لم يكن وُجودُك هُنا صُدفة، باتَ مدروسًا بعناية، محكومٌ عليك بالطاعة ونسيان مفهوم نقيضها؛ أعني التمرّد، فإن كنتَ صُلبَ الداخل فلا بأس سأقول لك ماذا سيحدث..

أهلًا بكَ في الوطن الموجود في كل البقاع..

حيث تُروى منه بالحليب الخالي من الفهم، كامل الدسم من العادات والتقاليد، والمشبعِ من التلقين والتقليد الأعمى، تأكل من خيراته المهجنة بالتحبيط وتكسير المجاديف.. الماء موفر كل سبت وأربعاء والهِجاء موجود كل يوم !

لم يكن وُجودُك هُنا صُدفة، باتَ مدروسًا بعناية، محكومٌ عليك بالطاعة ونسيان مفهوم نقيضها؛ أعني التمرّد، فإن كنتَ صُلبَ الداخل فلا بأس سأقول لك ماذا سيحدث..

سأبدأ من المرحلة الفاصلة في تاريخك

عند ولادتك تعبت أُمُّكَ كثيرًا عندما أخذت بأسباب رزقها بك، لكونك تكوّنت في أحشائها رويدًا رويدًا، سهّرت يُمنى عينها، ربّتك بالمرِّ والتعب والإنهاك، لأنك كنت الطفل الذي يمرض ويتحفض ويصفَرّ؛ المشكلة التي تُحلُّ بالماء والسكر والتعرض للشمس، لم يكن الأكل يعجبك دائمًا ( وياما ) تذمرت ولكن والداكَ صبروا، وكما يقولون " نزعوا اللقمة من فمهم لتملأ فيها فمك "

فأظن أنك تبخس من حقهم عليك برقصك على " تيك توك " مثلًا.. أو مناداتك من قبل توأم روحِكَ ب " سوسو إن كان اسمك سامي مثلًا" حجم الاسراف في العاطفة أوداكِ إلى غياهب الكرامة المظلمة!، أو فكرةُ التحدث مع أيٍّ من الجنسين بغية إضاعة الوقت؛ وأنت وأنا نعرف أنه لا يُسمِنُ ولا يُغني من جوع، وأنه استنزافٌ للروح؛ بحكم أن كلا الشخصين يروون عاطفتهم بالماء الملوّث المكلوء بالنقص وعدم تقبل الذات وحُب الأنا والتعطش للاهتمام.. تلك العلاقات التي تنتهي بموسيقى الحزن وحالات الواتساب الغريبة ومحاولات إيصال الكلام بطريقة غير مباشرة.. عدا عن قائمة البحث في اليوتيوب " موسيقى حزينة دمار! "

وعلى محرك البحث جوجل الذي لا يُعتق بالحكم الفُجائية ومبادئ التعامل مع الناس منتهية بتوقيع الكاتب الروسي دوستويفسكي الذي لم ينبس ببنت شفة عن تلك الأمور حتى !

ونسبة المأساةِ تتجلَّى في اختلاطك برفاق السوء، أجل أصحاب التدخين والخمر والشهوات المرضية المؤذية التي في عينِك هي ممتعة، فَحُلِّلَ الحرام من البشر بخلاف رب البشر الذي منعَ كل ما ضار، ولكن يتضائلُ حجم الوعي لأننا نظن أننا الحريق ونحن أصلا رُكامٌ هَش، هُنا ندرك خطورة ما كنا نفعله !

فتنجرُّ أنت وراء تلك الأمور لترجعك يدا والديك؛ بقولهم لا!

لم توجَدَ في الأرض حتى تؤذي نفسك وغيرك بجهلكما !


