اعترافات خائنة ؛ تحمل خبايا غير ظاهرة خلف شبح الإعتراف.

ككل مساء يوم، حملت قلمي الأسود المرخم، وفتحت مذكرتي السوداء، وبدأت أخط عبارات عشوائية وأخرى ثابتة. وضعت القلم على حافة الورقة البيضاء لتتبعثر كلماتي وأحرفي وسط نسيم خفيف يمر عبر النافذة. لتقف خواطري جامدة أمام تبعثري؛ أمام اندهاشتي الكبرى. اندهاشة جرتني نحو متاهة عظيمة؛ لتتسابق الأفكار إلى دماغي، ولتختلط الأحاسيس داخل قلبي، أحاسيس من خوف ودهشة وكبرياء مثقل بفرضيات عديدة، أغلبها فقدان شغف الكتابة والإعتراف.


ككل مساء يوم حملت قلمي، لأعبر عن ما يخالجني ويسعدني؛ يتعبني أو يرهقني، فوجدت أنني عاجزة تماما على أن أكتب ولو حرفا واحدا. عاجزة عن التعبير والبوح، أحسست كما لو أن شعلة الكتابة داخل قلبي انطفأت للأبد، كما لو أن الزمن توقف؛ وتركني داخل دوامة قاتلة، تقودني نحو السراب المحتم والوهم القاتل، كنت كمن يمسك قلما لأول مرة ولا يعلم ماذا يصنع به، كرضيع يرى المشي والكلام كشيء مستحيل. لا أعلم ما حدث لي، لبرهة أحسست بأنني لا أتنفس بعد أن كانت الإعترافات والكلمات أوكسجيني المخدر. سألت نفسي: هل سأفقد شغفي في الكتابة، هل سأعدم حروفي وكلماتي، هل قلمي وصل إلى النهاية و هل وصلنا إلى نهاية الطريق بيننا؟... بعد حصة من الأسئلة المخيفة؛ واندهاشة عظمى وسط شعور بالفقدان والضياع، لملمت ما بقي مني؛ وتنفست الصعداء وأعدت حمل القلم المرخم،أمسكت به بقوة، أحسست به يعتصر ما بين أصابعي؛أحسسته وكأنه يشفق على حالي؛ ويحاول أن يطمئنني ويبعث أملا داخل أنفاسي المتقطعة ودقات قلبي المرتبكة. حملته بخوف من أن يضيع مني،كامرأة تحمل جنينها وسط زحام قاتل خوفا عليه من النسيم والسراب .


حملت قلمي وأغمضت عيني، وبدأت في الخط، استسلمت لإرادته في البوح والكتابة، تركت نفسي له ليعبر عن كل ما يريد بكل حرية دون أن أقيده بانتقادات وأحكام. منحته حق التصرف في ملكية قلبي ومذكرتي السوداء، منحته الحرية التامة في التعبير حتى ينفذ مداده. لم أقمعه كعادتي؛ لم أفرض عليه لا نقاطا ولا همزات، لا فواصل ولا علامات استفهام؛ حتى نقاط التتمة تجاهلها، وكأنه يريد أن يكمل الطريق ويوضح حقيقة ما تدور بداخله، كأنه يريد أن يعترف بأنني كنت أقيده وأحبسه داخل دائرة قوانين حتمية ومصيرية؛تجره نحو القاع السحيق الذي يدفن فيه كل ما لا أسمح له بالبوح به.

ككل مساء يوم،حملت قلمي وصفحة مذكرتي البيضاء؛ ليعترف باسما،أنه سعيد وممتن، لأنني منحته السلطة لأن يعترف دون خوف مني ودون أن يكون ملزما للتبرير والتفسير. ليعترف لي أنه سيضم حقيقة كبرى لصفحتي البيضاء رغم أنها تحمل عبارات مشتتة وأفكارا تشبه أحلام اليقظة. لأول مرة أكون أنا المستمع وقلمي هو المتحدث،هو يعترف وأنا أنصت بتمعن وذهول عميقين.

إقرأ المزيد من تدوينات زينب الكامل

تدوينات ذات صلة