تناول قضية تعامل المجتمع مع ذوي الاحتياجات الخاصة ونظرتهم لهم

جراح لا تلتئم

مأساة سلمى بدأت منذ نعومة أظفارها ، فهي الطفلة البكر لأسرة الحاج عبد الله ، التي ولدت مع إعاقة حركية ، منعتها من السير كأي طفل في مثل عمرها.نشأت وترعرعت في مجتمع قروي ، شاعت فيه بعض الأعراف والطقوس التي تقلل من شأن المرأة ، وتنظر إليها نظرة دونية.كان والدها ينظر إليها نظرة ازدراء واشمئزاز لانه في جوفه كان يتمنى أن تكون صبيا ، يحمل اسم العائلة ، ويرفع رأسه بين الناس ، وليس الذكر كالأنثى في ذلك المكان ، بالإضافة إلى شعوره بالعار والحرج بسبب إعاقتها لدرجة أنه كان يخفيها عن المحيطين به ، ولا يسمح لها بالخروج من غرفتها ، وإذا ما وقعت عينه عليها بدأ بالصراخ والتوبيخ .قتل ثقتها بنفسها ، وجردها من وجودها ، كبرت رهينة المحبسين : سجن جسدها المختلف عن الآخرين مما جعلها تشعر بأنها أقل منهم شأنا ومكانة. وسجن نفسي يقتلها في اليوم ألف مرة ، آلام وكسر خاطر ، وحشة تذيب إحساسها بآدميتها وتعزلها عن الغير .رغم عتمة حياتها وتلاشي ملامحها وثقل همومها ، كانت هناك الوالدة لتخفف عنها ، وتربت على كتفها مع أنها مسكينة ، مغلوبة على أمرها ، مسلوبة الحقوق ، منهكة القوى – كحال كل مرأة في ذلك الزمن – ممزقة بين زوجها بجبروته ، وبين طفلتها بضعفها واحتياجها إلى حنان أم ، ومساندة صديقة.أغلال المعاناة لم تقيد سلمى ، وتحكم الخناق على وجودها ، بل أضحت دافعا لإطلاق أحلام ، وصقل طموحات ، فكل دمعة سالت على خدها ، وكل كلمة زجر أرقت ممسمعها ، تحولترغبة مشتعلة داخل صدرها في التخلص من القيد الذي لازمها منذ الصغر ، وخطوة لتعويض الحرمان الذي غلف روحها ، وأفقدها الحياة.فبدأت بتدوين يومياتها في مفكرة صغيرة ، تخفيها تحت وسادتها .مضت الشهور والاعوام ، والحال باق على ما هو عليه ، إلى أن وقع حدث جلل زلزل كيانها وقلب حياتها فقد توفي والدها المتسلط ، شعرت بأن هذه النقطة هي بداية خروجها من رحم الحزن والعدم ، بداية انطلاق مسيرة حياتها الفعلية.طالما شعرت الأم بالندم بسبب سلبيتها ، ففتحت باب القفص لعصفورتها الصغيرة وحثتها على الطيران ، ومجابهة التحديات وتذليلها.أكملت سلمى تعليمها مصممة على التفوق ، متسلحة بعزيمة صلبة كالحديد ، حيث جعلت من إعاقتها سلما تصعده وصولا إلى قمة هرم النجاح... مسطرة ملحمة بطولة وتفوق..ومع تلك النجاحات التي حققتها ، والثناءات التي حظيت بها ، لا زالت تلك البقعة الداكنة من تاريخها تنغص عليها وحدتها ، وتلوث جمال لوحتها الجديدة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات نريمان نزار

تدوينات ذات صلة