الساعة الحادية عشرة وتسعة وخمسون دقيقة ليلا من إسرائيل .

أركض وأركض بقميصي الطفولي القديم الذي ورثته عن سجد أخي الأكبر بعد أن اتسعت أكتافه واستقامت قامته ، دخان غبار نواح ، أحدهم يحمل في يده راديو قديم معطل تملأ وجهه خيوط دماء أعلنتها بحرارة جروح من الدرجة الثانية في جمجمته ، أركز في الوجه متمعنا العينين لأنهما بوابة الروح والأرواح المألوفة تعرف بعضها كما قال والدي .. مهلا أهو حي ! لا أعلم أو لعلي أعلم .. سقط جدار .. سمعت صوت طقطقة عظام ، ثم صراخا حادا يبدوا وكأنه إشارة لهروب الروح من زنزانة الجسد ، عدت الى بقايا المنزل متفقدا ، أبي ! أبي !! الحمد لله أجابني لكنه لم يجبني حقا ، طيب هو أجابني لكن من الماضي نوعا ما .. أعرف أن الأمر سيبدوا جنونيا ، قطعة صغيرة من الحجر سقطت فوق مسجل أقراص ، تلاوة بصوته كانت هناك ، كان يحفظ القرآن ، يحفظه وفقط أي بلا قواعد تجويد ولا شيء ، سجل هو وأخي في استوديو منزلي من قطع الغيار سورة قاف ، وتماما كما يتوقع الجميع أو على الأقل اولئك من يحفظون سورق ق ، بدأت التلاوة كالتالي :

{وجاءت سكرة الموت بالحق} كصاروخ من قصف إسرائيلي .

{ذلك ما كنت منه تحيد} أبي لم يفعل هذا يا رب .

{ونفخ في الصور } فعلا! الآن ! فلتقم الساعة وليقم مني معها هذا الواقع الرهيب !

{ذلك يوم الوعيد } آه لم تقم الساعة فعلا سوى ساعة أبي .

لا طفلا في سن العاشرة يجدر به أن يغلق عيني أبيه المتوفي ، صدقوني ، الأمر قد يحولك إلى مشروع حياة لطبيب نفسي إن لم يفرغ رأسك من عقلك في اللحظة ، ركزت في العينين لأنهما بوابة الروح كما قال أبي ، لكن الروح المألوفة عادت إلى بارئها ، لا مألوف سوى صوتك وأعمالك الصالحة المتبقية وقسما بالله لأكونن منها أبتاه ، قبلت رأسه الحبيبة ، في تلك الأثناء اقتحم أخي الأكبر الباب ، أين أمي ؟ قال ، أجبت لا أعلم ربما في الطابق العلوي ، ركض الى هناك دون أرجله لكنه لم يعلم ، لم يعلم أن أرجله كانت ميتة تحت ذاك الجدار ، أمي بخير ! صرخ .. سوى عن جروح طفيفة أغمتها ، اجلب القليل من الماء .

أكمل مستدركا ، أين أبي ؟

أجبته ؛ أبي آمن عند الله ، وفي قلوبنا .


أنا الآن قسامي ولأنتقمن .


يتبع ..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عبد البارئ العمراني

تدوينات ذات صلة