إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته"

هناك جمال تراه ولا يراك، وهناك جمال يراك ولا تراه، وهناك جمال تحمله في قلبك ودفئ شعورك، وجمال يعتلي وجهك ولو كان حزيناً، وجمال تصنعه بيديك، وجمال تسرح فيه لتسبح وتذكر الله، وجمال نقيٌ صافٍ بريء، وجمالٌ في البسمة وصوت الضحكة، وجمال في نظرة شاردة، هناك جمال في الفوضى وفي الترتيب، وفي العشوائية والنظام، في الكلام وفي الصمت، وفي الهدوء والازعاج، وفي الوصل والبعد، وفي النظرة والهمسة والكلمة .. هناك جمالٌ تبحر فيه ثم تغوص .. قبل أن تغرق ..



يرق قلبي منذ زمن لبعض انواع الجمال، وعندما تأملت اكثر فيما يستهويني، وجدت أنني أقدّس كل جمال مرتبط بالحقيقة، في أن تكون الأشياء حقيقية وان كانت على كل الهيئات، أن تكون شفافة ونقية وصادقة في لحظة واحدة، لتشكل لحظة خالدة في ذكرى الجمال ..


ارى بفؤادي جمالا في الدمعة الصادقة، وأرى جمالاً في الوجه الخالي من أي مساحيق وان كان متعباً، وأرى جمالاً في الحنية والرحمة والاحتواء، وأرى جمالا في النقص الذي يدل على لهفة الكمال، وأرى جمالاً حتى في الألم والمعاناة والصبر وطول الانتظار، وان كان هذا غريباً، لكنه جمالٌ فريد ..


أن تنظر الى شيء فيسرك ما تراه ويسعد قلبك وتلمع عينيك، وأن تسمع شيئاً فتطرب له ويحلق فؤادك الى أبعد مكان، وأن تشم رائحة زكية فيها نسيم الحب والحنين والذكريات الدافئة، وأن تنعم بحواسك واحدة تلو الأخرى أو جميعهم معاً في لحظة واحدة تنعم فيها بنبض قلبك وابتسامة شفتيك ..


وفي لحظة من الجمال مرت عليّ ولا أنساها، اجتمع جمال الغروب، مع نسمة باردة، برفقة أمي ومصحفي، ورائحة شجرة الورد الجوريّ في الحديقة، وفرحة انجاز ورضى، وقلبٍ يعيش ببراءة، وصوت ضحكات أخي الصغير، هي لحظة خالدة تعيش بداخلي إلى اليوم .. وأعيش شعورها كلما مرت هذه الذكرى ..


ومن احدى النعم العظيمة أن تخلق لحظات الجمال المتصلة بروحك اتصالاً معنوياً شبه أبديّ، فتتعمق في المعاني وتتخذ من شعورك دليلاً يوصلك لكل جميل وفتّان، فهي بوصلة شخصية تحمل بصمة فكرك ونظراتك التي لا تشبه أحداً، فبهذا وكأنك تعيش في عالم آخر داخل رأسك، عالم مليء بمعاني الجمال والدفء والسكون، فكيف ان بحثت اكثر في هذه المعاني، كم من عالم ستصنع، وكم من مفهوم سيتجلّى لك، وكم من رحمة ستتنزل عليك !


في النهاية ليس هناك معنى للجمال ان لم يتصل بحقيقة وجود الله، فكل جمالٍ لا يدلنا عليه ليس بجمال، وكل تذوق للجمال لا يذكرنا بكمال جماله (سبحانه) ليس بتذوق ولا بإحساس، وكأن كل ما في الكون ينادينا للحظة واحدة لنتشبع بالجمال وندرك حقيقته المطلقة: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته".


فاللهم بلغنا ..


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء الصمادي

تدوينات ذات صلة