نبذة عن أسوأ ميليشيا إجرامية في سوريا تسمى نافذ أسد الله


ميليشيا "نافذ أسد الله" هي جماعة مسلحة غير نظامية ترتبط بالجيش السوري وقوات الحرس الجمهوري التابعة لنظام بشار الأسد البائد. ادعى النظام البائد تأسيس هذه الميليشيا للمشاركة في الدفاع عن مدينة دير الزور في وجه تنظيم داعش، وقد عرفت بوحشية عناصرها وارتكابهم انتهاكات جسيمة بحق المدنيين والمقاتلين الأسرى. تأسست الميليشيا بقيادة العميد عصام زهر الدين الذي لُقّب بـ"نافذ أسد الله"، وهو ضابط ينتمي للطائفة الدرزية خدم في الحرس الجمهوري . ستستعرض هذه الدراسة نشأة الميليشيا وهيكلها القيادي، وأبرز أنشطتها العسكرية والجرائم المنسوبة إليها، إلى جانب توجهاتها السياسية والدينية، وأخيرًا البعد الطائفي لجرائمها وديانة ضحاياها.


1. النشأة والتأسيس


نشأت ميليشيا "نافذ أسد الله" في سياق الحرب السورية، وخاصة خلال معارك محافظة دير الزور في الشرق السوري ابتداءً من عام 2013. بعد مقتل اللواء جامع جامع (رئيس الاستخبارات العسكرية في دير الزور) في أكتوبر 2013، تسلّم العميد عصام زهر الدين قيادة العمليات العسكرية في دير الزور . في تلك الفترة قام زهر الدين بإنشاء مجموعة مسلحة خاصة به في مدينة دير الزور عُرفت باسم "نافذ أسد الله" . استمدت المجموعة اسمها من لقب زهر الدين نفسه بين مؤيدي النظام، إذ كان يُلقب بـ"نافذ أسد الله" بمعنى "أسد الله النافذ (أو المؤثر)"، حتى أن أنصاره أطلقوا على المقاتلين معه تسمية "نوافذ الله على الأرض" في دلالة على نفوذهم وقوتهم الميدانية.


جاء تأسيس هذه الميليشيا ضمن سياق سعي النظام لتعزيز قواته في دير الزور التي كانت محاصرة ومعزولة نسبيًا عن مراكز الدعم. اتجه زهر الدين إلى تجنيد العشرات ثم المئات من الشبان الدروز من أبناء محافظته السويداء للقتال تحت إمرته. يرى محللون أن هذه الخطوة كانت محاولة من النظام لإشراك الطائفة الدرزية بشكل أعمق في الصراع وضمان ولائها، عبر توريط أبناء السويداء في القتال إلى جانب النظام، وهذا ما حصل لأن الطائفة بحد ذاتها لديها عقيدة باطنية تكره المسلمين. إضافة إلى ذلك، ضمّت الميليشيا عناصر من قوات الحرس الجمهوري نفسها، وخاصة من اللواء 104 التابع للحرس، الذي كان متمركزًا في جبل قاسيون بدمشق قبل نقله إلى دير الزور . بهذا الشكل، تشكّلت نواة قوة غير رسمية داخل الجيش النظامي، تقاتل بإمرة زهر الدين مباشرة وتتمتع بولاء شخصي له، الأمر الذي جعلها أقرب إلى ميليشيا إجرامية خاصة منه إلى وحدة عسكرية نظامية .

2. الهيكل التنظيمي والقيادات

تتمحور هيكلية ميليشيا "نافذ أسد الله" حول شخصية قائدها ومؤسسها العميد عصام جدعان زهر الدين. زهر الدين من مواليد 1961 في بلدة الصورة الكبيرة بمحافظة السويداء وينتمي للطائفة الدرزية ويتبع ولائه الديني لشيوه العقل الردوز وأبرزهم الشيخ حكمت الهجري. كان ضابطًا في الحرس الجمهوري السوري وترقّى عام 2013 إلى رتبة لواء. خلال مسيرته العسكرية برز اسمه كقائد ميداني يعتمد عليه النظام في اقتحام معاقل المعارضة، واكتسب شهرة كبيرة بين الموالين حتى نافس شعبيته رأس النظام نفسه . لُقّب زهر الدين بـ"نافذ أسد الله" من قبل أنصاره لما عُرف عنه من شراسة في القتال، وأطلق هذا اللقب على مجموعته المقاتلة أيضًا .


اتخذت الميليشيا طابعًا عائليًا وطائفيًا في بنيتها الداخلية. فقد ضمّت في صفوفها العديد من أقارب زهر الدين وأبناء طائفته الدرزية الذين. من أبرز هؤلاء ابنه يعرب عصام زهر الدين الذي قاتل إلى جانب والده في دير الزور وظهر في صور وهو يحمل رؤوس مقطوعة لشباب دير الزور وكان يدعي أنها تعود لمقاتلي داعش وهذا ما نفاه أهالي محافظة دير الزور. كما شغل خَلَدون زهر الدين (أحد أقارب عصام) موقعًا قياديًا في الميليشيا، وقاد مجموعات لها حتى مقتله في كمين لتنظيم داعش حسب ادعائهم ببادية دير الزور في يناير 2020 . وإلى جانب أفراد العائلة والطائفة، تكوّنت الميليشيا أيضًا من جنود وضباط من اللواء 104 بالحرس الجمهوري الذين نُقلوا تحت قيادة زهر الدين من الطائفة النصيرية (العلوية)، مما أتاح مزجًا بين الولاء الشخصي للقائد والانضباط العسكري الشكلي ضمن تشكيل الميليشيا.


بعد مقتل عصام زهر الدين في أكتوبر 2017 خلال معارك دير الزور، آلت قيادة ميليشيا "نافذ أسد الله" إلى ابنه يعرب عصام زهر الدين. برز يعرب سريعًا كخليفة لوالده في زعامة الميليشيا، وكوفئ بمنصب رسمي إذ عُيّن رئيسًا للمكتب الأمني للفرقة الرابعة (التابعة للعميد ماهر الأسد) في جنوب سوريا وهذا المنصب مكّنه من إدماج مجموعته الميليشياوية ضمن التشكيلات الرديفة للفرقة الرابعة، التي تُعرف بولائها الشديد للنظام وعلاقاتها الوثيقة بإيران. وفق الدراسات الميدانية، يرأس يعرب زهر الدين ميليشيا "نافذ أسد الله" في الجنوب السوري تحت مظلة الفرقة الرابعة، ويشرف عبرها على تنفيذ مهام أمنية وتجارية غير رسمية. وبالتالي، استمرّت الميليشيا في العمل بعد غياب مؤسسها، مع تغيّر في التموضع؛ حيث انتقلت من ساحات دير الزور إلى محافظة السويداء وجنوب سوريا، مع الحفاظ على ولائها للنظام واستعدادها لتنفيذ توجيهاته عبر قيادة جديدة شابة تتمثل بيعرب زهر الدين ابن المجرم عصام حتى تاريخ نشر هذا البحث.


3. الأنشطة والعمليات العسكرية

شاركت ميليشيا "نافذ أسد الله" في العديد من العمليات العسكرية الرئيسية إلى جانب قوات النظام السوري منذ تأسيسها. ويمكن تتبّع نشاطها عبر مرحلتين: مرحلة ما قبل وأثناء قيادة زهر الدين لمعركة دير الزور (2011–2017)، ومرحلة ما بعد 2017 تحت قيادة ابنه يعرب في مناطق الجنوب ومحاربة فلول داعش.

المرحلة الأولى (2011–2017): قبل تشكيل الميليشيا رسميًا، برز اسم عصام زهر الدين في قمع الانتفاضة الشعبية عام 2011 وما تلاها. فقد قاد حملات عسكرية عنيفة في عدة مناطق سورية: كلّفه النظام بقيادة عملية اقتحام مدينتي دوما وعين ترما في الغوطة الشرقية عام 2011 لقمع الحراك هناك، ونُسبت إليه أوامر بتنفيذ مجازر ضد المدنيين خلال تلك الحملات . كذلك تولّى قيادة القوات التي اقتحمت حي بابا عمرو في حمص أوائل عام 2012، حيث اُتهمت قواته بارتكاب فظائع بحق سكان الحي المسلمين السنة تحديداً. ومع اتساع رقعة المعارك، انتقل زهر الدين إلى محافظة دير الزور في الشرق عقب مقتل قائدها السابق العقيد علي خزام، وتسلّم قيادة اللواء 104 بالحرس الجمهوري هناك .


