"إنهُ كالبوصلة بالنسبة لِي، وهذه البوصلة تُشير دائمًا إلى فِلسطين"

"إنهُ كالبوصلة بالنسبة لِي، وهذه البوصلة تُشير دائمًا إلى فِلسطين"

هكذا وصفَ ناجي العلي الشَخصية التي ابتكرها في المقابلة التي أجرتها معه الأستاذة الراحلة رضوى عاشور، حَنظلة.. رُبما الكثير منا، بل الكثير جدًا منا تشكّلت لديه الصورة الذهنية لناجي على أنه حنظلة، أو والده، فكانت هذه الشخصية هي السبب في معرفتنا أن في زمانٍ انقضى، عاش هنا مواطنٌ عربيٌ عنيد، يتكلم بجرأة أمام العالم، ويتكلم بوضوح، يُدلي برأيه في الأشياء بلا أي تنميق لهذه الحقائق بالنسبة له، بلا أي التفاف حولها، بوضوحٍ تام، أودى بحياته في النهاية..

لِمن لم يعرف ناجي، فَهو ابن فلسطين، وابن الجَليل وابن المُخيم بعد النكبة.. مُخيم عين الحلوة في لبنان إذ كان عُمره عشر سنوات عندما حلّت النكبة وقلبت حياة الناس رأسًا على عقب، وسَرقت الحب وخَدشت لدى صغارهم بلاهة السؤال، لقد صار ذاك الجيلُ لاجئًا قبل أن يفهم ما يمكن أن تحمله هذه الصفة بالذات، وما الذي سيترتب عَلى اقتلاعهم من البلاد.


عُمر ناجي في ذلك الوقت هو السبب الذي جعله يرسم حنظلة على هيئته هذه، وفي هذا العمر الصغير، فقال: شخصية هذا الطفل الحافي هي رمز طفولتي، أنا تركت فلسطين في هذا السن، ورغم مرور 35 عامًا على رحيلي ما زلتُ فيه.

إن قلب هذا الرسّام خليطٌ بين قهر المواطن على ما فقد، وسخط اللاجئ على حياته الجديدة، فعاش طفولته بين جدران المخيّم، لم يخفَ عنه كل الحزن الذي وشَت به عيون الكبار آنذاك، فيحكي لرضوى بهذا الشأن: أنا ابن مخيم، ونشأت فيه، وكغيري من أبناء المخيم كنت أشعر في الرغبة في التعبير عن نفسي وقهري، فبدأت أرسم.

إن النكبة هكذا، والحروب هكذا، تلد في الناس أشياءً لم يعتادوها، لم تكن تعيش معهم في السابق، ولم تقتسم من أوقاتهم شيئًا، فيما يخص الرسم والكتابة على وجه التحديد، هذه المقدرة تأتي في كثير من الأحيان بالصدفة، كأساليب للتعايش، و لئلا يذهب صوت الشعوب، إنها محاولة الفرد منّا أن يبقى، وليحكي للناس فيما بعد بلا وعي منه أن أحدهم كان هنا.

قال لها في موضع ما شارحًا: أنا منحاز لطبقتي، للفقراء، وأنا لا أتملّق أحدًا، والقضية واضحة ولا تحتمل الاجتهاد.

يجدر بي أن أذكر أن ناجي لم يُسقط لفظ القضية على فلسطين وحدها، فقال في موضع آخر في المقابلة ذاتها: ليس فقط فلسطين بالمعنى الجغرافي، ولكن بالمعنى الإنساني والرمزي، أي القضية العادلة أينما كانت في مصر أو في فيتنام أم في أفريقيا الجنوبية.

رغم أنه كان جريئًا ويتحدث في الكثير من الأمور والقضايا، إلا انه لم يكن راضيًا عن أدائه، كان يشعر بالعجز، يعجز عن توظيف هذه اللغة التعبيرية كما وصفه فهو لا يعتبرها مادة للفكاهة، بل هي قاسية ومستفزة، قال أنه يعتبر نفسه جرّاح بطريقة ما..

مرّت الأيام، ترك ناجي عين الحلوة، وانتقل للعمل في الكويت، وصارَ له مساحة في الجريدة التي عمل بها ليرسم الكاريكاتير ويخاطب الناس، كوّن عائلة ثم استقرّ في لندن، حيث كانت نهايته، وتم اغتياله على يد شخص مجهول بكاتم صوت..

علينا ألا ننسى، لا ناجي ولا غسّان ولا كل من مات لأنه كانَ شجاعًا وقال ما يريد بوجه كل الذين كرهوا ذلك، وأعني كلّهم.. وكل من ماتَ وفي قلبه انتماء لجماعة ما، يشاطرهم أوجاعهم، ويحاول أن يوصل للعالم صوتهم الخائف بغض النظر عن أداته، أم أقول سلاحه؟

سأختم هذا الحديث وأذكركم بقول غسّان.. "تسقط الأجساد لا الفكرة"

المعلومات موثوقة، والمراجع تجدونها في يوتيوب، وفي كتاب رضوى عاشور "لكل المقهورين أجنحة، في جزء مقابلة ناجي في الكتاب"



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

💜💜💜

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة