قصة قصيرة عن شاب مريض بمرض العُصاب وهو مرض نفسي من أمراض الخوف..
اليوم كان شاقٌّ جدًا؛ عليَّ الذهاب للاستحمام.الماء ينصبُّ من مصدره لينسكِب على رأسي فينساب لينسلُّ إلى خِصالي لأسدِلُ جفنيِّي إكراهًا؛ لطالما لا أحب الظلام أبدًا..لا أخاف منه لكن لا أألَفَه؛ أشعر فيه بالوحشة، عدم الأمان..ربما العجز أو الإحباط.الماء يرطم أجفاني، لطالما أخاف على عينيِّ؛ لطالما ضَعُفا.الظلامُ دامسٌ هنا..العالَم يقذِف بكُتَلِ سوادِه أمامي وخلفي بل تخترقني! وتنكبُّ عليَّ إلى جوار الماء.ضوءٌ ينبَعِثُ في كَبِدِ الظلام، يشعُّ ليدفعني للخلف مشدوهًا!ما الذي حدث؟ كيف أتى النور إلى داخل جفني؟ولَّيتُ من الحمَّامِ ألهَثُ مُحتميًا بضوء الخارج من ضوء الظلام!ماذا يجري؟ هل هناك أمرٌ خطير؟أنا كثير الذُعر لِمَ تتوالى على رأسي المخاوف!أحاولُ ألّا أُغمِض عيني..الظلام ليس كالمعتاد وأنا أخاف غير المعتاد.هل أرتعش من الفزع أم من قرص هواء المنزل في جسدي الذي نسيت تغطيته أو حتّى تجفيفه!ارتديت الملابس بينما في ظلام صدر القميص اشتعل الضوء مرةً أخرى لكن لا أعلم لِمَ لم أُشدَه!عظيم؛ كنت لا أحب الظلام والآن أصبحت لا أحب الظلام ونقيضه!عودًا إلى خريف ما قبل ثمانِ سنواتٍ جعل بصري ينقشعُ رويدًا رويدًا..لا أدري لماذا؟لكنَّهُ ابتلاءٌ تأقلمتُ معهُ بعد سلسلةٍ صلبة من الفزع انفكَّت قبل قليلٍ من الشهور حين وصلت عمرًا ثَبَت فيه مقدار بصري الواهن.استكان عقلي قبل شهور لكن لا مؤشر بمزيدٍ من الاستكانة..أشعُرُ بالخوف وكثير من الاحتمالاتِ تدّارءُ في رأسي، أينَ أمِّي التي كنتُ أهرَعُ إليها في صغائرُ فزعي؟لا بأس، سيكونُ كل شيءٍ على ما يرُام..لكنِّي أخاف الإغماض!ساعدني يا الله، غصَّةٌ في قولوني تطلب فكّ أسر الطعام النحيل من سجن معدتي..لا أذكر آخر مرة...بل تذكرت:أكلت قبل عشرة ساعات قبل الخروج من المنزل.خرجت رغم أنها العطلة، لم أكن أعلم لأين أذهب لكن سرعان ما دَبَّرَت لي سَكينة نظراتي للطرقات وجهتي فتنزهت مع أصدقائي وباشرت عضويتي في الجمعية الخيرية حجةً لإضاعة الوقت بينما كُسِرَت نظارتي عصرًا وأقلتها للتصليح وهي لم تعد إلى الآن ومن ثم أويت لسيارة أجرة تعينني على العودة نظرًا لتواضع عينيّ-أبدو لنفسي متواضعًا حين أصف عيناي بالتواضع لأنها أقل من ذلك-لا أحدَ هنا..أمي وأبي ذهبا ليعوِّضا رفاهيتهما المفقودة منذ عهود في إحدى الشواطئ على حساب الاكتراث لي."اعتمد على نفسك وأوقف هذا القلق والتقاعص!" كذلك قالت أمي قبل ذهابها..لا أعلم لماذا تبَدَّدَ حنانها!أبي! لن أذكر عنه شيئًا لأنه في الحقيقة لا يذكُرني حاضرًا أو مدبرًا.أفكر بصوتٍ مسموع لتشتيت خوفي...خوفي الفاشي الذي لا أدري هدفه أو منشأه.الكوب انكسر!:تبًا! تبًا، ماذا يحدث..صرخت وانتفضت فوق انتفاضي عند انزلاقه.ششش..لا بأس..