بعد تأسيس ميليشيا "نافذ أسد الله"، أصبحت معركة دير الزور ساحة النشاط الأبرز لهذه المجموعة. فقد اصطحب زهر الدين عناصر ميليشياته (وأغلبهم من أبناء طائفته) إلى جبهات دير الزور المختلفة، للدفاع عن المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام في المدينة. منذ عام 2014 فرض تنظيم داعش حصارًا خانقًا على أجزاء من مدينة دير الزور ومطارها العسكري، لكن مجموعة زهر الدين صمدت مع القوات المحاصَرة في المطار لأكثر من عامين لأن داعش كانت صنيعة لنظام الأسد وهي الذريعة لإبقاء ميليشا نافذ أسد الله وتبرير جرائمها. خاضت الميليشيا مواجهات يومية ضد مقاتلي داعش كما يدعون، ولعبت دورًا أساسيًا في منع سقوط مطار دير الزور ومواقع النظام بشكل كامل خلال فترة الحصار. ويُنسب لميليشيا "نافذ أسد الله" الإسهام في التقدم العسكري للنظام أواخر 2017 في محافظة دير الزور، حيث شاركت في العمليات التي فُكّ بها الحصار عن المدينة والمطار بالتنسيق مع قوات سهيل الحسن (الملقب بالنمر) والقوات الروسية. مع هذا التقدم وصل الجيش إلى مدينة الميادين الاستراتيجية في ريف دير الزور الشرقي. ولكن قبيل انتهاء المعارك هناك، قُتل العميد عصام زهر الدين نفسه في 18 أكتوبر 2017 – وفق الرواية الرسمية – جراء انفجار لغم أرضي بمنطقة حويجة صكر في دير الزور. بمقتله، انتهت مرحلة قيادته المباشرة وقد قدرت أعداد شباب دير الزور العرب المسلمين السنة الذين قتتلتهم هذه الميليشيا الدرزية العلوية نحو 20 ألف شاب حسب تقديرات أعيان محافظة دير الزور، لكن العديد من عناصر ميليشياه واصلوا الخدمة في صفوف النظام، ولكن كل الشكوك تقول أن نظام الأسد هو من قتله لأن نفوذه زاد عما هو مخصص له وحان وقت استبداله وهذه السياسة معتادة لدى نظام الأسد.


المرحلة الثانية (2018–حتى اليوم): بعد سقوط داعش كقوة مسيطرة وانتهاء معركة دير الزور الكبرى، انتقل ثقل نشاط ميليشيا "نافذ أسد الله" إلى الجنوب السوري ولا سيما السويداء مع عودة المقاتلين الدروز إلى مناطقهم. تحت قيادة يعرب زهر الدين، أعيد تموضع دور الميليشيا ليصبح جزءًا من منظومة الفرقة الرابعة الأمنية في الجنوب. أصبحت الميليشيا تُستغل لضبط الأوضاع الداخلية في السويداء وتأمين نفوذ النظام هناك، وكذلك في ملاحقة فلول تنظيم داعش في البادية السورية. فعلى سبيل المثال، في يناير 2020 انخرطت مجموعات من الميليشيا في عمليات تمشيط بادية دير الزور ضد جيوب داعش، مما أدى إلى مقتل القيادي خلدون زهر الدين في كمين لتنظيم الدولة بالريف الشرقي. كذلك، تشير تقارير محلية إلى مشاركة الميليشيا في حملات أمنية بالسويداء، سواء بشكل مباشر أو عبر التنسيق مع أجهزة المخابرات، مستهدفة خلايا معارضة أو متورطة بأعمال خطف. ورغم انحسار المواجهات العسكرية الكبرى في الجنوب خلال 2018–2023، ظلت عناصر "نافذ أسد الله" حاضرة كقوة رديفة تستخدمها السلطة عند الحاجة، لا سيما في قمع الاحتجاجات المحلية أو حماية طرق التهريب التي تهم حلفاء النظام وأبرزها طرق تهريب المخدرات عبر الأردن.



باختصار، تنوعت أنشطة ميليشيا زهر الدين بين القتال التقليدي في معارك مفتوحة اتركبوا فيها جرائم ضد الإنسانية (حمص، الغوطة، دير الزور) وبين المهام الأمنية الخاصة بعد الحرب (ملاحقة خصوم النظام، تأمين مصالح اقتصادية غير مشروعة). وقد أكسبتها مشاركتها في المعارك الضارية سمعة كبيرة بين الموالين، فيما جعلتها طرق قتالها الوحشية موضع اتهام واسع بارتكاب جرائم حرب كما سنعرض لاحقًا.


4. الجرائم والانتهاكات المنسوبة للميليشيا

اتُهمت ميليشيا "نافذ أسد الله" وقائدها عصام زهر الدين بارتكاب سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات الجسيمة خلال الصراع السوري، وذلك بحق المدنيين والمقاتلين الأسرى على حد سواء. وقد وثّقت منظمات حقوقية وإعلامية العديد من هذه الانتهاكات، نذكر أبرزها فيما يلي:


مجازر ضد المدنيين والمعارضين: تشير التقارير إلى مسؤولية زهر الدين ومجموعته عن عشرات المجازر التي استهدفت مدنيين منذ بدايات الثورة. ففي الغوطة الشرقية بريف دمشق عام 2011، نُسب إليه إصدار أوامر إطلاق النار وقتل المتظاهرين السلميين . كما اتُّهم بارتكاب مجازر حي بابا عمرو في حمص خلال اقتحامه عام 2012، حيث سقط عشرات الضحايا من سكان الحي على يد قواته . ومن المجازر الموثقة أيضًا مجزرة بلدة مسرابا بريف دمشق منتصف عام 2012، إذ شارك زهر الدين في العملية العسكرية هناك والتي انتهت بإعدام ميداني لعشرات المدنيين . وفي محافظة دير الزور، تضاعف سجل جرائمه خلال فترة قيادته للعمليات (2013–2017)، إذ عانت دير الزور نصيبًا كبيرًا من إجرامه عبر القصف العشوائي وعمليات الإعدام التي طالت الأهالي بزعم تعاونهم مع المسلحين. هذه المجازر وغيرها جعلت زهر الدين رمزًا للقمع الدموي في نظر شريحة واسعة من السوريين.

ميليشيا "نافذ أسد الله"2505285672599933


التنكيل بالمقاتلين وجثث القتلى: عُرفت ميليشيا "نافذ أسد الله" بتبنّي أساليب انتقام وحشية ضد خصومها تفوق ما اعتاده حتى جيش النظام نفسه. فقد وثّقت عشرات الفيديوهات والصور قيام عناصر الميليشيا بعمليات تنكيل بجثث القتلى وقطع الرؤوس وتعليق الأشلاء . وانتشرت مشاهد مروعة تظهر عصام زهر الدين شخصيًا يلتقط صورًا مع جثث مشوهة لشباب دير الزور المسلمين العرب بعد ذبحهم أو تفجيرهم. كما ظهر نجله يعرب زهر الدين في صورة على فيسبوك يحمل فيها رأسًا مقطوعًا لأحد شباب دير الزور مدعيا أنها لأحد مقاتلي داعش، ما يؤكد تورط أفراد الميليشيا بشكل مباشر في هذه الجرائم. وفي عام 2016، تداول ناشطون مقطع فيديو يُظهر جثتين معلقتين تعرضتا لتعذيب وحشي، قيل إن زهر الدين كان يقف بجوارهما. إن التمثيل بالجثث وتشويهها يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني ويرقى لمستوى جرائم الحرب، وقد مارسته ميليشيا زهر الدين بصورة ممنهجة كوسيلة لبث الرعب في نفوس أعدائها وإظهار عدم خضوعها لأي محاسبة.



