ماذا فعلت بنا مشاهدة الفيديوهات القصيرة؟ وإلى أي مدى كان تأثيرها على حياتنا؟
منذ سنوات قام تطبيق واتساب بإتاحة خاصية الحالة (status)، وبُرمج ألا تتخطى الحالة ثلاثين ثانية، ثم أتاح فيسبوك خاصية (reels)، وأتاح يوتيوب خاصية (shorts)، وفي ذات الوقت ظهر تيك توك على الساحة. فماذا كان تأثير ذلك كله على نشاط الدماغ وسلوكه، وبالتالي على حياة الأفراد؟
كيف بدأ الأمر؟
كان الناس قديمًا يركبون الإبل والخيل فكانت رحلاتهم تستغرق أشهرًا فأصبحوا يركبون السيارات ثم تطورت السيارات -وما زالت- فأصبحت أسرع وأسرع. وكانت المراسلات بين الناس بالحمام الزاجل وكانت تستغرق أشهرًا أيضًا، ولكن بعد التطور التقني أصبحت المراسلات تتم في بضع ثواني. وعلى هذا المنوال صار كل شيء، فأصبحنا في عصر سرعة؛ ونتيجة لهذا بدأ نفاذ صبر الإنسان تدريجيًا. وقد فهم المبرمجين هذا فاستغلوه لصالحهم، ومن هنا ظهرت الفيديوهات القصيرة على كافة تطبيقات التواصل الاجتماعي ولأن الناس أصبحوا محبي سرعة فنال هذا إعجابهم واتجه إليه الكثيرون، وبهذا حقق مالكي هذه الشركات نجاحًا كما أرادوا فقد زاد استخدام الناس لتطبيقاتهم.
ماذا يحدث عند مشاهدة الفيديوهات القصيرة؟
ينصب تركيز تلك الفيديوهات على المتعة والإثارة والضحك والصدمة وكل ما هو من مشاعر؛ فيؤدي هذا إلى زيادة حساسية مستقبلات الدوبامين فيحسن ذلك من المزاج، ويعطي شعورًا بالسعادة اللحظية؛ مما يؤدي إلى اتجاه الشخص لمشاهدة مقاطع أكثر لمضاعفة هذا الشعور، وهذا ما يؤدي إلى إدمان بعض الأفراد لمشاهدتها مستغرقين الساعات والساعات من يومهم.
ما أثر تلك الفيديوهات علينا؟
هناك العديد من الآثار السلبية لمشاهدة الفيديوهات القصيرة من أهمها :
١. تشتت الذهن ونقص فترة انتباه العقل. فتدريجيًا يصبح المشاهد أكثر حبًا لما هو سريع، وينفذ صبره على ما هو معتدل السرعة أو بطيئ. ويشاهد المشاهد فيديو تباعًا لفيديو باختلاف المحتوى أي أنه إذا شاهد تلك الفيديوهات لمدة نصف ساعة فقط سيكون قد شاهد ستين فيديو! فلك أن تتخيل تداخل محتوى كل فيديو مع الآخر في تلك الفترة الزمنية القصيرة مما يؤدي إلى عدم قدرة الدماغ على استيعاب هذا أو ترتيبه فيتشتت. ومع مرور الوقت تضعف قدرة الشخص على أداء المهمات التي تستهلك وقتًا طويلاً كالالتزام بدورة تعليمية، أو قراءة كتاب، أو الاستذكار الدراسي، أو تأدية مهامه في العمل، أو حتى قراءة المقالات أو مشاهدة الفيديوهات الطويلة (ومعلومة جانبية أردت توضيحها ألا وهي أن كل ما هو مفيد طويل ومستغرق للوقت فإذا أردت التعلم وتطوير ذاتك فتحلى بالصبر ولا تستعجل). وبمجرد بدء الشخص في عمل مهم أو مشاهدة فيديو طويل مفيد سرعان ما يشعر بالملل، وضياع تركيزه، وعدم قدرته على المواصلة؛ فيترك ما بين يديه من أمور هامه مما يقلل من إنتاجيته فلا يستطيع التعلم، ولا يستطيع الإنتاج.
٢. الإصابة بأمراض نفسية كالاكتئاب بسبب تسرب الإحساس بأن الشخص أدنى من غيره وأنه لا يمتلك ما يمتلكون من منزل جميل، وسيارة فارهة، وملابس أنيقة، ومظهر جذاب وغيره من المظاهر الخادعة.
٣. الإدمان وضياع العمر فيما لا ينفع. فلو افترضنا أن شخصًا يشاهد تلك الفيديوهات القصيرة لمدة ساعة يوميًا فمعنى ذلك أن هناك ثلاثون ساعة شهريًا مهدرة فيما لا يفيد كان من الممكن استغلالها فيما ينفع.
٤. تلك الفيديوهات بسبب قصرها الشديد فهي لا تقدم فائدة للمشاهد. بأي منطق ستقدم فائدة في ثلاثين ثانية حتى وإن كان محتوى المقطع علمي بحت؟
٥. سطر الذنوب في صحيفتك. فهذه الفيديوهات أكثرها يعتمد على نشر ما لا يرضي الله من موسيقى ورقص وعرض مفاتن وألفاظ غير لائقة.
٦. اتجاه الشباب الناشئ إلى صناعة تلك الفيديوهات؛ لأنها تحقق معدل مشاهدات مرتفع؛ وبالتالي ربح سريع فيقوم الأطفال والشباب بنشر أي شيء مثل تصوير كل ما يفعله في يومه سواء كان عامًا أو خاصًا، أو بترويع الناس في الشارع تحت مسمى الخدعة ونشر تلك الفيديوهات، أو تعذيب حيوان، أو بالرقص كما في تيك توك، المهم أنه ينشر أي شيء من أجل تحقيق المشاهدات وبالتالي الربح.
٧. نشر التفاهة وتسربها للشباب وبالتالي التأثير سلبًا على عقلية وفكر الشباب. ونتيجة هذا هو انجراف الشباب للتفاهه، وبعده عن الجدية وعن الاهتمام بالأمور الهامة وبما ينفعه وينفع أمته، كأن يهمل في دراسته، بل وبالعض يترك دراسته وعمله ويتجه لصناعة تلك الفيديوهات التي لا قيمة لها.
٨. اضطراب النوم بسبب السهر لمشاهدة تلك الفيديوهات وانعكاس ذلك بالسلب على صحة المرء الجسدية والنفسية.
٩. إهدار المال في باقات الإنترنت.
ماذا سيحدث لو توقفت عن مشاهدة الفيديوهات القصيرة؟
١. ستجد وقتًا كبيرًا لأداء مهامك الدينية والدنيوية.
٢. ستشعر بصفاء ذهني، وبهدوء نفسي، إذ أنك أصبحت لا تعلم شيئًا عن أحد.
٣. تدريجيًا، ستتحسن قدرتك على التركيز والاستيعاب والإنجاز والإنتاجية.
٤. ستتخلص تدريجيًا من داء حب السرعة في كل أمور حياتك، وستتحلى بالصبر، وستصبح أكثر مقدرة على الالتحاق بالدورات التعليمية وغيرها. وسيريحك هذا نفسيًا إذ أنك لن تعد تستعجل الأمور وتتأفف من تأخرها.
بعد أن علمت ضرر مشاهدة الفيديوهات القصيرة، ماذا تفعل؟
١. خذ قرارًا فوريًا بالتوقف عن مشاهدتها بإلغاء ظهورها أمامك. وتستطيع فعل هذا من إعدادات التطبيق الذي تستخدمه.
٢. اعقد النية بعدم العودة لها مجددًا. فعمرك ثمين وستُسأل عليه يوم تلقى ربك.
٣. اشغل نفسك بما هو نافع؛ لأنك لو شغلت نفسك بأمور هامة لا أعتقد أنك ستجد وقتًا لمشاهدة تلك الفيديوهات. فاستغل وقت فراغك في ممارسة الرياضة أو قراءة كتاب مفيد أو الانضمام لعمل تطوعي أو في الجلوس مع أهلك.
وأخيرًا أود القول بأن عمرك ثمين وصحتك لا تعوض فلا تضيعهما فيما يضر، لأنك بهذا الحال ستجد نفسك في نهاية عمرك لم تحقق شيئًا في حين أن أقرانك ومن يصغرونك حققوا الكثير من النجاح دينيًا ودنيويًا، ثم تموت فتجد الله يسألك عن عمرك فيما أفنيته فلن تجد جوابًا وتصبح من الخاسرين المتحسرين وإن فعلت العكس أصبحت من الفائزين الفرحين، فاغتنم خمسًا قبل خمس...
التعليقات
موضع أكثر من رائع وفي غاية الأهمية. شكرا لك.