العقيدة الدرزية كما وصفها نقولا زيدان تقوم على الباطنية والسرية، مما يثير الشك في كونها رسالة إلهية واضحة وشاملة لكل البشر.
فيما يلي توضيح واستفاضة حول ما ذكره نقولا زيدان في كتابه «الدروز: عقيدة وتاريخ»، مع إعطاء أمثلة تفصيلية، وتوضيح جوانب التشابه أو الاختلاف مع معتقد المسلمين:
📌 1. مفهوم الله عند الدروز وفق نقولا زيدان:
يذكر زيدان أن العقيدة الدرزية تنظر إلى الله كـ «جوهر واحد مطلق لا يمكن فهمه أو إدراكه مباشرة». هذا يعني أن الدروز يرون الله بشكل تجريدي فلسفي، وليس كإله شخصي يمكن التواصل معه بشكل مباشر من خلال الدعاء أو الصلاة.
مثال توضيحي:
يوضح زيدان أنه في مرحلة تاريخية معينة (أثناء الدولة الفاطمية)، اعتقد بعض الدعاة الدروز، وعلى رأسهم حمزة بن علي، أن الخليفة الفاطمي «الحاكم بأمر الله» هو مظهر (تجسيد) للإله على الأرض.
هذا الاعتقاد يُشبه من الناحية النظرية فكرة «تجسد الإله» (incarnation) في بعض الديانات الأخرى.
بالمقابل، فإن المسلمين يرفضون كليًا فكرة تجسد الله أو ظهوره على الأرض بأي شكل، ويرون أن الله هو إله واحد منزَّه عن كل تشبيه وتجسيد أو تمثيل مادي.
مقارنة مع المسلمين:
المسلمون يؤمنون بإله واحد هو الله، لكنهم يرون أنه «ليس كمثله شيء» (الشورى: 11)، أي أن الله لا يمكن تجسيده أو رؤيته في الحياة الدنيا، لكن يُمكن معرفته من خلال أسمائه وصفاته الواضحة في القرآن الكريم.
📌 2. مفهوم النبي عند الدروز وفق نقولا زيدان:
بحسب زيدان، الدروز يعترفون بنبوة محمد ﷺ لكن يختلفون عن في أمور جوهرية:
الدروز يرون أن النبي محمد ﷺ كان خاتمًا للأنبياء فقط بمعنى إيصال مرحلة ظاهرية للرسالة. بعدها تأتي مرحلة الحكمة الباطنية (الفهم العميق الذي لا يعرفه سوى «العقلاء» من الدروز).
يعتقد الدروز أن النبي محمدًا ليس هو الوسيط الوحيد لمعرفة الحقائق الروحية الباطنية.
مثال توضيحي:
بحسب زيدان، فإن النصوص الدرزية (مثل «رسائل الحكمة») تعتبر أن النبي محمد ﷺ قد أوصل الرسالة الظاهرية فقط (الشريعة للعامة)، أما الحكمة «الحقيقية» فكانت محفوظة للدعاة الدروز الذين جاؤوا بعده مثل حمزة بن علي، وبالتالي يعتبرون أن مكانة محمد النبي كوسيط للوحي انتهت بظهور هؤلاء الدعاة.
مقارنة مع المسلمين:
المسلمون يؤمنون أن النبي محمدًا ﷺ هو خاتم الأنبياء بمعنى انتهاء النبوة تمامًا عنده، وأنه لا وحي بعده، وأنه أوصل الرسالة كاملة ظاهرًا وباطنًا، وأن شريعته واضحة للجميع، وليست سرية.
📌 3. كيف وصلت الرسالة عند الدروز وفق نقولا زيدان؟
يوضح زيدان أن الدروز لديهم مفهوم خاص جدًا للوحي:
فهم لا يرون أن الرسالة نزلت من الله بشكل واضح ومباشر من خلال جبريل عليه السلام كما يؤمن المسلمون.
بل يؤمنون أن الرسالة هي «حِكم باطنية» وصلت إلى بعض الأشخاص المختارين (العقلاء)، وأن هذه الحكم كانت مخفية عن عامة الناس، وتحتاج إلى تفسير وتأويل رمزي.
مثال توضيحي:
يقول زيدان إن الدروز يعتبرون أن «رسائل الحكمة» التي كتبها دعاة مثل حمزة بن علي وإسماعيل التميمي والبهاء السموقي ليست نصوصًا سماوية بالمعنى الذي يؤمن به (كالقرآن)، بل هي كشوفات عقلية أو روحانية يختص بها «العقلاء»، ومن هنا جاء كتمانهم للسر، وإخفاء هذه التعاليم عن العامة.
مقارنة مع المسلمين:
يعتقدون أن الوحي نزل من الله بواسطة جبريل على النبي محمد ﷺ، وأنه رسالة واضحة للجميع دون تمييز أو سرية، وأن القرآن الكريم كتاب إلهي كامل غير قابل للتغيير أو التأويل الباطني السرّي.
📌 4. اختلاف الدروز عن في العبادات والممارسات الدينية وفق نقولا زيدان:
يؤكد زيدان أن الدروز لا يمارسون أيًا من العبادات الإسلامية التقليدية (مثل الصلاة، الصيام، الحج، والزكاة):
الدروز يرون أن هذه الطقوس والعبادات ليست مطلوبة منهم، بل أن ما يهم هو معرفة الحقيقة الداخلية أو الروحية.
بدلًا من الصلوات الخمس اليومية مثلًا، لديهم لقاءات خاصة تُعرف بـ «الخلوة» وتقتصر على فئة «العقال» (النخبة من الدروز).
مثال توضيحي:
بحسب زيدان، لا يوجد عند الدروز مساجد أو أماكن عبادة عامة يؤدون فيها الصلوات، ولا يصومون رمضان، ولا يحجون إلى مكة. فهم يرون أن الطقوس الدينية التقليدية انتهت صلاحيتها، وأنها كانت لعامة الناس في مرحلة تاريخية محددة فقط.
مقارنة مع المسلمين:
المسلمون يرون في هذه العبادات أركانًا رئيسية للدين لا يمكن الاستغناء عنها. فالصلاة، الصيام، الزكاة، والحج من ثوابت الإسلام التي لا تقبل الجدل أو الإلغاء أو التأويل الباطني.
هذه التوضيحات والأمثلة من كتابات نقولا زيدان تسلّط الضوء بوضوح على الاختلاف الكبير بين العقيدة الدرزية والعقيدة السنية، وتُبيّن كيف تختلف نظرة الدروز لمفهوم الألوهية والنبي والوحي بشكل عميق وجذري عن الإسلام السنّي. وبناءً على ما ورد في تحليل نقولا زيدان حول العقيدة الدرزية، يمكن تقديم ملخص يبيّن كيف أن الباطنية تؤدي إلى التشكيك في مصداقية الدين، وذلك من منظور منطقي وعقلي، كالتالي:
🔹 ملخص نقدي: مالذي يجعل الباطنية الدين مشكوكًا فيه؟
إن اعتماد العقيدة الدرزية على الباطنية (أي أن الحقائق الدينية لا تُفهم إلا من قبل "العقلاء" فقط، وتُخفى عن عامة الناس) يثير تساؤلات جوهرية حول مصداقية الرسالة نفسها:
📌 الدين الذي يُنزَّل من الله لا يُخفي الحقائق:
إن كان الدين من عند الله، فهو بالضرورة هداية لكل البشر، لا لنخبة محددة.
لا يُعقل أن يرسل الله دينًا لا يستطيع معظم الناس فهمه أو الوصول إليه إلا عبر "وسطاء" خفيين.
📌 الباطنية تُعقّد الحقيقة وتُبهمها:
التعقيد في الدين واحتكار المعرفة الدينية لفئة دون أخرى يفتح الباب واسعًا أمام التحريف وسوء التأويل.
الدين الذي يحتاج إلى شروحات رمزية وغامضة ليُفهم، هو دين قابل للخطأ البشري في كل خطوة، وهذا يتنافى مع عدل الإله.
📌 الله لا يُضلّ الناس برسالة مبهمة:
من غير المنطقي أن يُنزل الله دينًا لا يفهمه إلا القلّة.
لو كانت الحقيقة الدينية في حاجة إلى "تأويل خاص وسري"، فهذا يعني أن الله أخفى عن الناس ما يجب أن يُظهره لهم، وهذا لا يليق بحكمة الإله.
📌 الوحي يجب أن يكون علنيًا، واضحًا، مُتاحًا:
الوحي الحقيقي، كما في الإسلام، يكون موجهًا لكافة البشر، يُقرأ ويُفهم ويُعمل به من الجميع، بدون حاجة إلى رموز أو أسرار.
أما الباطنية، فتجعل الدين أقرب إلى نادي مغلق منه إلى رسالة إلهية.
🔸 الخلاصة:
إذا كان الدين من عند ربّ العالمين، فلا يمكن أن يُبنى على السرية، والرموز، والطبقات الخفية من المعرفة، بل يكون واضحًا، مباشرًا، مُتاحًا للجميع. أما إذا احتاج الإنسان إلى فك شيفرات ورسائل باطنية حتى يهتدي، فحينها يفقد الدين قيمته كدليل واضح، وتزداد فرص الخطأ والتحريف — وهذا بالتأكيد ما لا يريده أي إله عادل حكيم يريد الخير لعباده.
التعليقات