يستعرض المقال وثائق تاريخية تكشف لقاءات سرّية بين سلطان باشا الأطرش ووفود صهيونية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، في سياق سياسي معقّد

مقدمة

يُعدّ سلطان باشا الأطرش أحد الشخصيات البارزة في تاريخ سوريا الحديث، حيث قاد الثورة السورية الكبرى (1925) ضد الاستعمار الفرنسي، واشتهر بمواقفه الوطنية والقومية. لكن مع مرور الزمن وفتح الأرشيفات، برزت وثائق تشير إلى لقاءات سرّية جمعته بوفود صهيونية خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. هذه المعلومات تطرح تساؤلات جديدة حول طبيعة تلك العلاقات وما إذا كانت تنطوي على تنسيق سياسي أو مجرد اتصالات عابرة.

اللقاءات السرّية: الوثائق تتحدث

تكشف وثائق أرشيفية إسرائيلية عن لقاءات جرت بين ممثلين عن الحركة الصهيونية وسلطان باشا الأطرش، أو مبعوثين عنه، خلال عامي 1938 و1940.

في عام 1938، زار وفد صهيوني بقيادة أبا حوشي، أحد القيادات البارزة في الوكالة اليهودية، منطقة جبل الدروز. تشير الوثائق إلى أن الزيارة تمّت بتنسيق مع يوسف العيسمي، وهو سياسي درزي مقرب من الأطرش، حيث جرى لقاء بين الوفد الصهيوني وسلطان الأطرش. خلال اللقاء، ناقش الطرفان أوضاع الدروز في فلسطين الذين كانوا يواجهون تحديات متزايدة وسط اضطرابات الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939). اقترح الوفد الصهيوني دعمًا اقتصاديًا وتنمويًا لجبل الدروز مقابل تبنّي موقف حيادي تجاه اليهود في فلسطين.

وفي عام 1940، تكررت اللقاءات مع وفد آخر من الوكالة اليهودية، ضم دوف هوز وسلومو ألفيا. الوثائق تشير إلى أن هذه اللقاءات هدفت إلى بحث إمكانيات نقل بعض العائلات الدرزية من فلسطين إلى سوريا كجزء من خطة لإعادة توطينهم، وهو ما كانت الحركة الصهيونية تسعى لتحقيقه لتأمين مناطقها الاستيطانية.

السياق التاريخي للاتصالات

في تلك الفترة، كان العالم العربي يمرّ باضطرابات سياسية كبرى. كانت الثورة الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني والمشروع الصهيوني في أوجها، فيما كانت سوريا تحت السيطرة الفرنسية، وكانت علاقة الدروز بالانتداب الفرنسي تتأرجح بين المقاومة والتفاوض. كما كانت هناك توترات داخلية بين فصائل فلسطينية مختلفة، حيث تعرض بعض الدروز في فلسطين لاتهامات بالخيانة بسبب حيادهم أو تعاون بعضهم مع البريطانيين.

بسبب هذه التعقيدات، حاولت القيادات الصهيونية بناء تحالفات مع بعض الأقليات، بما في ذلك الدروز، لضمان عدم انضمامهم إلى المعسكر المعادي لهم. في هذا السياق، يُفهم سبب سعي الوكالة اليهودية للقاء سلطان الأطرش، الذي كان زعيمًا روحيًا ودينيًا مؤثرًا في أوساط الدروز.

ماذا كانت نتائج هذه اللقاءات؟

رغم أن الوثائق تشير إلى عقد هذه الاجتماعات، إلا أنها لا تثبت بشكل قاطع أن سلطان باشا الأطرش قدّم دعمه للمشروع الصهيوني. بل على العكس، يبدو أن اللقاءات كانت استكشافية أكثر منها اتفاقات رسمية، حيث لم تصدر عن الأطرش أي تصريحات علنية تؤيد الصهيونية أو مشاريعها.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مثل هذه الاتصالات قد أثارت مخاوف في الأوساط القومية العربية لاحقًا، خاصة أن بعض الشخصيات الدرزية في فلسطين تعاونت مع إسرائيل خلال حرب 1948، مما جعل البعض يربط بين هذه الأحداث وبين اللقاءات التي سبقتها.

التفسيرات المحتملة للاتصالات

هناك عدة احتمالات تفسّر قبول سلطان باشا الأطرش استقبال الوفود الصهيونية:

  1. محاولة الحفاظ على حياد الدروز في فلسطين: من الممكن أن الأطرش أراد حماية أبناء طائفته من الصراع المتصاعد بين العرب واليهود.
  2. ممارسة دور الوسيط: ربما كان الهدف من اللقاءات فهم نوايا الطرف الآخر وليس بالضرورة تقديم أي التزامات.
  3. الضغوط السياسية والاقتصادية: جبل الدروز كان يمرّ بظروف اقتصادية صعبة، وقد تكون هذه اللقاءات قد استُخدمت لاستكشاف فرص اقتصادية دون الالتزام بأي تحالف سياسي.

خاتمة

على الرغم من الوثائق التي تؤكد حدوث اللقاءات، إلا أنها لا تثبت أن سلطان باشا الأطرش دعم الحركة الصهيونية أو كان طرفًا في مخططاتها. من الواضح أن اللقاءات كانت في سياق استكشافي، وربما بهدف تأمين وضع الدروز في فلسطين أكثر منها اتفاقًا سياسيًا واضحًا.

لكن بغض النظر عن طبيعة هذه اللقاءات، فإن هذه المعلومات تدعو لإعادة تقييم بعض الجوانب المخفية من التاريخ، وتسليط الضوء على التفاعلات التي جرت خلف الكواليس خلال مرحلة مفصلية من تاريخ المنطقة.

المصادر:

  • أرشيف الوكالة اليهودية، القدس.
  • وثائق الهاغاناه، تل أبيب.
  • يوآف جيلبر، دراسة في مجلة الدراسات الشرق الأوسطية (1992).
  • قيس فرو، كتاب "الدروز في فلسطين وإسرائيل: تحولات العلاقة التاريخية".
  • محمود محارب، "الصهيونية والعرب: دراسة في العلاقات السرية".


أنس هبره

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أنس هبره

تدوينات ذات صلة