هكذا بدأت من الصفر تعلم العزف على آلة الجيتار الكلاسيكي ، بعد تمرن ومواضبة وإرادة قوية تسبق كل ذلك

لطالما كنت شغوفة بالغناء وكل ما يبعث في النفس طاقة إيجابية ، فكما جرت العادة في ذلك المخيم الصيفي، كنا نجتمع دوما في غرفة الموسيقى ، ذلك المكان الذي ما إن تمر بجانبه حتى تجذبك أعذب الأصوات التي تطلقها أرقى الحناجر مخلوطة بصوت عزف الآلات الموسيقية من كمان وجيتار وناي شجي.دخلت إلى الغرفة بعد أن شدني صوت عذب يتزامن مع ضربات احترافية على الجيتار، جلست استمتع بالجو ، توقفت العازفة تارة ، نظرت إلي قائلة : أي الآلات تجيدين.أجبتها قائلة : ” لم يسبق لي أن عزفت على أي من هذه الآلات ” ردت : وهل تريدين التعلم ؟؟ أجبتها : ممم بالتأكيد، لكن أليس الأمر صعبا ؟ وأي الآلات أسهل ؟قالت العازفة : كل الآلات سهلة أن كنت ستعزفين بحب ، ولكن تقنيا الجيتار الكلاسيكي أسهلها .قلت : حسنا سأتعلم العزف على الجيتار الكلاسيكي إذا .أمسكت إحدى الجيتارات التعليمية ذات الأوتار الملونة و كلي آذان صاغية لما ستلقيه إلي من نصائح حول الوضعية المناسبة لإمساكها وغيره مما سأذكره بالتفصيل ،خاطبتني العازفة قائلة :الجيتار يتكون من صندوق خشبي كما ترين ، هذا هو الجزء المسؤول عن إصدار الأصوات ، وهذا هو ساق الجيتار يحمل ستة أوتار مصنوعة من النايلون مربوطة بمفاتيح للضبط يحملها رأس الجيتار ،اجلسي وظهرك مستو ، ضعي انخناق الجيتار على أحد فخذيك بحيث يكون مرتفعا نسبيا عن الفخذ الثاني ويدك اليسرى تمسك ساق الجيتار من الأسفل بحيث يكون إبهامك خلف الساق متجها للأعلى وباقي الأصابع توضع مقابل الأوتار متجهة للأعلى ، مهمة يدك اليسرى هي اللعب على الأوتار أما يدك اليمنى يجب أن تحيط بالجهة اليمنى للجيتار أي الصندوق الخشبي وتوضع مقابل فتحة الصوت ، ثم أمسكت حقيبة الجيتار وأخرجت منها شيئا ما على شكل مثلث صغير مصنوع من البلاستيك وقدمته لي ثم أتبعت تقول : هذه ريشة ستمسكيننها بيدك اليمنى لتساعدك على ضرب أوتار الجيتار .”أمسكت الريشة بأصابعي كمن يمسك مفتاح كنز وصرت أطبق كل ماقالته المعلمة حول وضعية الجلوس وطريقة الإمساك بالجيتار ،أصبحت مستعدة للبدأ في انتظار المزيد من المعلومات المثيرة للانتباه ،نطقت معلمة العزف قائلة : موازنة الجيتار على الطبع الكلاسيكي تكون بمساعدة شخص محترف أو باستعمال التطبيق الذي يسمى guitar tunner ، بعدالتعرف على الأساسيات يجب أن تتعلمي الكوردات الرئيسية ، لكن قبل ذلك هل لك خبرة سابقة في قراءة السلم الموسيقي ؟ أجبتها : نعم فلقد تعلمنا ذلك في حصة الموسيقى في الصف الإعدادي . سألتني ثانية : هلا عرفتي لي السلم الموسيقي؟فكرت قليلا ثم قلت : بالتأكيد فهو عبارة عن تتابع للنغمات صعودا وهبوطا ويتكون من مفتاح صول و سبع نغمات موسيقية هي : دو- ري- مي- فا-صول- لا –سي أما العلامة الثامنة فهي جواب للنغمة الأولى ولها نفس الاسم “دو “أجابتني : هذا جيد فمادمت تعرفين النوتات ستكونين قادرة على العزف بعد أن تعرفي مكان كل واحدة على الجيتار .أنظري .. ساق الجيتار مقسم عموديا بخطوط ستسهل مهمة معرفة النوتات ، بسبابتك ستعزفين نوتات العمود الأول واصبعك الوسطى للعمود الثاني ، والبنصر للثالث والخنصر للعمود الرابع وهكذا تتحرك يدك اليسرى على طول الساق عند الحاجة لتحريكها ، والأهم من ذلك معرفة كل نوتة تصدرها الأوتار . لنبدأ عد الأوتار من الأعلى إلى الأسفل .. الوتر الثالث العمود الأول هذا هو “دو ” وعلى نفس الوتر في العمود الثالث النغمة “ري” .طريقة إصدار الصوت : بوضع الاصبع بشكل عمودي على مكان النوتة ويضرب نفس الوتر بالريشة مقابل صندوق الصوت على الجهة اليمنى من الجيتار ، هكذا دواليكلنكمل : الوتر الرابع في الفراغ (يعني من غير وضع اصبعك اليسرى على أي من الأوتار ) هو النغمة “مي” وعلى نفس الوتر في العمود الأول “فا” و نفس الوتر في العمود الثالث النغمة ” صول “.أما الفراغ الخامس فهو موافق للنغمة “لا” وفي نفس الوتر من العمود الثاني “سي ” والعمود الثالث يوافق النغمة “دو “.هكذا تكونين قد عرفت أماكن كل النغمات الأساسية على الجيتار فلتبدئي بتكرارها حتى تحفظينها جيدا .كررت النغمات مرات عديدة صعودا وهبوطا دو ري مي فا صول لا سي دو – دو سي لا صول فا مي ري دوكانت المهمة صعبة في البداية لأن حغظ الأماكن بالتفصيل ليس سهلا خاصة طريقة وضع الأصابع فقد كانت مؤلمة جدا … اشتكيت للمعلمة أني صرت أحس بحرارة وألم في أناملي فهل يجب أن أتوقف عن العزف .. أجابتني أنه علي أن أصبر إن كنت أريد الاحتراف مستقبلا . قاومت ألمي و أصررت على المضي قدما .كنت أقضي ساعتين مستمرتين من التعلم كل يوم . بعد أن أتقنت النوتات جيدا بدأت بتعلم أغنية من الطابع الأندلسي واسمها ” يا قلبي خلي الحال ” كان الأمر صعبا في البداية إذ كنت أنسى نوتات كثيرة فأسأل المعلمة تارة وأحاول أن أجد مكانها بنفسي تارة أخرى .. الاستمتاع بالأنغام ينسيك الم الأنامل وصعوبة الاغنيات ، فعلت ذلك مرارا وتكرارا حتى أتقنتها من البداية إلى النهاية. كلما أمسكت معلمتي الجيتار وبدات العزف أفقد الأمل من قدراتي الضعيفة أمام احترافيتها لكن كانت تطمئنني دائما بكلماتها حين تقول : هيا لا تفقدي الأمل أنت رائعة كمبتدئة حتى أنا لم أكن أحرز تقدما مثلما تفعلين .. فقط داومي على التعلم .مع قرب نهاية كل حصة تجمعنا المعلمة وتجبرنا على العزف في آن واحد معها رغم ترددي المستمر في فعل ذلك . كانت تقول :” إذا لم تكتسبي الشجاعة للعزف الآن فلن تتمكني من العزف على المسرح .. فأنت مجبرة على عمل ذلك . هيا ، فلتعزفي ما تتقنينه معي ، حتى وإن استصعب عليك أحد المقاطع انتظري المقطع اليسير وأكملي العزف ، المهم أن لا تتوقفي أبدا “ لقد كانت كلماتها بمثابة دافع عظيم لي , وكنت أتبع نصائحها كلمة بكلمة ، وأحرص على اغتنام كل ثانية أمامها للسؤال عن هذا وذاك ، مرت الأيام وتعلمت عزف أغنية ” قم ترى ” من التراث الجزائري الأندلسي وأغنية ” متى نستريح ” وكذا ” ثلاثة زهوة ” والكثير كثير ، ما إن انتهى المخيم حتى صرت أتقن العزف على الجيتار وأنا التي لم يسبق لي أن لمست جيتارا قبل ذلك وليس في عائلتي موهوب أو موسيقار .. فالأمر لا يحتاج سوى تمرن وحب .

Sama

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف محتوى أدبي

تدوينات ذات صلة