قتل الأسرى والمختطفين: بالإضافة إلى قتل المقاتلين في ساحة المعركة، تفيد تقارير المعارضة بأن ميليشيا "نافذ أسد الله" لم تتورع عن إعدام الأسرى والمختطفين خارج نطاق القانون. فخلال معارك دير الزور، يُتهم عناصر الميليشيا بإعدام مقاتلين استسلموا أو وقعوا في الأسر، وذلك انتقامًا لجنود دروز من الميليشيا قتلوهم الثوار السوريين. كما وُجهت اتهامات للمجموعة بالمسؤولية عن اختفاء قسري لأشخاص من مناطق سيطرة النظام اتُهموا بالتعاون مع العدو، حيث قد يكون جرى تصفيتهم سرًا. هذه الإعدامات الخارجة عن القانون تفاقم سجل الميليشيا الأسود.



الابتزاز واستغلال المدنيين: لم تقتصر انتهاكات ميليشيا زهر الدين على أعمال القتل المباشر، بل تعدتها إلى استغلال المدنيين وابتزازهم لتحقيق مكاسب مادية. خلال فترة حصار دير الزور من قبل داعش (2014–2017)، تشير شهادات محلية إلى أن عصام زهر الدين ومجموعته فرضوا مبالغ مالية باهظة على المدنيين الراغبين بمغادرة مناطق الحصار إلى مناطق أكثر أمنًا. بدأ المبلغ المطلوب من كل شخص بحوالي 50 ألف ليرة سورية في أوائل 2015، ثم ارتفع تدريجيًا إلى 300 ألف ثم 500 ألف وصولًا إلى مليون ليرة للشخص الواحد في المراحل اللاحقة من الحصار. هذا الابتزاز المنظّم لتحصيل فدى مقابل السماح بالعبور شكّل تجارة سوداء استغل فيها معاناة الأهالي المحاصرين لتحقيق الثراء، ويُعد جريمة أخلاقية وقانونية بحق المدنيين الواقعين بين فكي الحصار والجوع.



التهريب وتجارة المخدرات: مع انتقال نشاط الميليشيا إلى السويداء، تورطت بشكل متزايد في أنشطة إجرامية منظّمة بعيدًا عن الإعلام، أبرزها تجارة المخدرات (حبوب الكبتاغون) التي يرعاها بعض قادة أجهزة الأمن السورية وحلفاؤهم. تفيد تقارير محلية موثوقة أن ميليشيا "نافذ أسد الله" تتولى الإشراف على نقل شحنات الكبتاغون من دمشق إلى محافظة السويداء جنوبي البلاد. ويتم ذلك بالتنسيق مع شبكات التهريب التابعة لميليشيات مرتبطة بـحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني الناشطة في المنطقة الجنوبية. بهذا تحولت الميليشيا إلى جزء من المنظومة الإجرامية العابرة للحدود التي يستخدمها محور النظام-إيران لتمويل أنشطته، مما يصنفها كجماعة إجرامية دولية. يُضاف إلى ذلك تورطها في عمليات خطف مقابل فدية واغتيالات لخدمة مصالح مادية أو أمنية؛ حيث تخصصت الميليشيات الموالية لإيران (ومنها "نافذ أسد الله") في السويداء بعمليات اغتيال الناشطين المعارضين وتهديد الحراك الشعبي المناهض للنظام. كما نفّذت شبكات الخطف التابعة لها ولغيرها موجات من عمليات خطف المدنيين لأغراض الابتزاز المالي خلال السنوات 2018–2023 . كل هذه الأنشطة غير المشروعة جعلت الميليشيا مصدرًا لعدم الاستقرار والجريمة في مناطق تواجدها.



