نحن نفترض بهم الكمال ونؤمن بحسن تصرفهم في كل المواقف، حتى يصل بنا الأمر لتنزيههِم من الأخطاء وكأنهم ملائكة تمشي على الأرض؛ فعين المحب لا ترى سوى الجمال


تعجبنا بعض الخصال فيهم فنرفعهم فوق مستوى العيوب، وما أن يعدِلوا عن رأيٍ بات بالأمس يعجبُنا وما أن ينحرفوا عن مسار النزاهة الذي رسمناه لهم، حتى تتغير نظرتُنا لهم وتتحول المحبة إلى احتقار وقدحٍ.



ولكن هل من سبيلٍ لحفظ الود ودوام المحبة والاحترام؟؟


لا أعلم إن كنت ستُوافقني الرأي عندما أقول لك بأن محبتَنا تلك سوف تدوم أكثر عندما نُنزِل هؤلاء من أعالي برج الملائكية الذي شيَّدناه لهم إلى منزِلَتِهم البشريةِ التي أوجدهم الله عليها.


كيف؟


حسنًا، البشر خطاؤون ومتغيرون،

يحكمهم المزاج أحيانًا،

تُسَيِّرُهم العاطفة تارة و المنطق تارةً أخرى،

وهم كذلك دائمو التعلُّمِ، فقد تتغير آراؤهم تبعًا لقناعةٍ جديدة، أو علمٍ تحصَّلوا عليه حديثًا،



إيماننا هذا ببشريتهم سيجعلنا نتقبَّل مواقفَهم الغريبة، وسيُبعِدُنا عن تقنين تصرفاتِهم، وبالتالي سوف تقل كميةُ الأحكام التي نطلقها على المتناقضات من تصرفاتهم.

ما من إنسانٍ كاملٍ وما من موقفٍ ثابت؛ نرى الشخصَ يتبنى فكرا معينا أو يُكِنّ مشاعر معينة تجاه شيء ما وسرعان ما تتبدل آراؤه ومشاعره تبعا لمواقف وتجارب محددة، وعندها لا يكون منا سوى أن نقف نحن في تلك الزاوية لنطلق أحكامنا عليه متَّهمين إياه بالتذبذب وعدم الثبات على مبادئ وقواعد محددة.



ستقول لي: ولكن القاعدة السليمة للمبادئ هي الثبات، أليس كذلك؟

نعم أنا أتفق معك وأرى تمامًا مثلما ترى أنت بأنَّ من المبادئ ما يجب أن تكون راسخة لا يُقبَل فيها التغيير تحت أي ظرف، ولكن الكثير منها قابل للتعديل والتغيير وفقا لمعطيات الأمور والأحداث؛ فما يعجبنا اليوم قد لا يعجبنا بعد عام، وما يرضينا الآن قد لا يعود كذلك بعد حين، وما ننتهجه اليوم قد نهجره غدا، كما أن حيثيَّات المواقف دائمًا ما تكون مختلفة، فما يصلح لهذا الموقف قد لا يصلح لآخر .


في كل يوم نتعرض لمواقف وتجارب جديدة تغير أفكارنا ومناهجنا، ومن العدل أن نتلقّى المعاملة من الآخرين على ما نحن عليه اليوم، وإنه لمن العدل كذلك أن نطلب ممن حولنا ألّا يضعونا على مسطرة شخصيتنا السابقة؛ لأنهم بذلك إما أن يُرهقونا بسقف توقعاتهم منا أو أن يكرهونا، وأنا لا أجِدُ من داعٍ لهذا أو لذاك،



قولوا لكلِّ من يُقَعِّدُ تصرفاتِكم ( أي يجعلها قواعد ثابتة يقيس عليها مواقفكم التالية بالكلية):_



لسنا وحدنا من نخرج عن إطار معهودِنا من ردَّات الفعل، فأنتم كذلك دائمو التغيُّر، وفي كل يوم تتأثرون بمستجدات حياتكم مثلنا تماما، ولكنكم في ظل الطبيعة البشرية لا ترون ذلك عيبا، وتبررون لأنفسكم وتجدون أعذاركم منطقيةً ومعقولة، بينما تسلبوننا ذاك الحق.

اطلبوا منهم أن يتقبّلوكم بمتغيراتِكم، وأن يستعملوا ذات المسطرة العادلة التي يقيسون بها تقلُّباتهِم،

وتذكَّروا أن تَعِدوهم بالمثل.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

صحيح نورا إنتِ ذكرتِ سببين كتير مهمين وأساسيين لتعب أغلب الناس وشكواهم المستمرة واللي هم التعامل بعاطفة ورفع سقف التوقعات، وهالنقطتين بده يكون الإنسان طبيب نفسه في إعادة برمجة هالجزئيتين عنده، وإلا حيضل تعبان ومتعب كل اللي حواليه.
أشكرك عزيزتي نورا❤🌹

إقرأ المزيد من تدوينات ريم الصيرفي

تدوينات ذات صلة