الخير والشر والأب والإبن وبين ذلك بعض الكلمات الشجية


‏في حديقةٍ يملؤها الزهرُ والافنان

وحيث الماء العذب والطيب والريحان

وسلام القلب والانفاس العليلة والجُمان

وبين يدي امهِ تُغني له وتناغيه بحنان

طفلٌ عظيمٌ منذ الولادة

إنه طفلٌ ولد على حين غفلةٍ من الناس

في هذه الحديقة التي في أعالي الجبال

انه الوريث الشرعي لملكِ التِلال.

وهذا ما جعل الملك يخشى عليه من القتل

فأبعدهُ في تلك السلاسل الجبلية الوعرة التي لا يستطيع أحد الوصول الى شِعابها إلا من ممرات سرية تتداخل لتكّون متاهة طبيعية يصعب الخروج منها.


كبُر الطفل الصغير وهو في هذه الجنة الأرضية فيها كل ما تُحب عينه ويهوى قلبه وتشتهي نفسه وفيها الحنان اللامحدود الذي يغشاه بوجود والدته.


حتى أن مضتْ ٢٠ من السنين وبلغ الفتى ريعان الشباب

لم يصبر على البقاء هنا في جنته منتظراً اوامر والده بالعودة لأن الخبر من والده قد تقطع على احيان وأصبح مستهلكاً كأنه يعيد الرسالة بكلماتٍ اخرى

"يا بُني إن امر الملك شديد وإنك وليُ العهد فلا تعجل على نفسك وتعلم فأن زاد الحكم العلم لا القوة"

كانت كلمات والده على هذا النمط فيما عدا الشهور الستة الماضية فالكلام اصبح غريب اللهجة ولا يُفضي الى الحكمة

"لا تأتي إلى المملكة حتى يشتد عودك وتقوى ذراعك وعندها سوف يستقبلك أهل المملكة استقبالاً يليق بجلالك يا ولي العهد"

وهذا غريبٌ على الغلام فوالده طوال هذه السنين لم يأمره بأن لا يرجع الى المملكة ولكنه أمره بالتعلم والقراءة لكي يقوى على حمل الملك متى امتلك فضل الحكمة ونباهةً وفطنة


فلم يبرح الغلام حتى نزل من الجبل وليس معهُ إلا دليلٌ يدلهُ القصر فلما نزل بالقرب من المملكة رأى المزارع وقد كانت تشكوا قلة الخضرة وبدا على الفلاحين الجوع والنحالة فلما اقترب منهم وسألهم لمَ هم على هذه الحال؟!

قالوا:أن الملك يأخذ منا ضريبةً على الزرع والقمح والذرة وكل محاصيلنا ولا يُبقي لنا إلا الخُمس فلا يكفينا ولا دوابّنا ولا حول ولا قوة الا بالله


فأصاب الغُلامَ العجب !

لم يُخبره احدٌ أن مملكته فقيرة ولم يخبره احدٌ أن الملك يأخذ هذه الضريبة من الفلاحين

فلم يقل شيءً واكتفى بأن يُعطيَ الفلاح عِقداً فيه ١٠٠ دينار

ومضى إلى القصر


فمرّ بطريق السوق فوجدهُ خالياً إلا من بعض الدكاكين التي تبيع الشعير وعشرات الشحاتين يميناً وشمالاً

فأخرج ١٠٠ دينارٍ اخرى وقسّمها على المساكين



وصل الى بوابة القصر فوجد امامه ثلاث رجال يحرسون البوابة فقال لهم : أنا وليُّ عهد هذه المملكة "صفاءُ ابن الحارث" فقالوا : ان لوليّ العهد كلمةً اذا قالها عرفناه

فقال:الحُكمُ الحكمة والقضاء العدل

ففتحوا له الطريق وقالوا :تفضل يا ولي العهد!