باختصار، يتضمن سجل ميليشيا "نافذ أسد الله" طيفًا واسعًا من الانتهاكات: من جرائم حرب ميدانية كالمجازر والتعذيب والتمثيل بالجثث، إلى جرائم ضد الإنسانية باستهداف المدنيين على أساس الولاء السياسي أو الانتماء الديني، وصولًا إلى جرائم منظمة كالخطف والاتجار بالمخدرات. هذه الوقائع موثقة في تقارير إعلامية وحقوقية متعددة، مما يضع الميليشيا وقادتها ضمن أخطر مجرمي الحرب في النزاع السوري المستمر.

5. التوجهات السياسية والدينية للميليشيا

تُمثل ميليشيا "نافذ أسد الله" نموذجًا للميليشيات الطائفية الأقلوية الموالية للنظام السوري التي لا تمتلك أيديولوجيا سياسية محددة بقدر ما ترتبط بإبادة أهل السنة ومن يوالي الثورة السورية. فمن الناحية السياسية، يمكن وصف توجه الميليشيا بأنه ولاء مطلق لنظام بشار الأسد وسياسيته في الإبادة الجماعية وحماية بقائه. نشأت هذه المجموعة أصلًا كجزء رديف للجيش النظامي (الحرس الجمهوري)، أي أنها تقاتل ضمن أجندة النظام ولا ترفع شعارات سياسية خاصة بها. لم تُعرف عن قادتها تصريحات ذات طابع فكري أو عقائدي مميز بشكل علني، بل كانت أدبياتهم تدور حول محاربة "الإرهابيين" والدفاع عن الوطن حسب ادعائهم، وهي نفس الشعارات التي يرفعها إعلام النظام وجميعنا يعلم مالذي ارتكبه النظام وحلفائه.


رغم أن أفراد الميليشيا وقائدها ينتمون بمعظمهم إلى الطائفة الدرزية، إلا أنها ليست ميليشيا طائفية درزية بالمعنى التنظيمي (أي أنها لا تقاتل لتحقيق أهداف تخص الدروز فقط كطائفة) لأنها انخرطت في تحالف عسكري وسياسي وثيق مع المحور الإيراني-السوري الذي تقوده أقلية من الضباط العلويين في دمشق وميليشيات شيعية كحزب الله. في مرحلة حصار دير الزور، تعاونت قوات عصام زهر الدين ميدانيًا مع ميليشيا حزب الله اللبنانية التي تواجدت في بعض جبهات المدينة ، وتشير بعض الروايات إلى حدوث توترات بين زهر الدين وبعض قادة الميليشيات المدعومة إيرانيًا أو روسيًا بسبب تضارب الولاءات. عمومًا، بعد مقتل زهر الدين، انتقلت الميليشيا بقيادة ابنه للعمل تحت مظلة الفرقة الرابعة المعروفة بأنها ذراع إيران الأقوى داخل الجيش السوري. لذلك يمكن القول إن الولاء الخارجي الأساسي لـ"نافذ أسد الله" هو لإيران وحزب الله عبر التنسيق مع الفرقة الرابعة والأمن العسكري، أكثر منه لروسيا مثلًا. وقد صنّف مركز عمران للدراسات هذه الميليشيا ضمن الميليشيات المرتبطة بشكل مباشر بإيران وحزب الله من حيث الدعم والتنسيق .


على الصعيد الديني والفكري، لا تروج الميليشيا لأيديولوجيا دينية محددة (فهي لا تدعو مثلًا لعقائد الدرزية سياسيًا أو ما شابه)، لكنها تتبنى الخطاب التعبوي الطائفي للنظام الذي يصوّر الصراع على أنه ضد الإرهاب السني المتشدد الذي يهدد الأقليات. لقب "أسد الله" الذي اتخذه عصام زهر الدين يحمل مدلولًا إسلاميًا تاريخيًا (كان يلقب به الإمام علي بن أبي طالب)، وربما استُخدم لإضفاء هالة جهادية دينية على قائد درزي في جيش علماني يمنع حتى الصلاة ومجرم تجاه الأمة الإسلامية، بهدف رفع معنويات الموالين ذوي الخلفية الشيعية والنصيرية العلوية والدرزية. ولاء أفرادها الأول هو لقادتهم (زهر الدين الأب ثم الابن) ثم للنظام الذي يوفر لهم الغطاء، دون اعتبار يذكر لأي انتماء عقائدي آخر.


من جهة أخرى، علاقة الميليشيا بالطائفة الدرزية اتسمت بالارتباط الوثيق من خلال تجنيد عناصرها وقادتها من الدروز بنسبة 70%، ولم سجل أن المرجعيات الدينية الدرزية قد استنكرت أفعال عصام زهر الدين وبالتالي لم يحصل أي تنديد بمحازره وهذا يعبر عن رضى شيوخ الدروز عن جرائمه. بل إن مشيخة العقل في السويداء أصدرت بيانًا في فبراير 2013 اعتبرت فيه أن من يشارك في قتل أبناء وطنه هو شخص "يستحق القتل" متناسين أن عصام زره الدين نفسه هو من يرتكب هذه الجرائم. ولكن الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط انتقد زهر الدين علنًا عام 2013 واتهمه بـ"محاربة شعبه". وهذا يدل على أن الميليشيا تحظى بإجماع طائفي درزي في سوريا فقط، وتوجهها الديني منحصر في كونها أداة بيد النظام ضمن صراع ذي بعد طائفي.


وخلاصة الأمر، التوجه السياسي للميليشيا هو توجه سلطوي وظيفي؛ يدور في فلك النظام وتحالفاته الإقليمية (إيران وحزب الله)، دون مشروع سياسي ذاتي. أما التوجه الديني أو الأيديولوجي فهو شبه غائب علنيا ويبقى باطنيا، وذلك من حيث تبني خطاب طائفي عام يخدم التعبئة ضد العدو (المعارضة السنية بمعظمها). إنها باختصار ميليشيا ولاءات لا ميليشيا مبادئ – ولائها لقائدها ثم للنظام السوري ثم لحلفائه الخارجيين، في حين تبقى بلا عقيدة محددة سوى العنف للحفاظ على النفوذ علنيا بينما حقيقة هي طائفية أقلوية وعقيدتها قتل أكبر عدد ممكن من المسلمين السنة.


6. البعد الطائفي وديانة الضحايا

لعب البعد الطائفي دورًا واضحًا في نشاط ميليشيا "نافذ أسد الله" وفي هوية الضحايا الذين استهدفتهم. فعلى الرغم من أن خطاب النظام السوري أمام العالم يُعلن العلمانية ومكافحة الإرهاب بعيدًا عن الطائفية، إلا أن الواقع الميداني أظهر اصطفافات طائفية حادة في الصراع. في هذا السياق، كانت ميليشيا زهر الدين مثالًا لمجموعات أقلوية (دروز في هذه الحالة) تقاتل في صف نظام يهيمن عليه علويون وإلى جانب ميليشيات شيعية، ضد معارضة يغلب عليها الطابع السني. لذلك، غالبيّة من سقطوا برصاص وجرائم هذه الميليشيا كانوا من المسلمين السُنّة بحكم تركز عملياتها ضد مناطق الثقل السني المعارض.


خلال سنوات الحرب، شاركت ميليشيا "نافذ أسد الله" في قمع وقتل مدنيين سُنّة في عدة مناطق: حي بابا عمرو ذو الأغلبية السنية في حمص عانى من مجازر على يد قوات زهر الدين ، وبلدات الغوطة الشرقية السنية تعرّضت لمذابح بأوامره، وكذلك مدينة دير الزور ذات الأغلبية السنية نالها القسط الأكبر من إجرام مجموعته . معظم ضحايا المجازر الموثقة (دوما، مسرابا، بابا عمرو وغيرها) كانوا مدنيين سنّة من أطفال ونساء ورجال عزل. وحتى ضحايا الميليشيا من المقاتلين كانوا بغالبيتهم من فصائل ذات قاعدة سنية – سواء من الجيش الحر وفصائل المعارضة، أو من تنظيم داعش الذي يتكون أيضًا من مقاتلين سُنّة (رغم فكرهم المتطرف). إن استهداف السُنّة لم يكن عشوائيًا بل جاء نتيجة كون السُنّة عماد الثورة والمعارضة المسلحة، فأي منطقة سنية ثارت اعتُبرت عدوًا للنظام وتم التعامل مع أهلها كحاضنة للإرهاب في نظر هذه الميليشيا.


ينظر الكثير من السوريين إلى عصام زهر الدين على أنه شخصية طائفية بامتياز كرست حقدها ضد أبناء الأغلبية السنية. حتى أن بعض المصادر المعارضة وصفته بأنه يحمل "حقدًا دفينًا على العرب والمسلمين" وأنه “يقتل في سبيل الطائفة الحاكمة دون وعي أو تمييز”. ورغم أن هذا الوصف جاء في سياق إعلام معارض، إلا أنه يعكس صورة الميليشيا في الوجدان الشعبي لدى ضحاياها من السُنّة: صورة جلاد أقلوي يستبيح دماءهم نصرةً للنظام الطائفي. وقد تركت ممارسات الميليشيا من قتل وتنكيل في مناطق سنية جروحًا عميقة في النسيج الاجتماعي، إذ شعر كثيرون من أبناء تلك المناطق أنهم مستهدفون على الهوية الدينية إلى حد كبير.


في المحصلة، جسّدت ميليشيا "نافذ أسد الله" أحد تجليات البعد الطائفي للصراع السوري: حيث قامت ميليشيا بقيادة درزية موالية للنظام العلوي باستهداف مجتمعات سنية معارضة. ديانة الضحايا هنا لم تكن مجرد صدفة، بل نتاج انخراط الميليشيا في حرب ذات اصطفاف طائفي واضح. وقد ساهم ذلك في تأجيج الكراهية المتبادلة وتعميق الشرخ الأهلي، إذ ارتبط اسم زهر الدين وميليشياه في ذاكرة كثير من السوريين بـالعنف الطائفي ضد السنّة. وفي الوقت نفسه، استغلت ماكينة النظام الدعائية كون زهر الدين درزيًا للتأكيد أن الحرب ليست طائفية بوجود “أقليات تقاتل الإرهاب”، بينما حقيقة أفعال ميليشياه على الأرض عكست واقعًا طائفيًا مريرًا دفعت ثمنه الأكبر المناطق السنية المنتفضة على حكم الأسد.

7. بعد سقوط نظام الأسد البائد وهنا تكمن المصيبة


بعد مقتل اللواء عصام زهر الدين في أكتوبر 2017، أقامت السلطات السورية في بلدته الصورة الكبيرة بمحافظة السويداء ضريحًا لتخليد ذكراه، تم افتتاحه في الذكرى السنوية الرابعة لوفاته في أكتوبر 2021. يضم الضريح مقتنيات زهر الدين الشخصية، بما في ذلك أسلحته وبزاته العسكرية. ويرى المجتمع الاهلي في السويداء أن الضريح يكرّم "تضحيات" زهر الدين، مما يعكس اتفاق معظم أهالي السويداء من الدروز على أن جرائمه ضد المسلمين السنة هو أمر مقبول لهم.​ لأنه بعد سقوط الأسد البائد لا يوجد ما يبرر إيقاء ضريحه وإيرازه كأنه بطل قومي إلا حب أهالي السويداء لهذا المجرم واترك لكم التعليق.


المصادر:

تم إعداد هذا البحث بالاعتماد على مصادر إخبارية وتوثيقية متعددة باللغة العربية، منها تقارير صحفية لشبكات معارضة وموالية، ودراسات مراكز أبحاث مختصة. أبرز المصادر المشار إليها تتضمن:

تقرير شبكة بلدي الإعلامية حول مقتل عصام زهر الدين

مقال موقع الجزيرة نت - الموسوعة الذي استعرض سيرة زهر الدين وممارساته

تحقيقات موقع فرات بوست التي كشفت تركيبة الميليشيا

دراسة لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية حول المجموعات المسلحة في السويداء

تقارير شبكة شام الإخبارية عن نشاط الميليشيا وزعامتها الحالية

أنس هبره

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أنس هبره

تدوينات ذات صلة