ونعود للترحيب بالوطن الموجود في كلِّ البِقاع، تقطع شوطًا كبيرًا في دار التلقين المبذول فيها تعب المدرِّسين، والمدفوع فيها سعر الكتب التي حُفِظت وما طُبّقت، فأيُّ سؤالٍ عن أي نهضة الحضارة تجيبُ : ارتفاع خصوبة التربة، وفرة المياه، الموقع الاستراتيجي للبلاد! ، بلا تفكير.. ومع التعليم الإلكتروني الأمهات هن من استلمنّ راية جميع الصفوف؛ فالواجبات تُحلّ منهنّ وبخطِّهنّ.. جرّبت أن تسأل طفلك ما حدود الأردن؟، أو حتى عن عمر سيدنا محمد عند وفاته؟

لا أظن أنهم سيسمّدون سؤالك بالإجابة !


وإلى مطحنة الحرب الأولى نأتي.. كمية الرعب الغير متوقعة عند ذكرها كفيلةٌ بذعر من قطع سبعة عشر عامًا في ربوع المدرسة؛ وهي الثانوية العامة، فأنت يجب أن تتفوق ليس لأجل أن تفخر بذاتك، بل لأجل أن تُفضّل على مُحمد ابن خالتِك وسعيد ابن جارتكم( المسخم) بنظر أُمِّك؛ عِلمًا بأنك تجهل متى كبرتَ وأصبحتَ المرحلة تلك معيارًا يحدد قيمتك، التي لا يعترف بها مجتمعك الجميل إلا إنْ نجحتَ وكنتَ سبب قهر أم محمد وأخواتها، في حين أن الناجح لربما يتأخر حصاده

فنحن لسنا سواسية في الظروف كما نحن سواسية في القيمة، لكن إدِّعاء المثالية هو من جعل طريق النجاح صعب، باستخدام كلمة (لازم )، مع أن هذه المعايير لم يضعها سوى البشر المليئين بالثقوب، البعيدين عنا يسمى المثالية، التي أشكُّ في وجودها بكل صدق!

تكتشف في الثانوية العامة أنك الابن المفضل لأقاربٍ ما علمت بنبضهم إلا حين كنت ضحية هذه المرحلة

يسألون عنك قبل دخولك للاختبار وبعد خروجك منه

علمًا بأنك لا تذكر شيئًا، فمن صلابة ذاكرتك و ذخيرة توترك، قد نسخت اسمك من هوية الأحوال المدنية!

أنتَ ستعطينا سبعة عشر عامًا مِنك، لنأتي ونقابِلكَ ببث الرُّعب فيك في تلك المرحلة حاملين طقم الأكواب وأدوات المطبخ لوالدتك المغلّف بلونه الأحمر!

ريلاكس يا عزيزي،

لا بأس، إنهُ الاحباط واستنزاف الطاقات فقط..

العنصران الأساسيان في خلطة المجتمع السرية لتنحيف طاقات شُبّانهِ في خمسةِ أيام، لا تضخِّم الموضوع مُعطيًا إياه أكبر من حجمِه..

تلك الخلطة تُعطى حيثُ وُجِدنا، فمداها يتّسع لطلاب الجامعات والطموحين في البلاد، تحرق سعرات الأمل الحرارية، وتخفف من حجم ترهلات الطموح الكبيرة، تذيب شحوم العقل المختلف، ذا التفكير الغريب المنتج خمسة أيام فقط كفيلة بجعلك شاب رشيق أو حتى سيدة رشيقة تغلق باب الحياة على عقلها، لا تلُمني إن غدوت من بعدها عبدًا للعادات والتقاليد العمياء، ولا توبخني إن أضحيتَ سميك الفهم، قليل التفكير، معدوم الإرادة.. لأن مكان تلك العادات هو المجتمع بعيوبه وسخط قولِه

ستجعلك تتلعثم في أهدافك حتى، إلى أن تتلاشى !

سعرُها الإرادة، الطموح بالإضافة إلى مصاريف الشحن متوفّرة في تابوت الأحلام المؤجلة

لا تترد إن كنت تريد السير مع القطيع !

عليكَ أن تدرك أن السريع يُسرِّع السقوط

فلا تغريك الخلطة أمعن نظرك حول أهدافك وتحقيقها

كسر مجاديف المجتمع بنجاحك فهو اعتاد على استئصال آمالك!

أنتَ لها..

-راما الرجبي




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات راما الرجبي

تدوينات ذات صلة