دخل حتى بلغ قاعة الحُكم وديوان الملك فلما فتح الباب على الملك قال مخاطباً

"انا صفاءُ ابن الحارث وليُّ عهد هذا العرش وما رأيتهُ من امر الرعية كافٍ لأقول لك :ان كنت ابي فتنحى عن العرش!"


فقال الملك مشيراً إلى حرسه :امسكوا هذا السفيه والقوة مع والده في السجن !


فلما دخل السجن وجد عجوزاً اغبراً متكدساً في الزاوية

فلما رأهُ العجوز هم بالوقوف وصار يسحب صوتهُ من حنجرته بصعوبة حتى أخرج كلمة واحد… صفاء!

فقال صفاء مهوناً عليه ومقبلاً إليه : لا تحزن يا أبي إني قد بلغت ما كنت رجوتهُ مني وان شاء الله لأرفعن عن الناس اثقالهم ولأرّوِيّنَّ العطشى واطعمن الجياع


فقال الاب: كيف ذلك وأنت ها هنا في الظلام!

قال: لا ظلام يبقى ان كان نورُ قلوبنا متقداً.

فقال الأب: الا نعم، الا إنك قد قرأت وفهمت واني لا ارى الحكم إلا لك ولكن ما في يميني إلا ما انت ترى وما استطعت على كيد هؤلاء الخونة،


فقال : ليس هناك نفع من كلامنا عن المصيبة، الكلام عن الحل أنفع واني قد بقي لدي ١٠٠ دينار فإن أخرجنا الله من هذا الظلام لأقسمنها على المساكين


فقام صفاء الى الباب حيث حارس السجن

فقال: اني لا اراك الا هالكاً!

قال:كيف اهلك والملك بين جناحي السجن؟

فقال:اما علمتْ أن للملك حليفاً وناصراً

إني ناصحك

ان الخيانة تُودي بأهلها وأن الحق لا محالة منتصر!

فاسلم على نفسك واطِعْ.

قال الحارس:ان في كلامك حقاً وإني لأرى ان ظلم هؤلاء لا يدوم فقد آذوا الفقراء والمساكين وما اطعناهم إلا خوفاً من القتل

فإن كان لك حيلة تنتصر بها عليهم فإني معك!


فقال صفاء: سمعت الكلام فعقلته وراجعت الفعال فوزنتها اما سؤالك عن حيلتي

فأخرجنا من السجن وقُل للحاكم أنهما هربا وانشر الخبر في أرجاء المملكة

قال:ألن يفتضح أمركم ويبحث عنكم المرتزقة ليسلموا رؤوسكم للملك؟!


فقال: هذا ما اريده ان ينشر الخبر فيسمعه الفقراء ومن هم تابعون لنا وإن لنا جيشاً في الجبل سينزل لتزداد قوتنا قوة والله من وراء القصد.


ففعل الحارس كما امر وجمعت الناس كما توقع صفاء فلما بلغ غضب الناس اقصاه وجمع صفاء جيش الجبل

قام الملك وولي عهده بين الناس فازداد هيجان الناس

ودخلوا القصر مرة أخرى

وامسكوا بالملك الخائن وحاشيته

فقال الاب:هذا يومٌ انتصر فيه الحق على الباطل

يا صفاء انت ملك هذه الديار وحاكمها

وأخرج عباءة من تحت العرش والبسها صفاءً


فقال صفاء: إن لي نذراً عليَّ وفائه

فأخرج الـ١٠٠ دينار فنظر الى الناس فوجدهم جميعاً على الفقر فطلب ان يأتوا بـ١٠٠٠ دينار من اموال الضرائب فيردوا حقوق الناس

فلما انفض الناس بقي يبحث عمن ليس له من المال شيء فقسم الـ١٠٠ عليهم وشكر الله وحمده على نعمته.


استغفر الله العظيم واتوب اليه 💛🌾



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد ناظم || كاتب محتوى

تدوينات ذات صلة