مقالة تسرد فيها الكاتبة تأملاتها حول الأدب الصادر عن فكرة المدينة الفاضلة لأفلاطون.
أفنان الشمراني
يُمكن وصف المدينة الفاضلة على أنها المكان أو الحالة المثالية التي يتخيل فيها الكاتب أو الشاعر حياةً نموذجيةً تنتشر فيها معاني الكمال والسعادة التي تبددت من عالمنا؛ حيث تغيب ملامح المأساة بشتى أشكالها وينعم الفرد والمجتمع بالعدالة والرخاء. ويعود أصل مصطلح المدينة الفاضلة أو (يوتوبيا) إلى اللغة اليونانية إشارةً إلى المكان الخيالي، بينما يُنسب مصطلح الطوباوية في اللغة العربية إلى (طوبى) بمعنى الخير والسعادة.
سافرت فكرة المدينة الفاضلة عبر العصور بين الأدباء والشعراء والفلاسفة بالرغم من اختلاف وجهات نظرهم حيالها. وكان الفيلسوف اليوناني أفلاطون أول من أشار إلى فلسفة المدينة الفاضلة في كتابه الجمهورية، الكتاب الذي اتخذ شكل حواري يناقش مفهوم المجتمع المثالي والمتمثل -من وجهة نظره- في العدالة الاجتماعية والسياسية.
ومن اليونان، انتقلت رؤية المدينة الفاضلة -لأول مرة- إلى الأعمال الأدبية حين تجلت في كتاب يوتوبيا، من كتابة توماس مور. حيث جسَّد فكرة أدب المدينة الفاضلة وصورها في جزيرة تنعم أنظمتها السياسية والاقتصادية بالعدالة. وقد سعى توماس إلى وصف المدينة الفاضلة من منظور مختلف لم يسبق وأن تطرق إليه أفلاطون وهو الربط بين الإنسانية والدين.
شهدت الأعمال الأدبية تطوُّر الكتابة حول أدب المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا على مر العصور، حيث اتجه أدباء العصر الحديث إلى الإشارة إلى كل مكان أو شعور حالم يعبِّر عن طموحاتهم ورغباتهم باليوتوبيا. وأبرز من تأثر بهذا التطور لمفهوم أدب المدينة الفاضلة هي الشاعرة العراقية نازك الملائكة وصرَّحت بذلك في أعمالها، فقد احتمت خلف حلم اليوتوبيا من مرارة شعور الحزن في قصيدة يوتوبيا الضائعة وقالت:
ويوتوبيا حلمٌ في دمي أموت وأحيا على ذكره
تخيَّلته بلداً من عبير على أفق حرت في سرِّه
هنالك عبر فضاءٍ بعيد تذوب الكواكب في سحره
يموت الضياء ولا يتحقق ما لونه ما شذى زهره
هنالك حيث تذوب القيود وينطلق الفكر من أسره
وحيث تنام عيون الحياة هنالك تمتدُّ يوتوبيا
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات