من مخيم خان يونس إلى قيادة حماس، مقاومة، صمود، وشجاعة في مواجهة الاحتلال.
طفولة مشتعلة
وُلد يحيى السنوار في عام 1962 بمخيم خان يونس في قطاع غزة. كان يوم ولادته بداية أمل جديد في حياة والديه، ولكن كما هو حال جميع الفلسطينيين، لم يكن له نصيب في طفولة هادئة. منذ اللحظة الأولى، دخل في مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ بتدمير حياته. من هذه المعاناة، وُلد رعب الاحتلال، القائل "لن نأخذ دروسًا من أحد، نحن من نعلم الآخرين كيف يكون الصمود والمقاومة"!
ينحدر يحيى من أسرة فلسطينية من قرية "مجدل عسقلان"، التي هجرتها إسرائيل عام 1948، ليصبح جزءًا من اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة. نشأ في مخيم خان يونس الذي كان يعاني من نقص حاد في الخدمات، حيث عاش مع عائلته حياة بسيطة، وكان والده يمتلك دكانًا صغيرًا يعيل منه أسرته.
بزوغ القائد: سنوات التكوين والنشاط السياسي
تعلم يحيى السنوار في مدارس الأونروا وتخرج بتفوق. في عام 1982، التحق بالجامعة الإسلامية في فرع اللغة العربية، حيث تميز بذكائه ونشاطه السياسي. نشط في الأنشطة الطلابية، وشارك في فعاليات تضامنية مع القضية الفلسطينية، وكان له دور بارز في الحركات الطلابية. تم تعيينه أمينًا للجنتين الرياضية والفنية، وأسس فرقة "عائدون"، ليبدأ بذلك دخوله العملي في السياسة والمقاومة، وتخرج من الجامعة عام 1987.
كانت علاقة يحيى السنوار مع قادة حماس مبنية على الاحترام والتنسيق المشترك. كان يعتبر الشيخ أحمد ياسين مرشده الروحي ويقدر رؤيته للمقاومة. كما كانت علاقته قوية بإسماعيل هنية، حيث تجمعهما رؤية موحدة لتعزيز صمود غزة، بالإضافة إلى التعاون مع قيادات عسكرية مثل محمد الضيف.
في بداية التسعينات، أصبح يحيى السنوار من أبرز القادة العسكريين لحركة حماس، حيث لعب دورًا محوريًا في قيادة كتائب القسام وتنظيم العمليات ضد الاحتلال. في سن السادسة والعشرين، أُلقي القبض عليه وحُكم عليه بأربع مؤبدات (425 عامًا) بتهمة تورطه في عمليات ضد الاحتلال، ليصبح بذلك أحد الأدمغة القيادية لحماس.
السنوار في الأسر: قائد لا يُقهر ومعلم خلف القضبان
لكن يحيى، هذا الفتى الفلسطيني الذي لا يعرف معنى الاستسلام، كان أعظم من أن يهزمه السجن أو يثنيه الحزن. لم ينكسر، بل على العكس، ازدادت عزيمته قوة. داخل جدران السجن الضيقة، حول يحيى تلك المساحات إلى معركة عقليّة فكرية. تعلم العبرية في العزلة، وأصبح يعلّمها لرفاقه، وبتفوقه، أسس شبكة من المعرفة تحولت إلى سلاح أشد فتكًا من أي قيد. لم يقتصر عمله على ذلك، بل استمر في متابعة الأخبار العبرية يومياً، وحللها بعمق حتى فاق كبار المحللين السياسيين في فكره ورؤيته. كتب العديد من الكتب، وترجم كتابين من العبرية إلى العربية في سابقة غير مألوفة في السجون، فكانت إنجازاته تتراكم بشكل مذهل
وفي عام 2011، جاء الفرج عبر صفقة "وفاء الأحرار"، حيث أُفرج عن يحيى مع 1027 أسيرًا فلسطينيًا، ليعود إلى غزة حاملاً معه عزيمة أقوى بعد سنوات من الصمود في وجه الظلم.
كانت العلاقة بين حماس والسلطة الفلسطينية مشحونة بالخلافات السياسية، حيث كان يحيى السنوار يرى أن هذه الخلافات تمثل جرحًا في قلب فلسطين. وكان يؤمن أن الوحدة بين الفصائل هي السبيل الوحيد لمواجهة الاحتلال، فعمل على توحيد الرؤى بين الحركتين، سواء داخل السجن أو خارجه، عبر خطاب صادق مؤكدًا أن التحرير يتطلب تكاتف الجميع.
بساطة المخيم وصلابة القائد
كان السنوار قائدًا شجاعًا وصلبًا، يعرفه العدو قبل الصديق، ولكنه ظل متجذرًا في بساطة مخيم خان يونس. كان مزيجًا من التناقضات، يرتدي البدلة العسكرية في المواجهات ولا يحب البدلات الرسمية في اللقاءات، كما كان الجار الطيب الذي يشارك أطفال المخيم أحلامهم. افتخر دومًا بالمخيم الذي صقل فيه صبره وقوته، ولم ينسَ أبدًا ملامحه التي كانت وسام شرف له.
أصرت والدة يحيى على زواجه لتعيش لحظة رؤية أحفادها قبل رحيلها. في عام 2011، تزوج يحيى من سمر أبو زمر وأنجبا ثلاثة أطفال. ومع ذلك، لم تكتمل فرحته تحت وطأة الاحتلال، الذي فرض عليه وضعًا أمنيًا معقدًا جعله مضطرا للبقاء بعيدًا عن أسرته لفترات طويلة.
أما عن منزل يحيى المتواضع، الذي كان من المفترض أن يكون مأوى للراحة، تعرض للقصف والتدمير أربع مرات من قبل الاحتلال، وفي إحدى المرات كان لا يزال في السجن! كلما رممه، كان الاحتلال يهدمه مجددًا! فماذا كان ليفعل يحيى في وجه هذا العدوان؟ أهل من الطبيعي أن يسأل البعض لماذا كان يكره إسرائيل بهذه العدوانية؟ حقاً! هل كان له خيار آخر أمام غطرسة الاحتلال؟
تحدي الاحتلال وإرادة لا تنكسر
من أبرز لحظات شجاعة يحيى السنوار، عندما تحدى الاحتلال أمام كاميرات الإعلام قائلاً: "سأمشي في شوارع غزة لمدة 3600 ثانية، دون حماية، لتثبت إسرائيل أن بإمكانها اغتيالي". كانت هذه الكلمات دعوة للتحدي، ليظهر للعالم أن القائد الذي يحمل هم شعبه لا يختبئ ولا يخاف.
كان يحيى يتباهى دائمًا بقوة صواريخ القسام، ويقول باللهجة الغزاوية: "لما تيجيني الأخبار إن غزة، هالقطاع الزغير المحاصر، ضربت تل أبيب بصواريخ القسام، وفرضت حظر تجول عليهم، وخلت تل أبيب تقف على رجل وحدة، خلص بكفيني هالقيد هان أنا بكون استننزفت حياتي." في نظره، كان القسام أكثر من مجرد كتيبة مسلحة؛ كان إرادة غزة، قوة شعبها، وكرامتها التي لا تنكسر.
وعد الطوفان والاستشهاد
في 2022، أعلن يحيى السنوار وعده الصادق بأن المقاومة ستزلزل كيان الاحتلال فأنذرهم أن"آتون بطوفان هادر"، ولم يكن ذلك مجرد شعار، بل خطة مدروسة جسّدها في 7 أكتوبر 2023 بـ"طوفان الأقصى"، حيث ضربت المقاومة عمق الاحتلال بأعنف هزيمة في تاريخه. أسد فلسطين وابن المخيم جعل الغطرسة الإسرائيلية تنحني أمام إرادة من لا يعرفون الخنوع.
الاحتلال، بجبروته ودمويته، لم يترك خيارًا سوى الطوفان الذي فرضته وحشيته. ومع ذلك، دفع الثمن على يد السنوارورفاقه!.
في 16 أكتوبر 2024، استشهد القائد اليحيى وهو متقدم صفوف القتال، مرتديًا بدلته العسكرية، ليكون في مواجهة الاحتلال كما كان دائمًا: مقبلًا غير مدبر.
في لحظة استشهاده الأخيرة، رمى عصاه بوجههم تاركًا خلفه عدوًا أذله حيًا وميتًا، مثبتاً أن أصحاب الأرض الحقيقيين لا تنحني لهم رايات و لا تتبدل لهم مواقف!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات