تناول قضية تغيّر طباع البشر ، نتيجة الغربة والبعد ، وكيف يصبح الفرد مادي

اليوم المشهود

فتيات في ربيع العمر، عشن في ضاحية بعيدة عن العمران الحديث، حيث تعج الأزقة بالباعة المتجولين، كل ينادي بصوت هادر عما تحوي جعبته من مكنونات ، فتخرج النساء مسرعة كي تلحق به، وتكون أول من يبصر البضاعة فتحوز الأجمل منها والأفضل، كانت( أم وجد) دائما أول الواصلات، فقد حفظت عن ظهر قلب مواعيد قدوم كل بائع، تستيقظ في الصباح الباكر وتنهي أعمالها المنزلية الروتينية، ثم تجلس في ساحة البيت، مناجية عناصر الطبيعة حولها، منتظرة بفارغ الصبر جائزتها.مضت السنوات وهي على هذه الحال، من الانتظار والترقب،

كانت في قرارة نفسها تعاني من الضياع في متاهات الحزن، من الغرق في بحور فقدان الأمل، تملكها جنون الارتياب والشك...

ذات صباح وصلها خبر عن عودة ابنها الوحيد ، الذي سافر إلى الخليج، ثم انقطعت أخباره بعد فترة ، وفقد أثره رغم محاولاتها المستميتة لمعرفة مصير وليدها المجهول، غموض عميق أحاط به، حتى ظنت أنه في عداد الأموات....

خبر كونه على قيد الحياة اهتزت له الأركان والأرضون، كان بمثابة صاعقة ألهبت نيران الشوق والحنين في حنايا قلب الوالدة وبين ضلوعها، التي أكل عليها الدهر وشرب، حتى أضحت يابسة خاوية....عودته تعني بعث الحياة في روحها الميتة منذ رحيله، وتبدل طعم الكون المر الذي ألفته دهرا، حلاوة وطلاوة، عادت لؤلؤتها الثمينة لتزين العقد....

وفي اليوم المشهود، عاد (وجد) من منفاه الاختياري، حاملا من قسوة الغربة أحمالا، ومن الوحشة أطنانا، بدا الجفاء على كل تفاصيله، تقدم بتباطؤ مقيت نحو والدته التي تهلل وجهها فرحا عندما أبصرت عيناها محياه، ومن فرط سعادتها شعرت بأن فؤادها سيقفز من مكانه، فاحتضنته بشدة لتمحو بين السنين وتنسى غدرها، قبلت كل جزء من جسده ، سكبت دموعا غزارا لتغسل ألم البعد وحزن الفقد.... قابل حرارة لقائها ببرودة جليد، ومحبتها بجفاء، وصلتها بقطيعة...يا للعجب!

ما ذلك التغير الذي اعترى طفلي؟

أيمكن أن يكون هذا ولدي الحنون!

عكازي الذي سأستند عليه عندما أشيخ وأهرم؟

ليس هو... لا يمكن أن يكون هو أبداا

الثالث من كانون الثاني......


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نريمان نزار

تدوينات ذات صلة