قالت أبو عاقلة: " . ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم...أنا شيرين أبو عاقلة"

"في الطريق إلى جنين".. هذا آخر ما كتبته شرين أبو عاقلة _ صحفية لقناة الجزيرة_ على صفحتها في "فيسبوك" قبل يومين، وأرفقت صورة تظهر طريق سيرها، وكانت قطرات من المطر تتساقط على زجاج السيارة لحظة التقاطها الصورة، وعادت صبيحة أمس لنقل الأحداث من منطقة الجابريات بين مخيم جنين وقرية برقين غربي مدينة جنين، لنقل أحداث اقتحام جنود الاحتلال المدجَّجين بالسلاح للمنطقة، لكنها غفلت على أنها الحدث والخبر لذاك اليوم .

من قال ان المقاومة بالسلاح ، كلٌ منا يقاوم بطريقته بأدواته بالقلم بالصورة بالكلمة وبالإشارة ، شرين تلك الامرأة التي يصدح صوتها بترنيمة غنية عن التعريف في ختامها لرسالتها الميدانية "شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، فلسطين"، فقد كانت هذه المرة هي الخبر العاجل، إذ ظهرت مسجية بدمائها من قلب الحدث، في إثر رصاصة قناص إسرائيلي غادِر اخترقت خوذتها الصحفية، ينعاها المذيع شهيدةً برصاص الاحتلال في أثناء تغطيتها اقتحام قواته جنين شمالي الضفة الغربية.

وفي عالم حكمه صوت الرصاص، أصبحت كلمة الحق فريسة المستعمر في كل الأرجاء، يتلذذ بالفتك بها مهما كلفه الأمر. طلقة واحدة تمكنه من هدفه، تقربه من حلمه في السيادة وتحصد أرواحًا لم تطمح إلا للحرية، والمؤسف أن تكون الحرية التي قاتل من أجلها أطهر شعوب العالم، هي قاتلهم الأول دون رحمة! وكأنها أبرمت اتفاقًا مع الخراب وعاهدت العدو على محاربة أصحاب الأرض والعرض، ليواجهوا طلقات الرصاص بأصوات لم تخف لومة لائم، ولكن الرصاص تمكن من إتمام مهمته على أكمل وجه!

الرصاصة ذاتها غائرة في قلب كل فلسطيني ، أصابتنا جميعا يا شرين ،الرصاصة التي أصابت رأس شيرين اخترقت قلوبنا و أوجعتنا كثيرا، لتذكرنا بعجزنا أمام اللاعدالة، "شهيدة الصحافة".. التي لم تبخل بصوتها في إنقاذ تراب الوطن من قبضة المستعمر، لم تخف وتتراجع عن كشف فسادهم و خططهم الشيطانية، فلم يجدوا إلا أن يتخلصوا منها بالقتل والفرار كالجرذان، ولكنه دليل على نجاحها في زحزحة أمنهم، أظهر الوجه الخبيث وأطاح بنظرتهم المتعالية بما يملكونه من أسلحة دمار شامل، ولكن مهلًا.. فإن تمكن بطشهم من محو أقوى جيوش الكون، فلن يقوى على سحق من تسلحوا بالإيمان في يوم العودة للديار.

لم تنتهِ الملحمة ولم تخفت طبول الدفاع، فينضم الأبطال لقوافل الشهداء يومًا بعد يوم، دون ذرة تعب أو يأس واستسلام، ومع كل شهيد يسقط، تسمو درجات المقاومة أمام الصمت اللعين، صمت الشعوب العربية الذي فتح الأبواب لدخول كيان مخادع استحل حُرمة الأرض وشعبها الأبي، وصمت يظهر مدى جُبن الدخلاء، فلا حُجة لهم ليحاربوا بها، ولا منطق يسمح لهم بممارسة حقهم دون الدخول في حروب لا معنى لها، فتخرس ألسنتهم وتُثرثر أسلحتهم، وهم في ذلك أول الخاسرين ولو يعلموا، لينقلب عليهم التاريخ ويفسح الطريق لأرواح واجهت دون تردد، دون الاكتراث بغريزة الإنسان في البقاء، فلا بقاء بعد زوال الوطن، ولا حياة بعد موت الحقيقة.

كان شرفا لنا أن نتقاطع معك في زمن واحد ودنيا واحدة، شرف لنا أن تكوني رمزا وقدوة لنا، شيرين التي كرست حياتها رسالة إنسانية سامية، التي كانت صوت الحقيقية المباشر لقضية إنسانية عادلة على مدار ثلاثة عقود، كانت خاتمة حياتها تجسيدا لتفاصيل حروف نطقتها يوما _ أقتبس كلماتها حين قالت: "ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم"




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

الرصاصة كانت في قلوبنا وليس في رأس شرين😢😢

إقرأ المزيد من تدوينات ايه ابراهيم

تدوينات ذات صلة