"لطف الجمال صورة أخرى من عظمةِ الجمال، عرفت ذلك حينما أبصرت قطرة من الماء تلمع في غصن، فخيل إلي أن لها عظمة البحر لو صغر؛ - الرافعي"
كيف يمكن للحظة واحدة أن تغيّر مفهوم الزمن في قلب انسان عاش على الانتظار، هذه اللحظة، وغيرها من لحظات الادراك الروحي المفتوح على الحقيقة الخالدة للزمن وما وراءه، للأيام وساعاتها، حيرتي في الفترة الأخيرة ترجمتها على أنها "حيرة الوقت والزمن" وفلسفةٌ أحاول صياغتها في هذه التدوينة، وأتسائل أي استبصار سيشبع ما القاه في ذاتي من معاني وحيرة !!
لقد تفكرت في شروق الشمس وغروبها، فكم من يوم مرّ علينا وأشرقت الشمس ثم غابت ونحن غائبون عن خالقنا وأنفسنا، كيف يمكن أن نحسب هذا اليوم من أعمارنا؟ وأي حياة لا تطاق ان تكرر هذا اليوم وصار روتيناً مكرراً نعيشه اسبوعاً ثم شهراً ثم عاماً ثم عمراً .. وهكذا ينقضي العمر ! وهكذا صار الزمن في القلب زمنٌ فقيرٌ مسكينٌ ليس له قيمة، رقمٌ مجرد من معناه ..
هو زمنٌ رتيب مملٌ فارغٌ من أرواحنا المتعطشة للعيش وللحياة وللأمل واليقين والسعي والبحث والبصيرة، فبهذا الافتقاد صار زمناً عدوّا لهذه الأرواح، يعاديها ويعاندها، إنّ لهذا الزمن حقٌ يجب أن يؤدى، وإن مالت الروح عن حقوقها ضاعت وغضبت ثم تلاشت، فترى العينين فارغتين من روحهما، على الرغم من أن العينين نافذتا الروح، ولكن في هذه الحالة غادرت الروح وأغلقت نوافذها وأبوبها، غضباً على صاحبها، فزادت ماديّته وانحداره ومعاناته، وصارت تمر ايامه وسنينه بفراغ شديد !
ولأن الفراغ مستحيل، ولأنه وهم، تبحث النفس عمّا يعبئ فراغها، فتصير القسوة والأنانية والجفاء جزءا منها، فتتعب الروح أكثر وتشيخ، وتبتعد وتنجلي، وتصير المسافة الفعلية والزمنية بين الروح وصاحبها أبعد مما يعرف، فكيف يمكن أن ترى شيئا ليس موجوداً أصلا، وهكذا ترى النفس روحها الغائبة، ليست موجودة، وليست حقيقية، ومكانها امتلئ بالظلام، فيصبح الزمن عبئا ثقيلاً على هذه النفس، وتستسلم لرغباتها المظلمة خوفاً من عمرٍ يمضي، ولكنه واقف، ولكنه يمشي، ولكن .. كل شيء يبدو ليس في مكانه !
هذه قصة الروح الغائبة عن وقتها، أما في قصة أخرى، روحٌ امتلأت يقينا وايمانا، فصار للزمن عمقٌ آخر، وصار الساعة تمضي ولكنها تحمل في معانيها ومشاعرها وأبعادها ألف ساعةٍ أو أكثر، هي روحٌ تبصّرت في ماهيّة الوقت، وأدركت أن العمر يجب ان يعاش بكل ما فيه، وأن الزمن يمضي ولكنه يبقى في الحقيقة، لأن قضائه لا يعني انتهاءه، ولكن يعني أنني بشعوره استطيع ان اعيشه من جديد، وأن يحمل لي من خيراته واحسانه الكثير، وأنه متصل دوماً بالله، والله موجود لا يغيب، فكيف يمكن أن ينتهي حقاً !ا
يمكنك أن تعيش نفس اللحظة بجمالها، وتجددها، ودهشتها، أضعافاً مضاعفة، كأن تقول أنّ هذه اللحظة تسوى عمراً كاملاً، هي لحظة اجتمع فيها كمال الشعور مع دقة التركيز، كشعور الحب والحنين والدهشة، أو الحزن والألم والفقد، انت موجود بتكاملٍ مع هذه المشاعر، فانتقل الزمن في ذاتك الى زمن متجدد غير منتهٍ كلما عشت نفس الشعور أو الذكرى، وارتبطت بما يعنيك حقاً، اتصالك بالله في هذه اللحظة الكاملة.
لذلك ما وزن سنوات العمر، وتجاعيد الوجه، وشيب الشعر، وضعف البدن والنظر، مقارنة بحقيقة الزمن التي تعاش بهذه الطريقة، بل انّ كل هذه التغيرات تحمل معها بُعداً روحيّا جديداً، فتصير مع الزمن وحدةً واحدة، بلا ضياعٍ أو هروب أو محاولة اقتناص العمر بغضبٍ ورفض، كم من طفل تنظر اليه فترى دهرا مرّ عليه من الضياع، وكم من شيخٍ تنظر اليه فتشعربحيوية طفل وبراءة وطفولة، وكم مرة مرت علينا هذه الاحوال الروحية حتى صار الزمن يمشي بسرعة أو يتوقف على حسب درجة اتصالك بروحك وعاطفتك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات