إنَّ المشكلة بدايةً من القاضي نفسه.. والأخرى تأثرهُ بجماعات الضغط السياسي


يقول العميد شارلز ديباش([1]): "لا يمكن لاحد من وزراء العدل في فرنسا ان يقسم انه لم يحاول ابدًا التدخل في مجرى العدالة" وعليه فإن جماعات الضغط الأيديولوجي سواء ماليًا أو نفوذًا سياسيًا أو اعلاميًا أو كافة الوسائل الأخرى تمتلك كل مقومات الضغط التي تؤثر على حيدة ونزاهة القضاء!


إنَّ المشكلة بدايةً من القاضي نفسه.. والأخرى تأثرهُ بجماعات الضغط؛ حيث ان هذه الجماعات تؤثر على تكوين أفكار وقرارات القاضي بطريق مباشر أو غير مباشر، فليس من المنطق أن نسلخ القاضي من جلده كي يكون موضوعيًا بالمطلق -وهو أمر مستحيل- فالقاضي بشر لا ينظر إلى بعينه المليئة بالتصورات الشخصية وافكاره وثقافاته بل وكل الأيديولوجيات التي آمن بها أو العقيدة التي يعتنقها، إنها تولد معه ومتجذرة في أفكاره، وعليه فإن كل التأثيرات من الخارج السياسي والانتماءات الحزبية والتوجهات والأفكار هي لاعب أساسي في تكوين الكثير من قرارات القاضي..

استقلالية القضاء.. بين النص؛ وجماعات الضغط الأيديولوجي13898323843842208



والدليل ببساطة تضارب الكثير من الاحكام القضائية في المحاكم حول تطبيق ذات القانون خير دليل على ما سبق!

أما من حيث النصوص الدستورية واتفاقيات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ككل، نرى أنه لا يكاد يوجد دستور دولة على مستوى العالم إلا وفيه تأكيد على أنَّ القضاء مستقل، أو أنَّ السلطة القضائية لا سلطان عليهم في قضائهم لغير سلطة القانون! أو لا يجوز لاي سلطة أن تتدخل في سير مجريات العدالة.. الخ. كنص الإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة ١٩٤٨م، في المادة (١٠) منه "لكل انسان الحق بكامل المساواة في محاكمة عادلة وعلنية امام محكمة مستقلة ومحايدة عند تقرير حقوقه وواجباته واي اتهام جنائي يوجه ضده"

هناك الكثير من الدراسات الاكاديمية التي تبين وتوضح حجم الكارثة التي تؤدي إلى وقوع فجوة بين النصوص الدستورية والوثائق الدولية من جهة وبين التطبيق الفعلي لعمل القضاء في جميع مفاصل الدولة من جهة اخرى، حيث ان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٨٥م، تؤكد وجود هذه الفجوة، وان الأنظمة السياسية لها دور كبير في انحراف مسار القضاء بشكل واضح، فهو يزداد في الأنظمة القمعية الدكتاتورية ويقل تدريجيًا في الأنظمة الديموقراطية، والفجوة تكبر اكثر خاصة في دول العالم الثالث، الذي تبقى فيها قضايا الحقوق والحريات حبسية النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية فقط!

استقلالية القضاء.. بين النص؛ وجماعات الضغط الأيديولوجي43748212834118750

ان أهمية تمتع القضاء بالاستقلال والنزاهة ليس كما يتصور البعض بانه من اجل سمعة القضاء وحسن سير العدالة فقط.. انما هي منظومة متكاملة مجتمعيًا، يرتبط بها النظام العام، والامن المجتمعي والسلم، والنظام السياسي الحاكم، بعيدًا عن الاحكام التعسفية والظلم، لان ذلك يضعف الانتماء ويولد انفجار على النظام السياسي باعتباره غير قادر على إعطاء الثقة للمجتمع مما يؤدي إلى مخاطر امنية.


يتصور البعض اننا نتكلم عن مسألة جدلية لكن الحقيقة اننا نتحدث عن أكثر الأجزاء الحساسة المتعلقة بالسلطة الحاكمة فتأثير جماعات الضغط السياسي على قرارات السلطتين التشريعية والتنفيذية وعلى قناعات القضاء لهو أكبر المعضلات التي تواجه عدم استقرار هذه البلاد..


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) Charles Debbasch هكذا يكتب بالفرنسية، ولد في تونس ١٩٣٧م، هو محامي واكاديمي جامعي فرنسي.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصعب ثائر جسملة | Musaab Thair

تدوينات ذات صلة