حكايا غيرُ قابلةٍ لِلتّلخيص، سَيُرهقك التفكير في مدى حقيقيّتها، أو حتى حقيقيّة أصحابِها، سَتُرهقكَ محاولاتُ تعيِينها بِالكلام .
الطنطورية .
حَكايا متشابِكة من الجّرأة والنّدرة، تحملك مسافرًا بِخفة على جناحِ صفحاتها، تمرّ بِك عبر أربعة أجيالٍ من التاريخ والعذابات والصّمود، واللغة والأغاني والأهازيج، والرموز، وما جرى لِأهل قرى البلاد من نزوحٍ وبطشٍ وتطهيرٍ عرقيٍّ وتقتِيل .
ما النّكبة؟ وخسارة الوطن؟ ما اللّجوء على أرضِ الوطن نفسِه؟ واللّجوء إلى سِواه؟
هرمٌ من حكايا النّاس، لا حكايةَ رقيّة ووالديْها، أولادها وأحفادها فَحسب، حكايا غيرُ قابلةٍ لِلتّلخيص، سَيُرهقك التفكير في مدى حقيقيّتها، أو حتى حقيقيّة أصحابِها، سَتُرهقكَ محاولاتُ تعيِينها بِالكلام .
أتطلّع في تفاصيل الحكاية، أحداثها، أصحابها، أتملّاها، هل تختلفُ تفاصيلها عما نعيشه الآن؟ أنتقل في غمضةِ عينٍ من خيالٍ غاصّ بِالطّنطورية إلى واقعِنا هنا، لا اختلافات، تتشابهُ الأحداث حدّ التطابق، دون أن تُعطِي اعتبارًا لِفارقِ العُمر بينها، بدءًا من ميلادِ عائلة رقيّة -١٩٠٨- حتّى عامنا هذا، أسبحُ في تساؤلاتٍ تتعبني إجاباتها، وأحتمِل، ولكن، لمَ لمْ يجمعني خيالي المُسافر لِلطّنطورية بِرُقيّة حتى الآن، بِالصّادق وأبو الصّادق وحسن، بِهيبة العم أبو الأمين مُنتصبًا أمامِي بِطولهِ وقامتِه؟ لِمَ لمْ يجمعني بِوصال وعبد الرحمن؟
أقفِز من سهوتِي، هذا ليس خيالًا، هذه ليست الطّنطورية، ولا لبنان، ليست الإسكندرية ولا أبو ظبي، ولا اليونان حتى، ورُقيّة ليست هنا! لم أسافر معها مرورًا بِهذه البُلدان، ومفتاح البلاد لازال محملِقًا بِخيطٍ غليظٍ حول رقبتها! هذه غزة، وكلّ التفاصيل هنا واقعيّة، ما حدث فيها يوم كذا، وكم شهيدٍ راح في مجزرة كذا، وأيّ مدينة داهموا تلك الليلة، أيّ مشفىً حاصروا، وكم شابٍّ اعتقلوا وعذّبوا! هذه غزة -لا الطّنطورية- التي نعيش أيّامنا فيها بِأمّ قلوبنا، نواجِهها، نحفظها في ذاكرتِنا التي تُغالبنا ونُغالبها، كأنّنا في حلبةِ مُصارعة !
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات