لا بد للحق وأهله أن ينتصروا يوماً ما، تلك سنن كونية لا يمكن أن تخطيء، الحق سينتصر

لكل ليل فجر
تتسارع الأحداث الجسام في غزة وتذكرنا مشاهد القتل والتدمير والتجويع واستغاثة النساء والأطفال وصرخات المكلومين، ما كان يحمله العرب من شيم وقيم سامية قبل الإسلام، وتجلت معاني النخوة العربية الأصيلة في إكرام الضيف وإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وترجمت تلك المعاني الحسنة في حلف الفضول و يعود إبرام هذا الحلف في شهر ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم، إلى حادثة تمت بعد حرب الفجار بأربعة أشهر ، حيث قدم إلى مكة رجلاً من زبيد ( بلد في اليمن) ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل ولم يعطه حقه أي ثمنها وماطل في ذلك، فلتجأ الرجل إلى أشراف مكة ليسترد حقه، لكنهم لم ينصروه لمكانة العاص فيهم، فما كان من الرجل إلا أن وقف عند الكعبة واستغاث بأهل المروءة ليستردوا له حقه، فقام الزبير بن عبدالمطلب فقال: ما لهذا مترك، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وبنو تميم بن مرة في دار عبدالله بن جدعان وتحالفوا على نصرة المظلوم على الظالم، فذهبوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الرجل اليمني فأعطوها له وأبرموا هذا الحلف، وسمي بحلف الفضول لأن من قام به كان في أسمائه الفضل كالفضل بن الحارث، والفضل بن وداعه، والفضل بن فضالة، وقد قال الزبير بن عبدالمطلب في هذا الحلف أن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يقيم ببطن مكة ظالم، تعاقدوا وتواثقوا فالجار والمعتر فيهم سالم، و شهد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحلف مع أعمامه وكان في العشرين من عمره، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه ( لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبدالله بن جدعان، ما أحب أن لي به حمر النعم) رواه أحمد. وقال أيضاً ( لو دعيت به في الإسلام لأجبت).
لا جرم أن المعاناة الحاصلة في غزة والاستغاثة التي يرسلها أهل غزة إلى العالم، كفيلة بأن يبرم حلف كحلف الفضول، وذاك رجل منع من حقه في بضاعته، فكيفما بالدم الذي يسال من غير وجه حق صباح مساء في أرض إسلامية، وضع الظالم يده عليها ظلماً وعدواناً، واستباح كل شيء فلم يعد أي شيء محظوراً عليه، تزداد وتيرة شهوة القتل لديه يوماً بعد يوم لا رادع له ولا حسيب، والعالم يقف متفرجاً وكأنه لا يسمع بكاء الأطفال وآهات الحرائر وأناة الثكلى! ألا يجدر بأمة الإسلام تستنهض الهمم وتستثير النخوات وتحي المروءات وتستنفر الحميات وتستفز الشهامة نصرة للمظلومين المستضعفين، الذين استقوت عليهم أمم الشر والكبر والاستبداد، وجعلتهم فريسة لأطماعهم ومصالحهم المنحرفة، فأصبح لزاماً على من بقي فيه بضع من شهامة الدفاع عن أهل العقيدة والذود عنهم، والأمر لم يتوقف عند حد الانتقام بل تعدت وحشية المعتدي مفهوم الثأر نفسه، أباح لذاته كل شيء ومنع عن الضعيف كل شيء فلم يعد للضعيف مخرجاً ولا منفذاً من ضيم الغازي، والقوانين الإنسانية لم تنقذه من الموت والسجن والتنكيل، فما ينفع بعدها أي شيء سوى الأخذ بهدي القرآن وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، لما فيهما من تشديد في واجب نصرة المسلمين لإخوانهم المسلمين الذين يعانون ويلات العذاب والقهر والألم والجوع والعطش والتشرد والفقد.
حلف الفضول يفتح أعيننا على القيم والمبادئ الحميدة السامية التي تمتع بها العرب في الجاهلية قبل الإسلام، وبعد دخولهم دين الله العظيم تمسكوا بها فما زادتهم إلا مهابة و تواضعاً وإحساناً وشجاعة منقطعة النظير في سبيل إعلاء كلمة الله وإحقاق الحق، وفتحوا بتلك الفضائل مشارق الأرض ومغاربها، لم تعرف البلاد التي فتحها المسلمون طعم الظلم ولا مذاق الذل، بل فتحوا قلوبهم وعقولهم وصدورهم لدين الله العظيم، وقادة وجنود تسلحوا بالإيمان وخصال الفرسان ما استكانوا وما جبنوا عن تلبية نداء الحق في أي بقعة من بقاع العالم التي استظلت بظلال الإسلام، رغم اتساع مساحة رقعة الدولة الإسلامية، خاضت الجيوش الإسلامية أعتى وأقوى المعارك خلدها التاريخ، خلد نبل أخلاق الفاتحين وتسامح وعفو مع البلاد التي فتحوها ما عرفته البش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات خولة الكردي

تدوينات ذات صلة