الإعلانات مصممة لجذبك، والتسويق فنٌّ ابتُدِعَ لترغيبك بالشراء، ولكنهم جميعا لا يعبرون بالضرورة عن الحقيقة
ما من منتج تُعجَب به وتقتنع تمامًا بجودته وتُسارع بشرائه إلا وتظهر لك جليةً بعض النواقص والعيوب فيه مع مرور الوقت، فإن كان شراؤك له مبنيٍّا على قناعةٍ تامة بكمال ومثالية تلك السلعة فستقضي عمرك ناقمًا على كل مشترياتك، ولكنك ستبلغ الرضا فَوْرَ يقينِك بِبَشَرِيَّةِ الصانع، وتجرُّدك من وهم مثالية المصنوع..
قِس على ذلك غالبية المظاهر الاجتماعية والتي لا تعبر بالضرورة عن واقع الأشخاص؛ فجميعنا نرتدي ثوبًا من طراز خاص عند التعامل مع الغير ( مرحلة الإعلانات )، لترانا نرتدي ثوب الإخفاء (إخفاء المشاعر)، والتي تترنح بين خوف وقلق ومحبة وحزن وتعب، أيا كانت تلك المشاعر فإننا كثيرا ما نلجأ لإخفائها....
ومع مرور الوقت ستتكشَّف دواخلُنا تلك شيئا فشيئًا لمن يعاشرنا، وهنا ستختلف ردودُ أفعالِهم تجاهنا؛ منهم من سيظل محتفظًا بالصورة المثالية لنا ( تلك التي طُبِعت في عقله من مرحلة الإعلانات ) ويطالبنا بالتكلف للظهور بها أمامه طوال الوقت، بينما سنجد من بينهم من يؤمن ببشريتنا فيتجاوز الزلات ويسند ضعفنا، والأهم من هذا وذاك أنه سوف يتقبَّلنا كما نحن....
الحكم على ظواهر الأشخاص وما يحاولون جاهدين لإظهاره من أمور إيجابية في وسائل التواصل الاجتماعية، ما هو إلا دليل على قلة الوعي لدينا؛ ذلك أنَّ وسائل التواصل تلك ما هي إلّا شاشة إعلامية لا تظهر بها سوى الإعلانات البراقة لحياة الناس، وكل ما من شأنه أن يجذب انتباه الآخرين، سواءً أكان إيجابيا أو حتى سلبيًّا؛ سعيًا للتعاطف والمشاركة.
كل هذا يأتي من منطلقِ تسويق الذات، وتختلف هنا الأسباب ففي حين لا يتعدى بعضُها حبَّ الظهورِ والتفاخر والبحث عن إشباع حاجة الشخص للشعور بالأهمية، تجد آخرين يمتهنون توثيق أحداث حياتهم
( حقيقية أو مزيفة ) لجلب أكبر عدد من المتابعين والذين يمثلون لهم مردودًا ماديًّا أكبر.
إذًا فلتعلم أنك ستشاهد كل ما يدهشك في ذلك العالم الافتراضي، وستندهش أكثر عندما تدرك مقدار الفجوة بين تلك الإعلانات وحقائق الأمور على أرض الواقع..
كن واعيًا
إن قام أحدُهم بتجميد لحظة سعادة أو لحظة حزن ليعرضها على إحدى وسائل التواصل فلا تفترض أن حياته بأكملها وَقْف على تلك اللحظة وأن حياته محكومة بذاك المنوال الحزين أو السعيد أو الغاضب أو أو أو... إلى الأبد ...........
وإن تبنّى أحدُهم فكرًا معينا وملأ صفحتَه منشوراتٍ تؤيده وتدعو إليه، فمن الطبيعيِّ أن يغيِّرَها بعد سنةٍ أو شهرٍ أو حتى يوم؛ فهذه هي الطبيعة البشرية، ولكن من غير الطبيعي أن تأتي أنت بدورك لتأخذ عليه تقلُّبه ذاك متهما إياه بالمزاجية؛ فالإنسان مجبول على التغيُّر والتقلُّب، كما أنَّ الأفكار والمشاعر ليست ثابتة في أي حال من الأحوال، وصدقني حتى أنت وأنا نفعل ذلك، ولكننا نسوِّغ لأنفسنا تصرفاتنا و تقلُّباتنا تلك من باب الانتصار للنفس والحكم على أنفسنا من خلال نوايانا، بينما نأخذ ظواهر الأفعال للحكم على الآخرين.
و الآن غدا الأمر ُبيدِك وحدك؛
كن أذكى من أن ترهن عواطفك لما تراه من ظواهر الأمور والأشخاص على مواقع التواصل؛ فهي لا تتعدى كونها إعلانات براقة، أو لحظة مُجمَّدة من أصل حياة متكاملة يعتريها ما يعتري حياتَك تمامًا من مشاعر وظروف.
وكن أعدلَ مِنْ أن تطالبَ الناسَ بالثبات على شخصيةٍ واحدةٍ ألِفْتَهم بها، سواءً على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي أو حتى على أرضِ الواقع، احترم تقلُّباتِهم، وتقبَّل عشوائيَّتَهم في بعض المواطن، وارحم حيرَتهم بل وتخبُّطهم أحيانًا (إن صحَّ التعبير) في تبنِّي الأفكار ...
وتمثِّل هاتان النقطتان خلاصة غايتي من هذا المقال، آمِلةً أن أكون قد وُفِّقْتُ في إشعال ومضةٍ في طريقِ التفكير الإيجابي الواعي تجاه القدسية والمثالية التي يتوهمها الكثيرون من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
بوركتِ 🙏😍