من رشّة ملح بحري على كورنيش الشارقة إلى رشّة فلفل اسكندراني محكوم بالزحام على جسر عجمان
أحاول أن أدلّلك يا عايده.. ها أنا أكتب لك من آرك كافيه في الشارقة – خدعة أن يحتاج مكانٌ جميلٌ إلى خيال خارج حدود عجمان. عندما رأت ابنتي جنى حقيبة الحاسب الآلي على ظهري ابتسمت وقالت: ماما، أنتِ ذاهبة لمكان هادئ لتكتبي، أليس كذلك؟ أومأت برأسي، ذكيّة يا حبيبتي.. أجل، أنا خارجة لأكتب.. وها هي عائلة مكونة من أب وأم وثلاثة بنات أصغرهن تجلس على الكرسيّ الهزاز أمامي وتغنّي بلا انقطاع! تركتُ بناتي الثلاث في البيت، لأحظى بثلاثٍ مزعجاتٍ هنا، ولا يمكنني إسكاتهن بدعوى الكتابة، إنها سخرية الحياة!
إنه الأسبوع الأخير من ديسمبر، وأسعدني أن كلّ واحدةٍ منّا حظيت بحصّتها من جمعاتِ الأهل والأحبة. زرتُ رأس الخيمة عدّة مرات في الأسبوعين الماضيين، وتباركَتْ عجمان بمرور والدي ووالدتي إليها في زيارةٍ عرضية لطبيب الأسنان انتهت بإصراري على مرورهم بي. شاهدنا جميعا الفيلم الفلسطيني (حجر سليمان) – الذي أجهّز له قراءة هذه الأيام – وكانت مشاهدته بمثابة (لمبة) اشتغلت فوق دماغ سمر ابنة أخي بسام. جيلٌ يهربُ من ذاكرته،. إلى ذاكرته!
تعرفين يا عايده.. (تحسّبًا)، ليست لطيفةً دائمًا.. أحبّ المفاجآت، أحبّ اللا مُنتَظَرَ واللا محسوب، لا أحبّ الحَذَر! وأريد لدماغي أن يخبط في الحيط على مبدأ اللوحة التي كنتُ أعلّقها على جدار مكتبي – سواءً أثناء عملي في الجامعة أو في اقتصادية رأس الخيمة (Bang Head Here). ليسَ خطأ أنّك بحثتِ عن ملخّص بيتِ الدّمية لتجيبي، نحن المتحرّقات شوقًا لإنعاش الروح والقلب. لكلّ واحدةٍ منّا مفتاحها، لكلّ واحدةٍ منّا طريقتها في معالجة الأمور، وليس ذلك أبدًا ضعفًا ولا قلّة ثقة. يمكننا أن نقول (لا)، بالطريقة التي تناسبنا.. بالجزمة، بتكسير الصحون، وأحيانًا.. نظرةٌ ذات مغزى، تكفي وتزيد.
أتدرين ما يرهق تفكيري ويؤرقني هذه الأيام، ليس ما عليّ أن أفعلهُ بي، بل ما عليّ أن أفعله لأجعل حياة بناتي غنيّة.. القيمة المضافة في البيت والمدرسة والحياة عمومًا. هل أترك الحياة تربّيهن كما ربتني أنا آخر العنقود التي كانت تلتقط حياتها من فتاتٍ يتبقّى من سبعةِ أخوةٍ لكلّ واحدٍ منهم عالمه الذي يحمله ويمضي على أول طائرة بمجرد أن يبلغ الثامنة عشرة! أريد أن أعلمهن القراءة بارتشاف الكلمات والتّلذذ بطعم الحروف، والموسيقى، والرّقص، والتّأمل، والسّؤال، وحب المغامرة، والاكتشاف، و....
العالم يتحوّل إلى ماديّ مقيت يا عايده.. عندما يكون خيال جنى متعلقّا بـ: عندما أكبر أريد أن أقود سيّارة لي وسآخذ صديقاتي إلى المول، وأشتري كلّ ما أريد مثلما يشتري لنا بابا الآن! هذا خيالٌ محدود جدًّا. هل كنّا نتخيل مثل ذلك؟ ماذا كانت أمنية طفولتك يا عايده؟ صحيح أن البنات تبني لي عوالم من الكتب في لعبة ماين كرافت، وتتباهى كلّ واحدةٍ بضخامة ما بنَت لي من صروح (عِلم ومعرفة)، لكن ماذا عن الدّاخل؟ هل تتسلل الكتبُ إليهن.. أم أنهنّ يكدّسنها لا أكثر!
ليس عليهنّ أن يكنّ نسخةً عنّي.. لكل واحدةٍ منهنّ هواها. رجائي أن يكمن العُمق في هذا الهوى، لا التفاهة والسطحية. هناك فرقٌ شاسعٌ بين أن نبحثَ عن حُبّ، وأن نبحث عن حبيب. تفهمينني يا عايده.صحيح، إن بناتي يعرفن فريدا كاهلو، قصصتُ قصّتها عليهن، مع فان جوخ، وفدوى طوقان، وآخرين. أمّا مؤخرًا، قال لي أبي – بإيعازٍ من اللي بالي بالك – مشيرًا إلى حقيبتي المرسوم عليها وجه فريدا كاهلو: ما هذا يا بابا؟ لماذا تضعين وجه امرأةٍ على حقيبتك! ما هذا الكلام الفاضي؟ جاوبته نور: هذه ليست امرأة، إنها فريدا كاهلو.....!!
(التّتمة.. يمكنك تخمينها)
سأختم رسالتي هنا، لأستمتع بنسيم البحر مع عمليات البناء والتطوير المستمرة على شارع كورنيش الشارقة الذي يذكّرك بالإسكندرية.
ملاحظة: يبيعون في الكافية مربى البصل بالقهوة.. جربّت طعمه على طرف لساني، أفكّر أن أهديك علبة!
ملاحظة 2: اقتنيت مفكّرة صفية (أنت علامتك) لبداية سنة جديدة مختلفة.. وأهديتُ نسختين لسمر ومروة، لن أهديك نسخة.. خلصت ميزانيتي، وتبقى القليل فقط لطلبات نيل وفرات.. دبّري حالك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
ههههه خطيرررررة