تمر الفصول بابا بعد باب فأدرك أن الحياة رحلة تجدد...
مرت أيام كثيرة و أنا على ذلك الطريق أسير. سرت عبر فصول الحياة خطوة بخطوة تاركة خلفي مخاوفي، فرفعت قامتي لكل مفترق إعترضني و إخترت طريقي بعزم و إصرار، و كانت رحلتي مليئة بالدروس، فتعلمت من الخريف حياة الطيور التي تهاجر موطنها بحثا عن مكان أكثر دفئا و تعلمت من الأشجار التي تعرت من أوراقها أن لا شيء دائم الخضرة و لكن رغم ذلك فإن الحياة تستمر.
ثم ممرت بالشتاء، أبرد فصل في السنة، فتعملت منه أن الأمطار التي تمحو أثر أقادمنا، ذنبها الوحيد هو أنها تحول التراب إلى وحل، و هبتها الأجمل أنها تمحو أثر الخوف داخلنا، تمحو أثر أخطائنا، تمحو أثر طريق مليء بالمعاصي و تمنحنا فرصة في أن نختار وجهتنا من جديد، وجهة يمكننا فيها أن نكون أشخاصا أفضل. قد يكون الشتاء موسم السبات بالنسبة لكل الكائنات الأخرى، لكنه بالنسبة للإنسان فصل للتعرف على نفسه أكثر و فهم ما دخله، فأغلبنا يصمت في الشتاء لأننا نعلم أن الصمت أمام المطر أجمل، لكن في تلك اللحظات التي لا نسمع فيها شيئا، يصبح كل شيء تغاضينا عنه أوضح. فنتعلم كيف نعناق الصمت لنسمع أصداء صوت كتم داخلنا.
بعد لقاء طويل مع الشتاء و جدت نفسي في لقاء عاطفي مع الربيع، فصل تتفتح فيه الأزهار و تتجلى ألوانها التي كانت مختبئة بين بتلاتها كأنها حياة مليئة بالفرح و السعادة. نظرت حولي فرأيت كيف تستعيد الأشجار أوراقها و كيف تخرج الحيوانات من مخبئها كي تستقبل عطاء الأرض التي إرتوت من ماء السماء فصلا كاملا. نظرت إلى الأرض كيف تهتز فيخرج من صلبها نبات و أعشاب، فيمر القحل مع السحاب و تكتسي الأرض بثوبها الأخضر من جديد و كـأنها تعلن عن حياة جديدة برائحة الأمل. فتعلمت من هذه الصور الجميلة التي شاهدتها كيف أتجدد من جديد، فتركت أخطاء الماضي ترحل مع الشتاء و تسلحت بعطاء الطبيعة و عطر الأمل الذي ينبثق من أزهارها كي أمنح نفسي فرصة أخرى، فرصة في أن أكون أقوى و أفضل.
لكن الصيف باغتني فجأة و بمجرد أن حل بات الكون يهرول مسرعا فما عدت أرى ما حولي و ما خلفي، فكل شيء يحدث في هذا الفصل جميل و غريب في نفس الوقت، تتوهج الشمس في السماء فيهرب من حرها كل المخلوقات، لكن بين الحين و الاخر تهب نسيمات عليلة ترفع معها أوراق الأشجار و الأزهار و كأنها ترفع عنهم غطاء الحياء و تناديهم كي يستمتعوا بالحياة. هو فصل تشكل الندى ذاك المنظر الخلاّب الذي يسحر الألباب في حلته تلك في كل صباح. أما للإنسان فهو فصل العشق حيث الورود و رياح الصبا تنعش القلب السقيم و تجمع المتحابين في وقت الأصيل بعد فراق طويل، هو فصل تنتهي فيه مشاغلنا، فنرتمي على أمواج البحر لترفعنا تارة في مكوب مهيب من الروعة و الجمال و تضعنا طورا على رمال ذهبية تشعرنا بالنقاء و الراحة. و ما أن تغيب الشمس حتى تطل النجوم مع أحلامنا، فترفع أرواحنا المنهكة إلى السماء لنسرح بالخيال كما نريد، لنعيش الأحلام التي لم نستطع تحقيقها.
حين إقترب هذا الفصل على الإنتهاء أدركت أن رحلتي لم تكن مخيفة كما إعتقدت، لأن المجهول الذي أقدمت عليه جعلني أتجدد و أحسن من نفسي،جعلني أتعلم شيئا جديدا فأرى طريقي بوضوح أكثر. نصمت في الشتاء لنسمع ما تشعب داخلنا من غموض لكن الصيف بالنسبة لنا هو فصل الصراخ، فصل نتحرر فيه من عبودية مشاعرنا،
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات