تطرح قاع ذلك السؤال الأبدي.. ما هي غاية الوجود الإنساني؟ وكيف سيحدد الإنسان ماهيته؟




إن المسرح في فترات عظمته جاهد كتابه وممثلوه ومخرجوه في اكتشاف معنى الوجود، وخواص الجمال فيه؛ بنفس الصدق والإخلاص اللذين يتميز بهما عمل كبار الفلاسفة والعلماء. إذ أن فن المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام. على قدرة الإنسان على الاستكشاف والتعجب والتأمل. إن المسرح ليس مجرد وسيلة ترفيهية ولكننا نذهب إلى المسرح لنكتشف أسئلة جديدة، لكي نصل إلى تلك المرحلة من الدهشة التي تطلق العنان لأفكارنا. ومثل ذلك المسرح نجده في العرض المسرحي "قاع" المقدم على مسرح ليسيه الحرية بالأسكندرية.


تطرح قاع ذلك السؤال الأبدي.. ما هي غاية الوجود الإنساني؟ وكيف سيحدد الإنسان ماهيته؟ هل سيكون شريرًا أم خيرًا هل سيكون شريفًا أم نذلًا؟ تقدم لنا المسرحية ذلك الشكل الخالص المجرد للوجود الإنساني، ذلك الوجود الذي يسبق ماهية الإنسان، فتثير بداخلنا تلك الأسئلة الفلسفية الوجودية.


تجسد لنا "قاع" الإنسان في أول وثبة نحو الوجود. ولقد قذف به إلى عالم غير مكترث، فهو في وضع إنساني مستيئس، وعليه أن يختار ويفعل دون أي مرجعية. إنه يوجد أولًا غير محدد بصفة، ثم نجده يسير نحو المستقبل ويصنع ماهيته بنفسه عن طريق اختياراته وأفعاله التي يؤديها بحرية تقابلها المخاطرة. لأنه يؤديها دون أي قاعدة مسبقة ولا ضمانات. إنه ينحت هويته كل لحظة ويضع تعريفه، ويخترع طريقته في الوجود. إنه مشروع دائم يظل يتحقق ولا يكتمل إلا بالموت.


لا وجود بدون معاناة.. فيعرض لنا العمل المسرحي كيف واجه الإنسان المحن الإنسانية.. "الألم والأثم والموت" وما هو الاتجاه الذي ستقرره كل من شخصيات المسرحية في مواجهة تلك المحن. يقول فيكتور فرانكل في كتابه "الإنسان يبحث عن المعنى": "إن الإنسان يستطيع بالاتجاه الذي يختاره أن يعثر عن المعنى ويحققه، حتى في موقف ينعدم فيه الأمل."


إن الإنسان يستطيع بالاتجاه الذي يختاره أن يعثر عن المعنى ويحققه، حتى في موقف ينعدم فيه الأمل


فالإنسان كائن محكوم عليه بالحرية.. يمارسها عن طريق اختيارات يقوم بها في كل لحظة. فالاختيار حتم، حتى عدم الاختيار هو نوع من الاختيار، أو هو اختيار مُقَنَع. ومادام الإنسان حرًا مختارًا، فهو مسؤل عن وجوده وعما يكون عليه. فالمسؤلية هي توأم الحرية. كذلك فإن الإنسان عندما يختار لا يختار لنفسه فقط ولكنه يختار للأخرين، وذلك لأن ما يأتيه يمس الأخرين بالضرورة وينعكس عليهم.


فنجد أن شخصيات العمل ينقسم بعضها إلى ذلك الجانب الذي يتخذ الطريق المختصر في الحياة، طريق اللذة والقوة وتحقيق الذات مهما كانت الوسيلة غير شريفة. كمهرب بديل للبحث عن المعنى الحقيقي للحياة. وفي المقابل نجد هؤلاء اللذين قضوا حياتهم في محاولة إيجاد المعنى الحقيقي للوجود. والذي يتمثل في الخير والحق والحب واكتشاف جمال الطبيعة من حولهم، وكذلك محاولة الإبتكار وتقديم صنيع للأخرين، وأخيرا من خلال الموقف الذي اتخذه كل منهم خلال محنته.


وقد استطاع مخرج العمل أن يوظف كل عناصر العرض المسرحي لخدمة فكرته ولخدمة النص. فكان نتاج هذا عرض مسرحي شديد البساطة والإبهار، يثير في المتلقي ذلك الإحساس المستمر بالدهشة والتساؤلات التي تنتج في عقله. لقد سخر مبدعوا هذا العمل كامل طاقتهم لتقديم أفضل ما يمكن أن يقدم للجمهور. وقد أنتج لنا في النهاية قطعة فنية تستحق المشاهدة والتأمل، لما تحمله من أفكار وعناصر فنية شديدة الثراء، قليلًا ما تقدم على خشبة المسرح في وقتنا هذا.


العرض من إنتاج فرقة مسرح الأسكندرية- البيت الفني للمسرح- قطاع الإنتاح الثقافي- وزارة الثقافة.

مشروع تخرج ورشة نجوم المستقبل.


كريوجراف: محمد ميزو

ديكور وملابس: وليد جابر

تأليف موسيقى: محمد شحاته

تصميم إضاءة: إبراهيم الفرن

مابينج وجرافيك: محمد المأموني

أشعار: د. محمد مخيمر

تدقيق لغوي: د. مدحت عيسى

مادة فيلمية: محمد لطفي

غناء: محمد عوض - إسراء أحمد

ماكياج: أمل حسن


من تأليف الكاتب محمود محسن وإخراج الفنان محمد مرسي


الإنسان يبحث عن المعنى في "قاع"25709199247254244


الإنسان يبحث عن المعنى في "قاع"13198786832871834


الإنسان يبحث عن المعنى في "قاع"36661618869870040






ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ملاذ - هبة الله إبراهيم

تدوينات ذات صلة