هناك كعكةً في الثلاجة؛ لا حاجة لعصيرٍ في كوبٍ ينزلق فأنفزع.دوارٌ قليل؛ هل سأصاب بإغماء؟ ماذا يحدث هل هناك شيءٌ خطير لا أعلمه عن جسدي؟لكن مهلًا! أذكر أنني قد أغمضت عيني أكثر من مرة ولم يشع ذلك النور! هل الأمر كان خيالًا! قطعة من الكعكة ثم نومٌ بلا إذن..لكن مهلًا إذنٌ مِن مَن؟ من أعضائي التي تعصِني وتنشُب التمرد؟آه..هل سأستيقظ لأتقيَّء؟ كلّا الغريزة أقوى من المرض.الغبطة تأتي على جناح السرعة وهذا ليس مؤشر خير ؛ ما يأتي بسرعة يزول بسرعة!لكن الرغبة الفطرية أقوى من الرغبة المكروهه؛ سأستسلم للفرح علَّهُ لا يزول..أعلم أن هذه أمنية خيالية..حتمًا سيزول مع إتيان ذلك الضوء!يشع مرةً أخرى لكن لا أعلم! انفعالاتي مُستَهلَكة.شيءٌ ما بداخلي يتوعَّد برجوع انفعالاتي أنشط مما سبق ويقابلهُ رغبة النوم تُقَبِّل قدمه، ما أنا فيه الآن ليس نوم إنه أشبه بالإغماءة:إنصاتٌ لداخلي مع استجابةٍ صِفريَّة.مهلًا هل أنا في إغماءة!يوقظني الهلع مُستخدمًا آخر قطرات الطاقة بداخلي لأنتفض من السرير أُرائي ضلعي الذي يُخيَّل إليَّ أنني أراه يتحرك من تسارع نبضاته، ثم نومٌ بلا أي نِقاش بل حتى صُمِمتُ عن الإنصات لداخلي.أيقظتني أمي وقد علا وجهها بعض القلق والاندهاش:- هل كُنت نائمًا؟- ألم يتضح ذلك؟- صراحةً لا!- متى عُدتي؟- منذ ساعة، منذ متى وأنت نائم؟- لا أدري لكن على الأرجح منذ وقتٍ طويل.- حسنًا، انهض لقد افتقدكَ أبوك.- حقا! -يستهزيء-- انهض فحسب.- انتظري.- ماذا؟- لماذا قلتي أنه لم يتضح عليَّ أنني نائم؟- لا شيء، لا تقلق تذكرت أن هذا طبيعيًّا.- ما هو!- منذُ أن كُنتَ صغيرًا..لكن مهلًا!- ماذا!- أعطني عناق؛ أشعُر أنني افتقدتك!- غريب!- أنني افتقدتك؟- لا ليس غريبًا أن تفتقدينني أبدًا لكن الغريب أنكِ طلبتي عناقي في منتصف الحديث وليس أوَّله!- رُبما نسيت!- عائلة مجنونة.- هل ستعانق أمك أم أرحل؟عانقتها بينما رجفة استغراب تحول بيننا لكن..أحب أمي.- هيا أكملي.- منذ أن كنت صغيرًا كُنت تُعاني من شيء يُمسى العين الغزلانية:تنام بنصف أعين مفتوحة ولم نواجه مشاكل أو مخاوف بشأن هذا..لكن حينما كبِرت وضَعُف نظرك وجدنا أنك لازلت تنام بأعين شبه مفتوحة بالكامل وهذا يُسمى العين الأرنبية.- حظيرة في عينيّ.- فلاح مثل أبيك، يجب أن نذهب لزيارة الطبيب غدًا.- لماذا؟ -اصطنع عدم القلق-- لنطمئن على عينيك فحسب.رأيت أبي وجلست معه حيث زال مقتي وزُرتُ الطبيب وتبيَّن أن النور الذي يشع خلسةً بين ظلام إغماضي هو ضررٌ في شبكيتي..لكن القلق لم يزُل.أنا هنا منتظر إما الشفاء وإما العَمى لكن ما لم يشخصونه في الحقيقة أني مريضٌ بالعُصاب وهذا ما لا أعلمه أيضًا لكن الكاتب هو من يعلم ولكن يُصرُّ على ألّا يكتبه-ربما لا يُريد إخافتي- تمنوا لي الشفاء.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات