليها أنها لم تكن حزينة أصلاً.

المحقق: أحسدك بكمية الصبر التي تتصفين بها.

ملاك: الحمد لله...لِم كنت تشك بي؟

تسمّر المحقق عند سماعه لسؤالها ولم يعرف ماذا يرد.

ملاك: لا ألومك فهذا عملك والجميع في موضع الشبهات، أنا الوحيدة التي تؤدي الخيوط لها رغم أنه لا ذنب لي بأي مما حصل، لا أعلم هل هذه مجرد صدف أم القاتل يتعمد إلفاق التهم لي.

قالتها وهي حزينة فرد المحقق بابتسامة ومحاول لمواساتها: إذا كان القاتل يتعمد ذلك فهو أحمق، لأن الملائكة لا تقتل.

احمّر وجه ملاك فقالت "كيف لي أن أقتل والدي!" ثم نظرت للنافذة لتخفي وجهها وتداري دموعها.

وصلت لمنزل رانيا واستقبلتها رانيا بالأحضان وجمل المواساة ثم ودعت ملاك المحقق وغادر.

وصلت رسالة لملاك عبر هاتفها كان مضمونها "إذا احتجتِ لأي شيء فأنا جاهز أيها الملاك :)" فعرفت أنه المحقق.

ردت: وأنا لن اتردد.

المحقق: ماذا تخططين لغد؟

ملاك: لا أعلم.

ثم أغلقت هاتفها...

اشرق صباح جديد ليوم جديد وكانت بدايته اتصال لمركز الشرطة، كان صوت والدة رانيا السيدة علياء يملؤه القهر والحزن، كانت تصرخ وتطلب النجدة، وعندما عَلِم المحقق خرج يجري وينادي باسم ملاك.

وصلوا إلى هناك حيث كانت الإسعاف والسيدة علياء برفقة السيد صالح والدان رانيا، كانا في حالة هستيرية من الحزن والبكاء...



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات هــلا بـدر لقــان

تدوينات ذات صلة