كثيرةٌ جدّاً هي الأشياء التي يمرّ بها الإنسان، تصنعه وتصندده وتقوّيه لكن ما يتذكره منها قليل لأسباب عديدة، كأن لا يدرك قيمتها أو معناها.


أؤمن أن الأصل في طبيعة الإنسان أنه كائن اجتماعي

يحاول دائماً أن يشارك و يثبت وجوده وكيانه من خلال المجموعة،

بترؤّسها أو أن يكونَ جزءاً منها..

على أيّة حال

طوال السنوات الماضية، وعلى وجه التحديد منذ أن أدركت بأنني واعّ، وأنا أحاول أن أفهم الحياة بشكل أكبر من خلال الخوض بأكبر قدر من التجارب التي يمكن أن اتعرض لها في البيئة والوسط الاجتماعي

الذي أعيش فيه

خلال العمل والتفكير، والتعلم والدراسة الخ..

والكثير من الأمور الحياتية، كي أستطيع أن أمرّن نفسي أكثر على حلّ المشاكل والإجابة على أكبر قدرٍ من الأسئلة..

ولا أخصُّ منحى معيّناً هنا.. ولكنني أتحدّث بالعموم

ربما تكون تلك الطريقة في العيش مهلكة، ولكن الهلاك محتومٌ.. ونحن نقرر الطريقة فقط..

في مرحلةٍ معيّنة أصبحت أشكك بكلّ أمرٍ يحدُث وأراه،

وأعيشه وأسمع عنه..

ومنذ ذلك الحين وحتّى هذه اللحظة لا أعرفُ الخروج من هذه الثقب الأسود..

اللعين، يحاول ان يبتلع كلّ شيء.

أتحدث نيابة عن نفسي التي أعمل على بنائها، وليس عن شخصٍ أو مجموعة،

وأحتفظ بما سأكتبه أيضاً لنفسي بعد سنوات، قد أكونُ مخطئاً ولم أنضج بعد..

لذلك ليس إدّعاءً لفهمٍ كبيرٍ للحياة، ولكن محاولةٌ لإنقاذ الذات، أكتب.. ليس لأحد.

المثالية..

الشيء الذي دائماً ما يطلبه الإنسانُ،

أذكر أنني كتبت ذات مرّة, أن الإنسان يسعى دوماً للبحث عن الجنّة في الأرض..

أي في المكانِ الخاطئ تماماً.

لا يهُمّ ما تعتقده، وما تؤمن به من دينٍ أو إلحاد

المهمّ أن النتيجة واحدة.

لكل شخصٍ على وجه الأرض مأساة يجب أن يمرّ بها

وهي متساويةٌ بين الجميع

لأوضح الفكرةَ أكثر..

قد تجد أحدهم حزيناً على شيء تراهُ تافهاً

حبيبةٍ فارقته، موت حيوانه الأليف،

ضياعِ دفتره، رسوبه في الامتحان

وآخرَ ربما لسبب أنت تراهُ كبيراً،

وفاة والدته مثلاً،

ما الفرق؟

إن الجميع توزّع عليه هذه المآسي بمقادير تتناسب مع حجمها..

لا تستطيع أبداً التقليل من شأن هذه المعاناة

والتغاضي عن حقيقة أنك انت وهو تعيشان في نفس الحياة وتحت ظل نفس القوانين،

لكن النتائج تختلف بحسب ردة فعل هذا الشخص مع تلك المأساة، أو الحزن.

في إحدى المرات كنت أحضّرُ لامتحان معين، وأنا متوتر وأعيش لحظاتٍ حاسمة،

بينما أقلّب في هاتفي على الإنترنت رأيت أحد معارفي يعبر عن حزنه الشديد لفراقه عن حبيبته

(التي لم يكد أن يمضي أسبوع وهو يتكلّم معها)،

فضحكت واستهزأت بموقفه مقارنةً بما أعيشه الآن، وبعد برهةٍ أدركت أنني ارتكبتُ حماقة

كيف لي أن أحكم على أن ما أعيشه أسمى وأعلى مما هو فيه؟..

غير أنني وضعته في قالبٍ فيه حكمي هو السائد

وانتصاري محتّم

ما الذي يفسر إقدامَ بعض الأغنياء على الانتحار؟

وأغلب الفقراء على العيشِ بسلام، بل وربما أكثر سعادة..

ردّ الفعل والتفكير، هما ما يحددان النتيجة دائماً..

ومما يساعد على إقدامِ النفس أكثر على طلب الكمال في العيش، هو اعتناق دينِ التقليد والمقارنة

ومايعزز ذلك الدين هو مواقع التواصل الاجتماعي

التي تعمل بطريقة تعاكس اسمها تماماً،

ففيها لا مكان لتبادل النظرات، وسماع الصوت، والنبرات، وتناغم الحركات

وبحكم اختصاصي حاليا في مواقع التواصل أدرك ذلك جيّداً..

إن السعي للمثالية هو شيء لا ينفك عن طبيعة الإنسان،

ولست في حديثي أنكر ذلك،

ولكنني بتّ أشمئز من الطرق التي نتّبعها الآن لتحقيق هذه الغاية.. أو السعي ورائها أبداً..

ما العلاقة بين المثالية والحزن؟

المقارنة.. هو الوحشُ الذي ينقضّ على علاقة الإنسان بنفسه..

ففيه يجلد ذاته بشكلٍ فظيع ولو أنه يقدّم أقصى مجهودٍ يستطيعه..

-جميعنا يمرّ بنفس درجاتِ المعاناة، علينا أن نكونَ أكثر عدلاً ونحن نتعايش.. كي نعيش.

علاقة النفس بالجتمع، والأنانية

سواءٌ أنكرنا أم لا، لا مفرّ من حقيقة اننا نتأثر بالمحيط،

والبيئة،

لازلنا نتحدث في المثالية

إن أهم أداةٍ يجبُ أن يعيد استخدامها الإنسان هي الأنانية،

بمعنى أن تعلم جيّداً أنك مخلوقٌ وموجودٌ لنفسك،

مع إدراكك بأنك مرتبط بالمجتمع وبمن حولك ارتباطاً وثيقاً

يأتي الطفلُ إلى هذه الحياة حاملاً الصفات الفطرية التي يجب أن يعيش بها،

قبل تدخل العائلة

فيبكي إن أخذ أحد ما شيء يملكه

أو أحسّ بأنه مظلوم، أو أرادَ شيئاً ما ولم يحصل عليه..

الأنانية

من هنا كان يجب أن يتعلّم مع كبره كيف يبقي هذه الفطرة.. ويستخدمها بطرق أفضل، لكنّه صارَ يتخلص منها ويربّي ضميراً يجعُل منه أداةً في يد المستغلين..

تحت بندِ الإيثارِ والمحبة، ودونَ أن يكونَ راضياً من داخله، بل ينتظرُ منّاً إلهيّاً ردّاً (لجميله)..

إن غطاء الكماليات الذي دائماً ما نحاول أن نلبسه كي نخفي عيوبنا هو شفّافٌ تماماً،

ليس خطأً أن نكون طبيعيين، نحبّ لأنفسنا.. ما نحبّ لغيرنا..

إن العيب الحقيقي هو إخفاء الحقيقة، عندما تؤمن بالغطاء، وتكتشف لاحقاً أنه كذب، ستكفر بالحقيقة أيضاً

مثالاً لذلك، ظاهرة الإلحاد النفسي التي تنشأ بعد الحروب

عند الحرب يتكشّف الباطل عن الحق

فعندما يكون المجتمع منغلقاً، وينفتح الطريق

ترى انفتاحاً عجيباً، وتظهر الحالات الشاذة كثيراً

حتى تعتقد أنك لاتعرف أن تفرق بين الطبيعي والشاذ.

في كتاب فن اللامبالاة لمارك مانسون، يتحدث الكاتب

عن أن الإنسان يحب ان يترك الإحساس بالذنب لكونه طبيعي

فكم مرّةً كنت غاضباً لأنك غاضب؟!

فتغضب لأنك غاضبٌ من غضبك،

وتبقى هذه السلسلة تزعجك، بينما لو وقفت عند الغضب الأول لانتهت المشكلة،

ونمتَ تلك الليلة بلا أرق.

القرار، والقدر

إن القرار في رؤيتي هو الشعلة والفتيل الذي يحدد قيمة الإنسان

فباستخدامه يمكنك التعبير عن شخصك, وقدرتك

لكننا دائماً نستطيع إلقاء اللوم على القدر.

أما عن الشتات والضياع,

فيمكنني الحديث عنهما مطوّلاً

إذ أنهما خبيثان بشكل لا يوصف, دائماً ما يوهمانك برحيلهما من عقلك

حينما تلبي طلبات نفسك, وتحدد أهدافاً وتعمل عليها

فتبدأ أنت بالتجهيزات اللازمة, وتبدأ

وعند أول منعطف, تجدهما يلوحان مبتسمين,

لقد عدنا!.

يا لَجور الموقف على وهن الإنسان

سندرك كلنا الأشياء حال وقوعها,

وسنتعلم.. ليس من الماضي

بل مما نعيش, ونكتم

أعتقد أن لا طريقة أخرى ليفهم أحد ما

شيئاً, حتى يخوضه.

أتمنى أن يكون في هذا العام خوضٌ يستحق.




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أسيد الطعان

تدوينات ذات صلة