في الخلوة تتكشّف الأسرار، و يعلو صوت الحق من داخل الإنسان، فهلمّوا إلى خلوة.

يقول الدكتور مصطفى محمود: "و اللحظة الأخرى الصادقة هي لحظة الخلوة مع النفس، حينما يبدأ ذلك الحديث السري، ذلك الحوار الداخلي، تلك المكالمه الإنفرادية حيث يصغي الواحد إلى نفسه، دون أن يخشى أذناً أخرى تتلصص على الخط، ذلك الإفضاء و الإفشاء و الإعتراف و الطرح الصريح من الأعماق إلى سطح الوعي، في محاولة مخلصة للفهم، و هي لحظه من أثمن اللحظات..

إننا نكتشف ساعتها أننا عشنا عمرنا من أجل هذة اللحظة، و قد تأتي تلك اللحظة في العمر مرة ً، فتكون قيمتها بالعمر كله، أما إذا تأخرت و لم تأت إلا ساعة الموت، فقد ضاع العمر دون معنى و دون حكمة .. وأ كلته الأكاذيب .."

إنَ معرفة الإنسان لنفسه ظلَ لغزًا كبيرًا، و حوارًا جودلَ مرارًا بين الفلاسفة والعُلماء، وإنّ ما أحرزه من تقدّم في جميع مناحي الحياة المادّية - على عظمه و أهميته وفائدته-، أبعده شيئًا فشيئًا عن نفسه، فكانها تظهر هنا علاقة طردية بارتباط الإنسان بكلّ ما هو ماديّ و غربته عن نفسه، إذ لا عجب أن تكون علاقة الإنسان ابن الصحراء بنفسه أشد قربًا من ابن المدينة؛ فالأول -وإن كَثُرت مشاغله-، فإنه سيجد حتمًا وقتًا يختلي بنفسه، و بين عتاب، ورجاء، وحزن، و مناجاة لربه، يشتدّ رباطه بنفسه ويصبح أقرب إليها، و أعلم َبمواطن الخير والشر فيها، و أمّا الآخر، فهو دائم الانشغال بما هو خارج، ودائم التناسي لمَا هو داخل، فكل يومٍ هو بين ألف وألف منشورٍ "فيسبوكي"، وألف ألف إعلان، وألف وألف خبر.

فطوبى لمَن وجد ساعةً يختلي بنفسه، فيبحر في بحارها، ويفتحُ بعض كتبها، ويبكي على ما أذنبت، ويمسح عليها، ويكلّمها، ويلاطفها،حتى تستقرّ "وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ"، في حنايا قلبه ، وحشاياه، و سلامٌ على القلّة الّتي أعطت نفسها حقّها فتدارستها، وعلى مَن وجدوا في الخلوة إلهامًا، فألّفوا واخترعوا وأنشأوا، وعلى نبيّ الله و رسوله محمد -صلَى الله عليه وسلَم_ حين ترك قومه وما يفعلون، ليبدأ في خلواته، يتفكّر ويتأمّل ويمحّص ما يرى، حتى شاء الله أن يُبعث آخر الرسل، فإذا هو الحقّ وهم على ضلالة، وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى.



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

@yaser Hroosh
شكرا لكم.

إقرأ المزيد من تدوينات تولين طالب

تدوينات ذات صلة