إلقاء الضوء على قضية الأطفال شبه الأيتام، من عانوا من فقدان أحد الوالدين

كوابيس


كابوس رهيب، حرمها من عزيز النوم، فما يلبث أن يغشى عينيها النعاس أمنة، حتى تقفز إلى مخيلتها صورة رجل يضع يده على عنق أمها، ويضغط بقوة كي يزهق روحها، ومن خلال الرؤية الضبابية شاهدت ملامحه المصطبغة بقسوة وجفاء، قاومت بكل ما أوتيت من جهد المقاومة، محاولة التحرر من قبضته المحكمة.

استيقظت مفزوعة صارخة، وقد فغرت فاها، وجحظت عيناها، وتصبّب جبينها عرقا.

سمعت والدتها صراخ ملاكها الصغير، فهرولت مسرعة وتوجهت نحو غرفة صبا، طفلتها المدللة، كانت العلاقة طردية بين المسافة ودقات قلبها، فكلما اقتربت أكثر تسارعت الدقات، وكأن فؤادها سيقفز من مكانه.

فتحت الباب وأدارت مفتاح الإنارة، ركضت واحتضنت حبيبتها لتشعرها بالأمان، وهمست في أذنها ( بسم الله عليك... ما بك يا حياتي؟ اطمئني أمك هنا بقربك... لا تخافي صغيرتي ما هي إلا أضغاث أحلام...)

فصرخت الطفلة وهي ترتجف وتشد بقوة على ذراعي والدتها (أمي لا أريد أن تموتي... لا أريد أن أتخيل حياتي دون وجودك.... فأنت وطني... مركز كوني....استلقت الأم بجوار طفلتها، وأخذت تقرأ على جسدها المرتعب، ما كانت تحفظ من آيات القرآن الكريم، إلى أن استسلمت جوارحها لنوم عميق، وأسدلت الستارة على كابوسها المريع...هنا بدأت تفتح ستائر المسرح من جديد، لتعرض كابوسا حقيقيا موجعا من جديد، فقد كانت الوالدة تدرك أنه لم يتبقى لها إلا النزر اليسير من الوقت، فنهاية قصتها الدرامية باتت وشيكة، خاضت خلالها أحداثا وتجارب دامية، عانت من الآلام أطنانا، وقطعت من المسافات أميالا..... لكن هاجسها الأوحد كان صغيرتها المسكينة.... أخذت تحدّث ذاتها بصمت (صغيرتي.. قطعة من جسدي، كيف سأتركك وردة وحيدة يانعة في مهب الريح؟؟ بلا تجارب ولا مؤهلات تمكنك من الوقوف في وجه الحياة بثبات، أخاف أن تطيح بك عواصف الجبروت والألم في هذا العالم المستبد، ستسجنين داخل أسوار الحزن، ستتحطم كل دفاعاتك المضادة فهي هشة كقشة، ورقيقة كوردة.......ماذا سأفعل لأجلها؟ فهي أثمن جوهرة نمت داخل أحشائي....... أخذت تحدث نفسها طوال ساعات الليل المقيتة...فكرت في إرسال رسالة نصية لوالد طفلتها - وكان هذا قد هجرهما منذ سنوات وأرسل لها ورقة طلاقها بالبريد - أيمكن أن يرّق قلبه لصغيرة لم يرها تكبر أمام عينيه، ولم يسمع من بين شفتيها كلمة (بابا)، أيمكن لمنظرها العذب وعينيها البريئة أن تلين قلبه القاسي، وتأسر لبه؟؟ ورغم تخوفها من رد فعله غير المتوقع.. قامت بكتابة خطاب مختصر ( السلام عليكم ورحمة الله... أنا سلمى... أود محادثتك في موضوع هام جدا وله علاقة بطفلتنا..)لم يصلها رد على رسالتها، انتظرت أياما وأسابيع دون جدوى، وبلا فائدة.... ما الحل الآن؟ ماذا سأفعل؟


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نريمان نزار

تدوينات ذات صلة