"وفي يوم نتوقع قدومه، نري جذوع الأشجار مكانا للبكاء بعيدا عن عيون الناس. وفي يومٍ آخر لم نكن نتوقعه، تصبح نفس جذوع الأشجار رمزا للشموخ والجمال"



عندما أري بائعة عجوز تأن من حرارة الشمس علي رصيف الشارع وفي عز الظهيرة وهموم الحياة تتناثر من عينيها ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري طفلا غضا فقد أبويه وأصيب باليتم وهو غير مدرك معني الفراق وينفجر قلبه من الفقدان ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الحق في مال أو وظيفة أو ترقية أو مكافأة يضيع من صاحبه بمعرفة من يقدر ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الرياح عاتية والأمطار ضارية تطيح بهشاش الناس وفقيرهم بلا ذنب إلا أنهم صُنعوا فقراء ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري المرض ينهش في جسد الفقير والمسكين دون مقدرة علي العلاج ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الموت يخطف فجأة أرواحا غضة وقلوبا طيبة وشبابا يافع وعقول راجحة ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الظلم يمشي متبخترا علي الأرض ضاربا بأرجله وأقدامه الحق عنوة ، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري شيخا عجوزا واهنا ضريرا فقد إبنه وفلذة كبده وسنده الوحيد في الدنيا ليتركه وحيدا بشيخوخته، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الإهمال يرقص واللامبالاة تغني والوساطة تلهوا والفساد يبارك ويجاهر، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أري الحبيب يفقد حبيبه بلا ذنب فينفرط قلبه، أتذكر الخالق وأسأل عن الأسباب.


وعندما أتذكر الخالق، تغشوني طمأنينة بأن كل شئ بيد الله وبقدر وبأن المخلوق مجرد نموذجا للبلاء في حياة مهما طالت أو قصرت مؤكد راحلة بهمومها وفرحها وأحزانها. حياة هي مجرد إختبار عقده الخالق قبل تخريج الناس.


وعندما أسأل عن الأسباب لا أجد ما يجيب سؤالي سوي أنه القدر الذي جعل الخالق في ظاهره العناء وفي باطنه الرحمة ليتأكد العباد أن الدنيا ماهي الا موضع لقدم، قد تدوس علي شوك، أو ماء أو صخر أو سهل، قبل أن تُرفع لتتبختر وللأبد علي حرير من سندس ملئه الحياة.


وإن كانت الأسباب علم لَدُني، فعدم العلم بها يجعل من الحياة مسرح كبير للتأمل في المُسَبب وما فوق الأسباب، فلا يقف العالم عند موت أو حزن أو شقاء أو فراق أو فقر أو ظلم.


ولتدرك النفس أن هناك معانٍ أكبر لا تدركها فتعيش علي لهفة إدراكها وفهمها يوم الميعاد فترتاح وتستقر وتَقِر.


تحياتي

ا.د. محمد لبيب سالم

أستاذ علم المناعة كلية العلوم جامعة طنطا

عضو اتحاد كتاب مصر




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

ربنا يخليك ويارب تحفظ مصر

إقرأ المزيد من تدوينات د. محمد لبيب سالم أستاذ جامعي واديب

تدوينات ذات صلة