.......................................................................................

في الفترة الأخيرة ظهر على الساحة باحث في السلوك البشري ويتكلم في مقاطعه بطريقة عفوية وجذابة، ومختلف نوعاً ما عن كل ما عهدناه، وهذا جميل ومبهر، من ناحية أخرى بدأ المقلدون يظهرون بدورهم وهذا الى حد الآن طبيعي ومعهود، حتى لفت انتباهي أحد هؤلاء المقلدين، وفي مقطع ما سألوه "ما هو الحب ؟" فبدأ يتحدث عن الحب بطريقة عشوائية مزعجة حتى انتبهت ان كل ما قاله هو مجرد تجميع لمنشورات الفيسبوك التي يضعها عامة الناس !


"الحب هو ان تختار عتمة الشخص الاخر، الحب هو هرمونات في جسدك، الحب هو ان تبقى رغم كل شيء" .. الخ من الكلام الذي يوجع رأسي، فبدأت أتذكر كم من مراجعة جاءت الى جلسات العلاج النفسي وهي محملّة ومثقلة بأفكار فيسبوكية وانستغرامية تعطل حياتها وسعادتها، وكم أنّ الوعاء خاوٍ حتى امتلأ بكل الأشياء الفاسدة، فشعرت وكأن شيئا ثميناً فقدناه وتلاشى، شيء كان يسمى سابقا: "ثقافة".


أصبحت أرى أن أدمغتنا صارت معرضة للغزو والحرب في كل وقت، تكاثرت المدخلات حتى ضاقت النفس، وأصبح الخوف مسيطراً أكثر من اللازم، كيف نطلب ممن تقرأ كل يوم على الفيسبوك مشكلات زوجية أن تنظر للزواج بوسطية، وكيف نطلب ممن يرى الكاسيات العاريات الراقصات على تيكتوك أن ينظر للمرأة باحترام، وبأي عين سنربي أطفالنا على القناعة والرضا بالقليل في زمن التفاخر والتكاثر بالمال والأملاك.


وأعراس الانستغرام! ومشاهير الانستغرام! وحفلات الانستغرام! ما ان يتزوج أحدهم حتى تتصدر قصته كل المنصات، انظروا كيف تقدّم لخطبتها، انظروا الى الفيديو الذي يلخّص قصة حبهما، انظروا كمية الرقص والخلاعة وقلة المروءة والحياء، والبذخ والترف وأشياء توجع القلب، لا بد أنه يحبها ويهيم بها، فعلا هذا هو الحب ..


أفكر الآن في حديث رسول الله "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"، ويخيل إليّ أن معاناتنا مع مواقع التواصل الاجتماعيّ تشبه الى حدٍ كبير صبرنا على هذا الأذى والفكر المسموم، بل هو اختبار عظيمٌ للإيمان والصبر والتقوى.


إنّ من أجمل ما يمكن أن يحدث للانسان، أن يمده الله بطاقة روحية هائلة تجعله يتحمل ما يرى، واعياً ومدركاً ثم مغيراً، أو على الأقل ساعياً في التغيير، لا ينسحب ولا ينغلق ولا يبتعد عن الواقع، بل يواجه بكل ما أوتي من عزم وثبات، ويبني في نفسه ثقافة حقيقية نابعة من دينه وإيمانه، وأن يكون متصالحاً وسليم القلب مع كل هذا .. حتى يقابل الله ورسوله وضميره مرتاح أنه أدى ما عليه.


اللهم اجعلنا منهم وأعنّا ..



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات شيماء الصمادي

تدوينات ذات صلة