حال أطفال غزة مع القصف المستمر وكيف أن الحصار أبعد فرحة العيد

في وقتٍ متأخر من الليل، ليلة العيد، وبعد أن جهزتْ أمي فستاني الوردي الذي طالما انتظرت العيد لألبسه، أنام والحماس يُشعل قلبي وأخطط للحاجيات التي أريد شرائها بالعيدية وأتخيل الهدايا التي سأحصل عليها.


نمت وأتاني والدي الشهيد في المنام وبعد عتاب طويل لغيابه عني وبُعده ليالٍ طويلة لم يأتني فيها بأحلامي قال لي: "لا تحزني يا طفلتي، مهما غبنا ومهما طال غيابنا عنكِ كوني قوية لا تنكسري، فأنتِ ستكونين ابنة عائلة تزينها نجوم الشهداء، كوني فخورة مثلما نحن فخورين بكِ، وأنا آسف باسمهم جميعاً لأنهم سيتركوكِ وحدك، سنبقى نُحبكِ للأبد." استيقظت ولم أفهم معنى ما قاله، من هم الذين يقصدهم؟ من هم الذين سيتركونني وحدي؟


أخبرت أمي وسألتها عن تفسير ما قاله لكنها لم تهتم قائلة بأني صغيرة وربما تأثرت من القصص الذين حولي، فأنا أعيش في حي تملؤه رائحة الدم والموت، في كل بيت تجد صورة تعتلي الحائط الأكبر في الوسط لفرد مفقود احتضنته الأرض شوقاً وروحه تنير السماء، ومكتوب بالخط العريض "شهيد."

اقتنعت بكلام أمي، فماذا سيخرج من عقل فتاة بعمر الرابعة غير الأوهام والتخيلات؟ فربما هذا بسبب شدة شوقي لوالدي الذي أنار السماء من سنتين.


عُدت لنومي مرة أخرى آملة أن أرى والدي مجدداً لأسأله هل الغيوم عبارة عن حلوى غزل البنات؟ وهل النجوم يرقات مضيئة؟ وهل القمر عبارة عن جبن؟ فأخي قال لي بأن روح والدي تسكن القمر حيث ينتمي. لكني لم أره، حيث أنني استيقظت الساعة الثالثة فجراً على صوت دوي انفجار، فتحت عيناي ولكني لم أرى شيئاً، كان اللون الأسود يلفني. حاولت الحراك ولكني عجزت، شعرت كأن العالم ارتطم فوقي وجثم، صرخت ولم يخرج صوتي أم هل أصبحت صماء؟


بدأت الرؤية تتضح، يبدو أن السقف الذي أواني عُمراً يريد أن يحتضنني عن قرب أكثر، ناديت على أمي ولم اسمع سوى أنّات وآهات بعيدة. بقيت انتظر رحمة من ربي وينقذني شخص ما، أفكر..ماذا فعلت لأموت في ليلة العيد؟ ما ذنب دبدوبي لتتمزق أحشاءه؟ ما ذنب فستاني الوردي لتتفرق خيطانه؟ لكن لا بأس، فهذه قصة سأرويها لأطفالي عندما أكبر، إذا بقيت على قيد الحياة وكبرت.


صوت الناس يقترب، لا أشعر بجسدي، اسمع صوت أخي يبكي: "يارب لا أريد الموت، يارب." ولا أنا أريد الموت يا الله.

ما زلت صغيرة ولم أحفظ من السور القرآنية الكثير غير آية الكرسي وسورة الفاتحة، ولكن كنت اسمع أمي تقول وتتمتم دائماً عند حدوث انفجار: "لا إله إلا الله، الله أكبر".

لا إله إلا الله، الله أكبر.

لا إله إلا الله، الله أكبر.

لا إله إلا الله، الله أكبر.

لا إله إلا الله، الله أكبر.


هناك أحد يقترب أكثر مُحاولاً إبعاد الركام، الحمد لله لم يُخب أملي بالله أبداً، مُدت لي يد الرحمة لتسحبني، انظر حولي ولا زلت لا أرى جيداً. اسأل عن أخي الذي كان يرفض الموت واسمع: "لا حول ولا قوة إلا بالله" سأوْدِعُها في مخزوني مع الله أكبر ولا إله إلا الله.


الآن عرفت ما الذي كان يقصده والدي، عرفت من هم الذي سيتركونني وحدي. رحلت أمي ورحل أخي ليلحقا والدي ويسكنون جميعاً القمر. لا أرى من عائلتي سوى دبدوبي الذي لمحته ينظر إليّ من بعيد تحت الركام، طلبت من المسعفين إحضاره، إنه ممزق من ناحية القلب، لا بأس، سأحاول إصلاحه. ولكن يا دبدوبي من يُصلح قلبي الممزق أنا أيضاً؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

رائعة هلا 💜😪

إقرأ المزيد من تدوينات هــلا بـدر لقــان

تدوينات ذات صلة