كل منا يخطئ ولكن من منا سلك الهدي التربوي المحمدي في إصلاح خطئه . و قوى بذرته فأزهرت و أينعت و تركت الأثر الطيب الذي أصله ثابت و فرعه في السماء ؟! .
كل بني آدم يؤخذ منه و يرد عليه إلا المصطفى_صلى الله عليه و سلم _ يؤخذ منه و لا يرد عليه
عبارة كانت ترددها لنا معلمتي عندما كنت في المدرسة ، لم أعيي معناها آنذاك و لم أكن أدري أنها سترافقني في كل موقف أتخطاه في علاقاتي مع الناس ، كبرت و فهمت ماذا تقصد وكانت دائما ترن في أذني كلما رأيت أو سمعت عن شخص قد تخلى عن مبدأ من مبادئه ، كل منا لديه أفكاره ينميها و يصقلها ، يقوم برييها لتنبت فيحسن غرسها و يرعاها ، و تلك الأفكار قد يشوبها شيء من التغيير سواء بالخير أو الشر ، كل منا قد يحيد عن طريقه يوما ما ، لسنا معصومين و لا مقيدين بأغلال الصواب ، و لكن علينا أن نكون حريصين دائما على حماية البذرة الأصلية التي ستنبت منك ما زرعته من خير مرة أخرى .
لكننا قد نكاد نغفل أحيانا عن مبدأ ديني عظيم حرص الرسول الكريم على تعليميه لنا طوال عهده _صلى الله عليه وسلم _ : و هو التعامل مع المخطئ و الخطأ بشكل عام ، للأسف البعض منا يتعامل مع المخطئ بأسلوب يكاد يزيده إصرارا عليه و تحديا لمجتمعه ليكسر بعض القيود التي ظنها تعيق حركته يوما ما ، التنمر و التذمر و السب و الشتم كلها أمور لا تعود الا على صاحبها بالشر و معالجة الخطأ بخطأ أكبر منه قد يؤذي المجتمع بجلّه فيمحى بذلك ما بنيناه .
نعيش حالة من التشتت الفكري و الديني يكاد يضعف بنية المجتمع و شبكته ، بعضنا يريد أن يواكب عصره بانتزاع مبادئه و قيمه و أخلاقه ، و بعضننا الآخر لم يعد يميز الصواب من عدمه ، و السبب الأول و الأهم برأيي هو توارث المعتقدات على جهل بها و بتأثريها على حياتنا ، أن تعيش مع دين ولدت به فلا تتعلم أحكامه و غاياته ، إذا لم تعيي كيف تشد الوثاق بإحكام فلن تستطيع أن تسيطر عليه لاحقا ، و إذا لم تقتنع بمبادئك سيسهل تركها و قد لا تستطيع أن تعيد بنائها مرة أخرى .
نحن بحاجه إلى أن نؤسس بذرتنا بشكل صحيح ، أن نفهم ديننا جيدا و أن نرتحل بين جنباته ، أن نتعلم السباحة بين أمواجه ، أن نعطيه فرصه أخرى لينظم حياتنا و يسعدها ، أكاد أجزم أن سيرة المصطفى هو دواء لكل ما نعانيه من الأسقام في علاقاتنا و تعاملاتنا و إنه _عليه السلام_ كان موسوعة من الأخلاق و الدروس و العبر مهما قرأت فيها فلن تصل الى آخرها ، لذلك اعتن ببذرتك جيدا و اسقها و علمها كيف تشق الطريق لاحقا ، عليك أن تحافظ على أصولها و تدعمها قد تذبل أحيانا و تحيد عن الطريق و قد لا تستطيع أن تشق بحثا عن الحياة التي كانت تتمنى و لكن إذا تاسست على أرض متينه ستعيدها إلى طريقها يوما ما .
كان الرسول الكريم _عليه السلام _ يعطي كل ذي حق حقه كان يولد لديهم الرغبة و الثقة و الأمان النفسي لم يكن يظلم أحدا أو يشتم أحدا او ينهر أحدا و كان يعلم أصحابه ذلك ، أن تدعم عباداتك بتعاملاتك فيستقيم بناؤك و يقوى . و في ذات الوقت كان يولد لدى أصحابه شعورا ذاتيا بالرقابة و المحاسبة الداخلية حينما قال :" من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، و من سن في الاسلام سنة سيئة كان فعليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ".
" من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، و من سن في الاسلام سنة سيئة كان فعليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ".
هي منافسة في الخير و الشر يتهافتون لينالوا درجاتهم و يحفزهم دائما ليكونوا سمادا لبذور غيرهم و في ذات الوقت فينبت مجتمع خير بأكمله . و أيضا يولد لدينا شعورا داخليا بمراقبة أفعلنا و أخطائنا و خصوصا إذا كنا في مو
ضع شهرة أو معرفة من شريحة كبيرة من الناس ، هذا لا يزيد من عظم ذنبه و لكنه يدخل في دائرة السنة السيئة التي يتوارثها الأفراد فتنتشر بدون علم بصحتها .ولكن إذا نظرنا الى بحر الهدي النبوي لوجدنا فيها ما يصلح مجتمعاتنا و يشد وثاقه ، كان الرسول الكريم يأخذ من الناس ما ينفع به دنياه و كان ينكر ما يتعارض مع دولته وأخلاقه و بنية مجتمعه ، كان ينكر الفعل و ليس الفاعل ، كان يكره الخطأ ليس المخطئ ، يبغض المعصية و لكن يرحم العاصي قدر المستطاع ، فكانت مهمته بذلك أن يقضي على المرض و ليس المريض .
نحن كثيرا ما نتعامل مع الناس بحده و غلظة ، نلغي علاقتنا مع أشخاص لتصرف خاطئ نابع منهم، نعامل المعروفين المشهورين من البشر معاملة النبوة للأسف فيصر بذلك على خطئه و يزيد من سوء المجتمع و ضعفه . و ننسى تلك الآيات و الرسالات التي تنظم ديننا وعلاقاتنا ، فقال تعالى :" و قد نزل عليكم في الكتب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع الكفرين و المنفقين في جهنم جميعا " استهزاء بالدين ذنب عظيم و أثره على المجتمع كبير و لكن عالجه القرآن معالجة بسيطة فيها من الترفع و الأثر الكبير على نفسك و من حولك ، مهمتك أن تنكرها بيدك و لسانك و قلبك و عقلك ما حييت و على قدر استطاعتك .
و الخلاصة هو أن الجهر بالمعصية أمر مشين قد يولد مجتمعا يتهاون بمبادئه و لكن الهدي النبوي للتعامل مع هذه الأفعال هو الحل دائما نحن في تعاملاتنا البشرية في موضع نصيحة بالحسنى و إنكار للفعل بالقول و العمل دون تزيينه أو دعمه ، أن تكون سفيرا تحمل رسالتك الصحيحة الكاملة على أتمها ، فليس جزءا من الدين أن نمثل بالناس و أفعالهم ، أن نواجهم بالغلظة و السوء فتتمزق رسالتنا و تضعف و يضيع هدفها و محتواها فيصعب حملها من جديد .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات